الكبير رفع شأنه عنده وأصعده إليه، وخلع عليه فروة سمور، ورتب له تعيينا من كلاده لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبز، ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالا من الأنبار، وأنهى إلى الدولة شأنه، فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا فضة فى كل يوم، وذلك فى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف، فعظم أمره، وانتشر صيته، وطلب إلى الدولة فى سنة أربع وتسعين فأجاب، ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة، وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة، وكاتبه ملوك النواحى من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق، وملوك المغرب والسودان وفزان، والجزائر والبلاد البعيدة، وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة، وأرسل إليه من أغنام فزان، وهى عجيبة الخلقة، عظيمة الجثة، يشبه رأسها رأس العجل، فأرسلها إلى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعا، وكذلك أرسلوا له من طيور الببغاء والجوارى والعبيد والطواشية، فكان يرسل من طرائف الناحية إلى الناحية المستغرب ذلك عندها، ويأتيه فى مقابلتها أضعافها، وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة، وماء الكادى والمربيات والعود والعنبر والعطر شاه بالأرطال، وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد، وماتت زوجته فى سنة ست وتسعين، فحزن عليها حزنا كثيرا، ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية، وعمل على قبرها مقاما ومقصورة وستورا وفرشا وقناديل، ولازم قبرها أياما كثيرة، ويجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون، ويعمل لهم الأطعمة والثريد والقهوة والشربات، واشترى مكانا بجوار المقبرة المذكورة، وعمره بيتا صغيرا وفرشه، وأسكن به أمها، ويبيت به أحيانا، وقصده الشعراء بالمراثى فيقبل منهم ذلك، ويجيزهم عليه ورثاها هو بجملة قصائد، ذكرها الجبرتى فى تاريخه، وبالجملة فإنه كان فى جمع المعارف صدرا لكل ناد، حتى قوض الدهر منه رفيع العماد، وأذنت شمسه بالزوال، وغربت بعد ما طلعت من مشرق الإقبال كما قيل: