خلت من السكان بتفرق أهلها فى الجهات، صارت أرضها عرضة لما تلقيه الرياح من الرمال، وما يغلب عليها من ماء البحر، فبعضها غطته الرمال، فصار لا ينتفع به، وبعضها غلب عليه ماء البحر الملح، فأفسده وصيره البرك المالحة التى نشاهدها الآن فى حدود القطر بقرب ساحل البحر الرومى.
وفى الزمن الذى كانت فيه مملكة مصر لها السيادة على جميع أقطار الدنيا، كان هذا القطر مركز تجارة العالم، فكانت تأتيه التجارة الهندية والصينية واليابونية، وتجارة بلاد العرب، والسودان من البحر الأحمر، بسبب اتصاله ببحر الهند وغيره من البحور، كما كانت تأتيه من البحر الرومى تجارة آسيا وأوربا من الأقطار الواقعة على سواحل بحر أزوف والبحر الأسود والبحر الرومى، بواسطة اتصال بعض هذه البحار ببعض.
ولاهتمام ملوك مصر فى ذاك الوقت بتوسيع نطاق سعادة بلادهم، وكانوا أصحاب الصولة والسطوة، وحينئذ أجروا من الأعمال المهمة ما أوجب أن تتحرك التجارة إلى وادى النيل، فحفروا فى أرض البرزخ الخليجين اللذين سبق الكلام عليهما، فسارت فيهما مراكب التجارة، وبقى الأمر على ذلك زمنا إلى أن استولت الفرس على وادى النيل، وكان قد حصل تهاون فى أمر الخليجين المذكورين، وامتنع سير المراكب فيهما، فأمر داريوس ملك الفرس بتطهيرهما وجعلهما صالحين للملاحة.
ثم لما استولى الإسكندر المقدونى على القطر المصرى بعد انجلاء الفرس عنه، أنشأ مدينة الإسكندرية ونظمها على أحسن أسلوب وجعلها عاصمة البلاد، ورتب فيها ملاعب كان يحضرها العالم من كافة الأقطار الواقعة تحت حكمه، مثل السواحل الشامية، وبلاد العراق، وأقاليم كثيرة من الهند وبلاد أناطولى وغير ذلك، فراجت التجارة فى وقته رواجا لم يسمع بمثله. ولما استولى بطليموس على قطر مصر بعد موت الإسكندر، وانقسام ممالكه بين أمرائه، سنة مائتين وسبعين قبل الميلاد، أصلح بطليموس خليج النيل،