للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت القطعة المذكورة أولا بيد السلطنة بإجارة صحيحة، ثم صارت بيدهم على جهة وضع اليد المنسحبة على إجارة كما تؤخذ الأوقاف الآن لجهة الذخيرة، ويدفع من مال الذخيرة للمستحقين عوضا عن أجرتها، ثم لما تطاول الزمان فكأنه نسى ذلك فظنت من أراضى بيت المال؛ فوقفت على الجامع الصالحى (١) المعروف بجامع ابن المغربى على شاطئ الخليج الناصرى بقرب باب اللوق. واستمرت جارية فى وقفه إلى الآن، تؤخذ أجرتها وحكرها له وهو مبنى على غير أصل. ثم حدث فى هذه الأيام ما هو أسوأ من ذلك؛ وهو أن القاضى علاء الدين بن آقبرس، أنهى فى قطعة تسمى «الميدان» من القطعة الأولى التى من جامع غين إلى المناظر، وهى مستمرة بيد نظار التقوية من أول الأمر إلى الآن، أنها جارية فى أراضى بيت المال، ووقفها على ابن آقبرس وذريته، وثبت هذا الوقف على يد قاضى الحنفية سعد الدين بن الديرى، ونفذه قضاة القضاة فى عصره، فتحرك والده فى هذه السنة وهى سنة خمس وتسعين وثمانمائة إلى طلب ذلك، ونزع هذه القطعة من أيدى نظار التقوية، واستفتى أهل العصر فأفتوه، وأراد منى الكتابة فاعتذرت له بترك الإفتاء من مدة، وقلت لمن كان حاضرا عندى: "لو أفتيته ضررته".

وأوضحت لهم القصة مفصلة، ثم إنه وقع الأمر إلى سلطان العصر بعقد مجلس لذلك فى الروضة، فحضر قضاة القضاة ومن معهم، ثم قدر الله أنه لم يتم له شئ مما أراد، واستمرت فى وقف التقوية، ثم رأيت بعد ذلك فى تاريخ المقريزى المسمى ب «السلوك بمعرفة دول الملوك» أن أراضى الروضة تجاه مدينة مصر كانت رزقا أحباسية بيد أولاد الملوك، ويستأجرها منهم الدواوين، وينشئوا بها سواقى ونحوها (٢)، ومنها ما باعه أولاد الملوك بأبخس


(١) أنشأه صلاح الدين يوسف بن المغربى، رئيس الأطباء بمصر. خطط المقريزى ٤/ ١٣٦ (ط. النيل).
(٢) المقريزى، السلوك لمعرفة دول الملوك، ج ٢ ق ٢، ص ٤٧٤: وينشئون بها سواقى الأقصاب ونحوها.