للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأنشأ صناعة بساحل فسطاط مصر، وجعل موضع الصناعة التى بالروضة بستانا سماه: «المختار». وأحمد بن طولون أكثر من عمل السفن الحربية وجعلها تطوف بها من كل ناحية، وبنى بها حصنا منيعا فى سنة ثلاثة وستين ومائتين، وجعله معقلا لماله وحرمه، عندما تحرك عليه موسى بن بغا يريد إبعاده عن عمل مصر. وقال القضاعى: إنه لما بلغ أحمد بن طولون مسير موسى بن بغا من العراق واليا على مصر وجميع أعمال ابن طولون - وذلك فى خلافة المعتمد على الله - تأمل مدينة فسطاط مصر فوجدها لا تؤخذ إلا من جهة النيل، فبنى الحصن بالجزيرة الذى بين الفسطاط والجزيرة، ليكون معقلا لحريمه وذخائره، واتخذ مائة مركب حربية سوى ما يضاف إليها من العشاريات (١) وغيرها، فلما وصل ابن بغا إلى الرقة تثاقل عن المسير لعظم شأن ابن طولون وقوته، ثم لم يلبث موسى أن مات وكفى ابن طولون أمره. وقال محمد بن داود لأحمد بن طولون:

بحر البسيط

لما توفى بغا بالرّقّتين ملا … ساقيه درقا (٢) إلى الكعبين والعقب

بنى الجزيرة حصنا يستجنّ به … بالعسف والضّرب، والصّناع فى تعب

وواثب الجيزة القصوى فخندقها … وكاد يصعق من خوف ومن رعب

له مراكب فوق النيل راكدة … لما سوى القار للنظار والخشب

ترى عليها لباس الذل مذ بنيت … بالشّطّ ممنوعة من عزة الطلب

فما بناها لغزو الروم مكتتبا … لكن بناها غداة الروع للهرب


(١) العشاريات: جمع عشارى وهى نوع من المراكب، كان يسمى فى عصر المماليك الحراقة، كان صغير الحجم، للملاحة النيلية. المغرب فى حلى المغرب. الجزء الخاص بمصر ١٥٨.
(٢) الدرق: ترس من جلود ليس فيه خشب. (اللسان: درق)