للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذى القعدة وقع الهدم فى الدور والقصور والمساجد التى كانت بجزيرة الروضة، ونقلت الناس من مساكنهم التى كانوا بها، وهدم كنيسة كانت لليعاقبة بجانب المقياس وأدخلها فى القلعة، وأنفق فى عمارتها أموالا جمة من غنيمة غنمها من الإفرنج، وبنى فيها الدور والقصور، وعمل لها ستين برجا وبنى بها جامعا وغرس بها جميع الأشجار، ونقل إليها عمد الصوان من البرابى وعمد الرخام، وشحنها بالأسلحة وآلات الحرب وما يحتاج إليه من الغلال والأقوات، خشية من محاصرة الإفرنج، فإنهم كانوا حينئذ قاصدين بلاد مصر وبالغ فى إتقانها مبالغة عظيمة. وكان الملك الصالح يقف بنفسه ويرتب ما يعمل فصارت تدهش من كثرة زخرفتها، ويتحير الناظر إليها من حسن نقوشها المزينة وبديع رخامها، وخرب الهودج (١) والبستان المختار، وهدم ثلاثة وثلاثين مسجدا كانت بالروضة، وقيل إنه قطع من الموضع الذى أنشأ به هذه القلعة ألف نخلة مثمرة، كان ثمرها يهدى إلى ملوك مصر لحسن منظره وطيب طعمه. وكان النيل عندما عزم الملك الصالح على عمارة قلعة الروضة من الجانب الغربى فيما بين الروضة وبر الجيزة، وقد بعد عن بر مصر ولا يحيط بالروضة إلا فى أيام الزيادة، وكان/قبل ذلك فى أيام الفتح محيطا بالروضة طول السنة، فلما كانت سنة ثلاثين وثلثمائة، بناء على ما ذكره المقريزى فى الخطط، جف النيل عن بحر مصر حتى احتاج الناس أن يستسقوا من بحر الجيزة، فحفره كافور الإخشيد، ودخل الماء إلى ساحل مصر، ثم لما كان قبل سنة ستمائة تقلص الماء عن ساحل مصر، وصار الطريق إلى المقياس يبسا، واستمر ذلك فى كل سنة فى أيام الاحتراق.

فلما كان فى سنة ثمان وعشرين وستمائة، خاف الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب من تباعد البحر عن العمران بمصر، فاهتم بحفر البحر من دار الوكالة بمصر إلى صناعة التمر الفاضلية، وعمل فيه


(١) قصر الهودج: بناه الآمر بأحكام الله، وأسكن فيه زوجته البدوية. خطط المقريزى ٢/ ١٩٧.