ويعلم مما تقدم أنه كان ببرزخ السويس خليجان: أحدهما: كان يوصل البحر الأبيض بالأحمر. وأوله كان عند مدينة الطينة التى كانت على ساحل/ البحر الأبيض، وآخره عند البرك المرة التى كان ينتهى إليها البحر الأحمر، وكان بقرب مصبه بالبرك المرة مدينة أرسنويه التي زالت.
والثانى: هو الخليج النيلى المعروف «بخليج القاهرة». وخليج القاهرة هذا، كان فى الزمن السالف قبل المسيح بألفين ومائة وثلاث وسبعين سنة، وكان أوله عند تل بسطة، وينتهى إلى بركة التمساح. وفى زمن دارا ملك الفرس قبل المسيح بخمسمائة سنة ظهر هذا الخليج، وكان يمتد إلى بركة التمساح. وفى زمن البطالسة قبل المسيح بمائتين وأربع وثمانين سنة امتد إلى البرك المرة التى كانت فى ذاك الوقت نهاية البحر الأحمر. وفى زمن قيصر الروم أدريان قبل المسيح بمائة وسبع عشرة سنة أصلح ومد إلى قريب من قصر الشمع. ثم فى سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وثلاث وستين وستمائة من الميلاد، جدده عمرو بن العاص وزاد فيه ما رأى ضرورة زيادته.
وفى سنة سبع وستين وسبعمائة من الميلاد، أمر أبو جعفر المنصور بسده حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة؛ ليقطع عنه الطعام؛ فسد وبقى على ذلك نحو ألف سنة، حتى عملت ترعة الإسماعيلية فى هذه الأيام الأخيرة، فتبعت بعضه فى جهة بلبيس والغوارنة، وتبع فرعها المعروف بالترعة الحلوة الموصل المياه النيلية إلى السويس فى بعض مواضعه أثر الخليج القديم، حتى أن عرب البادية كانوا يسمون ما كان باقيا من أثر الخليج القديم «ترعة الخلفاء».
وفيما كتبناه على القاهرة فى مبدأ أمرها بيّنّا ما كان عليه الخليج حين ذاك، وتكلمنا على البساتين التى كانت تحفّه من الجانبين من مبدئه إلى منتهاه، وبينا ما كان عليه من القصور للخلفاء الفاطميين، وشرحنا فى جزء مخصوص مقياس النيل، وما كان يحصل من العناية بأمره فى كل زمن، من