فى نفسه، وبيض الجامع وجرد نصف العمد التى فيه فصار العمود نصفه الأسفل أبيض وباقيه مجاله، ودهن واجهة غرفة الساعات بالسيلقون، وأجرى الماء من البئر التى بزقاق الأقفال إلى فسقية الجامع ورمى ما كان بالزيادات من الأتربة، وبطر العوام به بما فعله بالجامع.
وفى سنة اثنتين وسبعمائة، حدثت زلزلة تشعث منها الجامع فتولى عمارته الأمير سلار نائب السلطنة فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون، واعتمد على كاتبه بدر الدين بن خطاب فى ذلك فهدم الحد البحرى وأعاده على أصله، وعمل بابين جديدين للزيادة البحرية والغربية، وأضاف إلى كل عمود من الصف البحرى عمودا آخر وجرد العمد كلها، وبيض الجامع وزاد فى سقف الزيادة الغربية رواقين، وخرب لذلك عدة مساجد بظاهر مصر وبالقرافتين وأخذ عمدها، وقلع ألواحا كثيرة طويلة من رخام الجامع الذى كان تحت الحصر، ورص جميع ذلك عند الباب المعروف بباب الشراربيين فنقل من هناك ولم يعمل فى الجامع شئ.
وبعد موت الملك الظاهر برقوق تشعث الجامع ومالت قواصره ولم يبق إلا أن يسقط، وأهل الدولة فى شغل من اللهو عن عمل ذلك، فانتدب لعمارته سنة ثمانمائة رئيس التجار يومئذ بديار مصر إبراهيم بن عمر بن على المحلى، وهدم صدره بأسره فيما بين المحراب/الكبير إلى الصحن طولا وعرضا، وأزال اللوح الأخضر وأعاد البناء كما كان أولا، وجدد لوحا أخضر بدل الأول ونصبه مكانه، وجرد العمد وتتبع جدر الجامع فرم شعثها وأصلح من رخام الصحن ما كان قد فسد ومن السقوف ما كان قد وهى، وبيضه فجاء كما كان وعاد جديدا، وكان انتهاء هذا العمل فى سنة أربع وثمانمائة ولم يتعطل منه صلاة جمعة ولا جماعة فى مدة عمارته.
قال ابن المتوج: إن ذرع هذا الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البر المصرى القديم وهو ذراع الحصر المستمر إلى الآن، فمن ذلك مقدمه ثلاثة عشر ألف ذراع وأربعمائة وخمسة وعشرون ذراعا ومؤخره مثل ذلك، وصحنه سبعة آلاف وخمسمائة ذراع، وكل من جانبيه الشرقى والغربى ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسة وعشرون ذراعا، وذرعه كله بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع.
وقد تقدم أن طول الجامع مائة وتسعون ذراعا وعرضه مائة وخمسون، فتكون مساحته ثمانية وعشرين ألف ذراع وخمسمائة لا ثمانية وعشرين ألفا فقط.
وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابا منها فى القبلى باب الزيزلختة (١) الذى يدخل منه الخطيب، كان به شجرة زيزلخت (٢) عظيمة قطعت فى سنة ست وستين وسبعمائة، وفى البحرى ثلاثة
(٢،١)) هكذا وردتا بالأصل وانظر هامش ص ١٣ من هذا الجزء.