للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنفسه، فوافقه على العمل فى ذلك الجم الغفير، واستوى فى المساعدة السوقة والأمراء، وقسط مكان الحفر على الدور التى بالقاهرة ومصر والروضة بالمقياس، فاستمر العمل فيه من مستهل شعبان إلى سلخ شوال حتى صار الماء يحيط بالمقياس وجزيرة الروضة دائما بعد ما كان قبل الزيادة يصير جدولا رقيقا فى ذيل الروضة، فإذا اتصل ببحر بولاق فى شهر أبيب (١) كان ذلك من الأيام المشهورة. فلما كانت أيام الملك الصالح وعمر قلعة الروضة، أراد أن يكون الماء طول السنة كثيرا فيما دار بالروضة، فأخذ فى الاهتمام بذلك، وغرّق عدة من المراكب مملوءة بالحجارة فى بر الجيزة، ومن قبلى جزيرة الروضة، وحفر ما كان بين الروضة ومصر من الرمال فعاد ماء النيل إلى بر مصر، واستمر هناك. وقال ابن المتوّج: لما عمر السلطان الملك الصالح قلعة الجزيرة صار فى كل سنة يحفر هذا البحر بنفسه وجنده، ويطرح بعض رمله فى البقعة التى عمر فيها الناصر الجامع الجديد، وشرع خواص السلطان فى العمارة على شاطئ هذا البحر من موضع الجامع الجديد الآن إلى المدرسة المعزية، ثم إن الملك الصالح أنشأ جسرا عظيما ممتدا من بر مصر إلى الروضة، وجعل عرضه ثلاث قصبات، وكان كرسيه حيث المدرسة الخروبية (٢) قبلى دير النحاس، وكانت الأمراء إذا ركبوا من منازلهم يريدون الخدمة السلطانية بقلعة الروضة يترجلون عن خيولهم عند البر ويمشون فى طول هذا الجسر إلى القلعة، ولا يتمكن أحد من العبور عليه راكبا سوى السلطان فقط، ولما كملت القلعة تحول إليها بأهله وحرمه، واتخذها دار الملك وأسكن معه فيها مماليكه البحرية، وكانت عدتهم نحو ألف مملوك.

وكان قديما فيما بين ساحل مصر والروضة جسر من خشب، وكذلك فيما بين الروضة والجيزة جسر من خشب، يمر عليه الناس والدواب من مصر إلى الروضة، ومن الروضة إلى الجيزة، وكان هذان الجسران من مراكب مصطفة


(١) أبيب شهر من الشهور القبطية.
(٢) انظر الخطط التوفيقية - الجزء السادس ص ١٥.