وفى تلك المدة غرق مركب عظيم فى هذه الجهة، فربا عليه الرمل حتى حدثت فى مدة قليلة جزيرة فيما بين منية الشيرج وقرية أم دنين، فسماها الناس «جزيرة الفيل»، وصار الماء يمر من حولها، وفى كل سنة وقت الفيضان يعلوها النيل وترتفع بالطمى وتتسع، حتى صارت تزرع في أيام الدولة الأيوبية.
فلما كانت سنة سبعين وخمسمائة استحوذ عليها الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، وجعلها وقفا على مدرسته التى أنشأها بالقرافة بجوار قبر الإمام الشافعى ﵁، ثم لما صار الأمر إلى الملك الصالح نجم الدين (١) أيوب أخذت فى الاتساع، وبعد النيل عن أكثرها وكذلك بعد عن فوهة الخليج التى كان بها قنطرة عبد العزيز بن مروان، وقد بينّا أنها كانت فى محل منزل الست الشماشرجية كما تقدم، فأمر بالزيادة فى طول الخليج، وأمر ببناء القنطرة الجديدة المعروفة «بقنطرة السد»، وظهرت من هذا الانتقال أراض فى غربى الخليج وشرقيه، فالتى فى غربى الخليج صارت بستانا، عرف «ببستان المحلى»، والتى فى شرقيه صارت بستانا أيضا، عرف ببستان «الحارة»، والأول هو بعض الأرض الواقعة تجاه القصر العينى فى غربى الخليج، والآخر محل المبانى المقابلة لهذه الأرض بين الخليج والشارع. وحدثت أيضا رمال وجزيرة قدام الساحل القديم بين يدى الفسطاط والعسكر، فى محل المذبح الجديد وترب النصارى، وامتدت بطول الساحل من الجهة القبلية.
وانحسر النيل عن مصر، وتربى جرف قبلى قنطرة عبد العزيز، بنى الناس فوقه مساكن أطلق على خطتها اسم «بين الزقاقين»، وكانت تلك المساكن تشرف من غربيها على الخليج، ومن شرقيها على بستان عرف «ببستان الجرف»، وكانت قبل بناء تلك المساكن مراغة للدواب، فلما عمر السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب قلعة الروضة، صار فى كل سنة يحفر البحر بين الجزيرة
(١) فى الأصل: نجم الدين بن أيوب، وهو خطأ. فهو: الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب. انظر: وفيات الأعيان، ج ٥، ص ٨٤ - ٨٥.