ولما استولى البطالسة على مصر بعد موت الإسكندر شقوا البرزخ بخليج جعلوه بين البحرين، وأتموه وأقفلوه من عند مبدئه، بحيث صارت المراكب تدخل من البحر فى الخليج على حسب الإرادة.
واتفق ديودور واسترابون وغيرهما على أنه عمل فى المحل الموافق من الخليج سدود، سهّل بسببها دخول المراكب وخروجها، وصب مياه خليج النيل فى البحر، ولم يعلم من أقوالهم أين كان محل هذه السدود ولا كيفية عملها، ويمكننا أن نقول إن بعضها كان فى الخليج المالح عند البرك المرة؛ لأن البحر الأحمر كان يمتد وينتهى إليها، والسدود التى عملت فى خليج النيل يلزم أن تكون في مقابلته، فأنّا لو فرضنا أن مياه النيل كانت تأخذ من فرع الطينة بواسطة الخليج المار من الوادى، ففى زمن التحاريق يكون مستوى المياه النيلية فى مبدأ الخليج فوق مستوى مياه البحر الأحمر بقدر أربعة أمتار وتسعة أعشار متر، وفى زمن الفيضان يبلغ هذا الفرق عشرة أمتار وعشر متر، ويلزم ضرورة عند تلاقى الخليج بالبحر الأحمر عمل سد أو هويس؛ لأجل أن تستند عليه المياه إلى هذا الارتفاع، أو أنه كان يلزم عمل عدة سدود أو هويسات فى طول الخليج لتوزيع الانحدار، وهذا لم يذكره أحد.
وقد ثبت من الموازين الهندسية التى عملت فى سنة سبع وأربعين وثمانمائة وألف، وتحققت فى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وألف، وأعيدت مرات فى سنة ستة وخمسين وثمانمائة وألف، وفى سنة سبع وخمسين لما أريد الشروع فى عمل خليج البرزخ المالح الموجود الآن، وجد أن مستوى مياه البحر الأحمر فى المد المتوسط مرتفع فوق مياه البحر الأبيض بقدر متر وستة أعشار متر، فلو فرض حفر هذا الخليج وامتداده إلى أن يتقابل مع فرع الطينة، فضرورة تختلط المياه المالحة بمياه هذا الفرع، وتفسد جميع أراضى الزراعة المجاورة؛ فلأجل منع هذا الضرر يلزم عمل سدود فى الخليج المالح، ويقتضى