للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المقريزى فى حوادث سنة تسع وأربعين: كان ماء النيل قد نشف فيما بين بر مدينة مصر والروضة، وصار فى أيام احتراق الماء رملا، فوقع الاتفاق على عمل جسر، وقام منجق على عمله، فضرب إلى الجزيرة الوسطى، فأقاموا فى عمله أربعة أشهر، وكان طول جسر الروضة مائتى قصبة فى عرض ثمان قصبات وارتفاعه أربع قصبات، وطول جسر المقياس مائتين وثلاثين قصبة، وعدة ما رمى فيه من المراكب اثنا عشر ألف مركب سوى التراب والطين وغرم عليه ما لم يمكن حصره، وجبى ذلك من كل من فى البلدين القاهرة ومصر.

ومما قاله العلامة على بن سعيد فى كتاب: «المغرب» إنه أبصر فى هذه/الجزيرة إيوانا لجلوس السلطان، ليس له مثال، وفيه من صفائح الذهب والرخام والأبنوس والكافور والمجزع (١) ما يذهل الأفكار، ويستوقف الأبصار، وكان خارج السور أرض طويلة وفى بعضها بناء فيه أصناف الوحوش التى يتفرج عليها السلطان، وبعدها مروج تتقطع فيها مياه النيل، فينظر بها أحسن منظر، ولم تزل هذه القلعة عامرة، حتى زالت دولة بنى أيوب، فلما ملك السلطان الملك المعز عز الدين أيبك التركمانى أول ملوك الترك بمصر فى سنة تسع وأربعين وستمائة، أمر بهدمها، وأنشأ منها مدرسته المعروفة «بالمعزية» فى رحبة الحناء بمدينة مصر؛ فطمع فى القلعة من له جاه، وأخذ جماعة منها عدة سقوف وشبابيك كثيرة وغير ذلك، وبيع من أخشابها ورخامها أشياء جليلة، وأهمل أمر الجسر. فلما صارت مملكة مصر إلى السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى اهتم بعمارة الجسر وقلعة الروضة فأعيدا كالأول، ورسم للأمير موسى بن يغمور (٢) أن يتولى إعادة القلعة كما كانت، فأصلح بعض ما تهدم منها، ورتب بها الجاندارية وأعادها إلى ما


(١) المجزّع: كل ما فيه بياض وسواد.
(٢) فى الأصل: معمور. وهو جمال الدين موسى بن يغمور. انظر: خطط المقريزى، ج ٢، ص ١٨٤.