وكان يصنع المولد سنة ليلة اثنى عشر من ربيع الأول، وسنة ليلة ثمان منه، مراعاة للخلاف فى ذلك، فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئا زائدا عن الوصف إلى محل المولد، فيذبحونها يتفننون فيها بأنواع الأطعمة الفاخرة.
وفى ليلة المولد ينزل الملك من القلعة وبين يديه من الشموع ما لا يحصى، وفى جملتها أربع شمعات من الشموع المختصة بالمواكب التى تحمل الواحدة منها على بغل، موثقة بالحبال، يسندها رجل من خلفها، وفى صبيحة تلك الليلة توزع الخلع السنية على الصوفية والعلماء، ثم ينزل هو إلى الخانقاه، وتجتمع الأعيان والرؤساء، وكثير من الناس، وينصب له برج من الخشب، له نوافذ يشرف منها على الناس بميدان فى غاية الاتساع، تعرض عليه فيه الجند ذلك اليوم أجمع، فإذا تم العرض وفرغ الوعاظ من الوعظ قدم فى ساحة الميدان السماط العام الذى لا يوصف، ولا يحد ما فيه من الطعام والخبز، ويمد سماط ثان الخواص الناس، المجتمعين عند كرسى الوعظ، المنصوب بجانب البرج، والملك فى كل ذلك يلحظ الوعاظ تارة، وبقية الناس أخرى، وقبل مد هذين السماطين يطلب الملك الحاضرين وجميع الوافدين السالف ذكرهم، ويخلع على كل واحد منهم، ثم يحمل من ذلك الطعام إلى دور جماعة كثيرة، ولا يزال كذلك إلى العصر، ثم يبيت هناك تلك الليلة، ثم يدفع لكل شخص من الوافدين شيئا من النفقة، وهكذا دأبه كل سنة.
ولما وصل الحافظ أبو الخطاب بن دحية إلى إربل، وعمل كتاب التنوير فى مولد السراج المنير، أعطاه ألف دينار، سوى ما أنفقه عليه مدة إقامته. قال ابن خلكان: ولم أذكر إلا ما شاهدته بالعيان بدون مبالغة، بل ربما حذفت بعضه طلبا للإيجاز. (اه).
وذكر الإمام المقرى فى كتابه نفح الطيب أن السلطان أبا حمو كان يحتفل بليلة مولد الرسول ﷺ-غاية الاحتفال، كما كان ملوك الأندلس والمغرب فى ذلك العصر وما قبله.
ثم نقل عن شيخه الحافظ سيدى أبى عبد الله التلمسانى فى كتابه نظم الدرر والعقيان فى شرف بنى زيان، وذكر ملوكهم الأعيان ما ملخصه: وكان السلطان أبو حمو يحتفل بليلة المولد الشريف، ويقوم لها بما هو فوق سائر المواسم فيصنع مآدب تدعى إليها الأشراف والسوقة.