للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زمن الفراعنة إلى وقتنا هذا، وبينّا التقلبات التى تقلب فيها من اعتناء وإهمال تبعا لتقلبات الحوادث، وكذا شرحنا ما كان عليه من القرى عند بناء القاهرة وبعده، مثل بهتيم والأميرية ومنية الشيرج، وقد أطلنا الكلام على هذه القرى وما كان بها من القصور والميادين، وبالجملة فمن يتأمل فى كل ذلك يرى أن خليج مصر كان من أحسن منتزهات القاهرة، وكانت تسير فيه السفن المشحونة بالبضائع أو بأهل الخلاعة.

قال ابن سعيد: دخلت فى الخليج الذى بين القاهرة ومصر، ومعظم عمارته فيما يلى القاهرة، فرأيت فيه من المنكر ما يتعجب منه، وربما وقع فيه بسبب السّكر قتل، فمنع فيه الشرب، وهو ضيق، وعليه من الجهتين مناظر كثيرة العمارة بعالم الطرب والتهكم والمجانة، حتى أن المحتشمين والرؤساء لا يجيزون العبور به فى مركب، وللسرج فى جانبيه بالليل منظر فتان، انتهى.

وبقى كذلك إلى سنة أربعمائة وواحد، فمنع الحاكم بأمر الله الركوب بالقوارب فى خليج القاهرة، وشدد فى المنع، وسدت أبواب القاهرة التى يتطرق منها إلى الخليج، وأبواب الطاقات من الدور التى تشرف عليه، وكذلك أبواب الدور والخوخات.

وفى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة نهي عن ركوب المتفرجين فيه بالمراكب، وعن إظهار المنكر، وعن ركوب النساء مع الرجال، وعلقت جماعة من رؤساء المراكب من أيديهم.

وفى سنة ست وسبعمائة زمن الناصر محمد بن قلاوون، رسم الأميران بيبرس (١) وسلار (٢) بمنع الشخاتير والمراكب من دخول الخليج الحاكمى والتفرج فيه؛ بسبب ما يحصل من الفساد والتظاهر بالمنكرات اللاتى تجمع


(١) بيبرس بن عبد الله، الملك المظفر ركن الدين الجاشنكير المنصورى. ولى حكم مصر والشام سنة ٧٠٨ هـ، وتوفى سنة ٧٠٩ هـ. انظر: الدرر الكامنة، ج ٢، ص ٣٦.
(٢) سلار بن عبد الله المنصورى الأمير سيف الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية مع بيبرس الجاشنكير سنة ٧٠٨ هـ وعزل سنة ٧١٠ هـ، واعتقل بالقلعة إلى أن مات جوعا. المقريزى، السلوك، ج ١/ ٨٧٣.