للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمرو بن العاص على مصر من قبل الخليفة عمر بن الخطاب، فطهره وأحيا معالمه وأوصله إلى البحر الأحمر، ولم يرض عمر بن الخطاب باتصاله بالبحر الرومى. وقال: إن فى ذلك بابا لإغارات الأروام وهجومهم.

وفى تلك المدة كانت تجارة البحر الأحمر تتبع طريق/القصير كما فى الأيام السابقة، وأما تجارة آسيا الوسطى فكانت تصل إلى البصرة، ومنها تنقل على الجمال فى صحراء بلاد العرب وتصل إلى الحجاز وإلى جدة، فتنقل فى البحر الأحمر إلى جهات، فما كان منها إلى الديار المصرية كان يدخل بعضه من خليج البرزخ، وبعضه من طريق عيذاب أو القصير. وبقى الأمر على ذلك إلى زمن أبى جعفر المنصور، وكان عمه محمد بن عبد الله رفع لواء العصيان فى البلاد الحجازية، فأمر عامله على مصر بردم خليج مصر لقطع الميرة عن البلاد الحجازية، فردمه وصار نسيا منسيا من ذاك الحين، وخربت البلاد التى كانت فى الصحراء على الخليج، وفسدت أرضها الزراعية، واستمر الحال على هذا المنوال.

ثم لما حدثت الحرب المعروفة «بحرب الصليب»، اضطرب حال القطر من كثرة الحروب التى كانت قائمة بين المسلمين والنصارى فى البلاد الشامية، فكان بعض التجار يصل إلى مصر من البحر الأحمر، والأكثر كان يتبع طريق آسيا، وكان زمام التجارة العامة بيد البندقانيين، فتمكنت البنادقة فى القرن العاشر من الميلاد - بمواثيق قوية مع أصحاب الحل والعقد فى البلاد الشامية - من جعل التجارة فى هذه البلاد بأيديهم، وصارت تابعة طريق آسيا. فلما ذهب تسلط النصارى من تلك البلاد، بعد انتصار سلاطين مصر على ملوكهم فى تلك الجهات، تحوّلت طريق التجارة إلى مصر، كما كانت فى الأزمان السابقة، ومن ذاك الحين أخذ البندقانيون فى استمالة ملوك مصر، فمالوا إليهم، وعقدت بينهم المواثيق القوية، وأمنت التجارة برا وبحرا، وكانت تجارة الهند وآسيا وإفريقية تأتى إلى البحر الأحمر، ومنه تنقل إلى النيل من طريق الصحراء، ثم تكون فى البحر الرومى وتدخل البلاد الأوروباوية.