قال: لما زالت الدولة بدخول الغز من الشام على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين فى سنة سبع وستين وخمسمائة، ضربت السكة بالقاهرة باسم الخليفة العباسى المستضئ بأمر الله، وباسم الملك العادل محمود صاحب بلاد الشام، فنقش اسم كل واحد منهما فى جهة، وفيها عمت بلوى المضايقة بأهل مصر، لأن الذهب والفضة خرجا منها وعزّا فلم يوجدا، ولهج الناس بما عمهم من ذلك وصاروا إذا قيل دينار أحمر حصل فى يد واحد فكأنما جاءت بشارة الجنة له.
ثم لما استبد السلطان صلاح الدين بعد موت الملك العادل نور الدين، أمر فى شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بأن تبطل نقود مصر وتضرب الدنانير ذهبا مصريا، وأبطل الدرهم الأسود وضرب الدراهم الناصرية وجعلها من فضة خالصة ومن نحاس نصفين بالسوية، واستمر ذلك بمصر والشام إلى أن أبطل الملك الكامل الدرهم الناصرى وأمر فى ذى القعدة سنة اثنتين وعشرين وستمائة بضرب دراهم مستديرة، وأمر أن لا يتعامل الناس بالدراهم المصرية العتق؛ وهى التى تعرف فى مصر والاسكندرية بالورق، وجعل الدرهم الكاملى ثلاثة أثلاث: ثلثيه من فضة خالصة وثلثه من نحاس، فاستمر ذلك بمصر والشام مدة بنى أيوب، فلما انقرضوا وقامت مماليكهم الأتراك ألفوا سائر شعارهم، واقتدوا بهم فى جميع أحوالهم، وأقروا نقدهم بحاله.
فلما ولى الملك الظاهر بيبرس الصالحى/النجمى، ضرب دراهم ظاهرية وجعلها من سبعين فضة خالصة وثلاثين نحاسا، فلم تزل الدراهم الكاملية والناصرية بمصر والشام إلى أن فسدت فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة بدخول الدراهم الحموية، فكثر تعنت الناس فيها. وكان ذلك فى إمارة الملك الظاهر برقوق قبل سلطنته، فلما تسلطن وأقام الأمير محمود بن على استادارا أكثر من ضرب الفلوس، وأبطل الدراهم فتناقصت حتى صارت عرضا ينادى