هناك إلى اليوم بدار بشير الجامدار، فأحب أن يؤثر فيه أثرا صالحا فاستأذن السلطان فى ذلك، فأخرج منه الخزائن والصناديق ونزع عدة مقاصير، كان كل ذلك مضيقا للجامع، وتتبع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى عادت كأنها جديدة، وبيضه وبلطه ومنع الناس من المرور فيه، ورتب فيه مصحفا وجعل له قارئا، وأنشأ على بابه القبلى حانوتا لتسبيل الماء العذب كل يوم، وعمل فوقه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين ورتب لفقراء المجاورين طعاما يطبخ كل يوم، وأنزل إليه قدورا من نحاس جعلها فيه، ورتب فيه درسا لفقهاء الحنفية فى المحراب الكبير، ووقف على ذلك أوقافا جليلة، ولذا كان مؤذنو الجامع يدعون للسلطان حسن فى كل جمعة وبعد كل صلاة.
وفى سنة أربع وثمانين وسبعمائة، تولى نظره الأمير بهادر الطواشى، وتنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق بأن من مات من مجاورى الأزهر عن غير وارث وترك موجودا فإنه يأخذه المجاورون، ونقش على حجر عند الباب الكبير البحرى.
وفى سنة ثمانمائة، هدمت منارته وكانت قصيرة/فعمرت أطول منها وبلغت النفقة عليها من مال السلطان خمسة عشر ألف درهم نقرة، وكملت فى السنة المذكورة فعلقت فيها القناديل ليلة الجمعة من ربيع الآخر، واجتمع القراء والوعاظ فى الجامع وتلوا ختمة شريفة ودعوا للسلطان. ثم هدمت سنة سبع عشرة وثمانمائة لميل ظهر فيها وعمل بدلها منارة من حجر على الباب البحرى بعد هدمه وإعادته بالحجر، وأخذت الحجارة من مدرسة الملك الأشرف خليل التى كانت تجاه قلعة الجبل، وتمت سنة ثمان عشرة فلم تقم غير قليل ومالت حتى كادت تسقط فهدمت سنة سبع وعشرين وأعيدت.
وفى شوال من هذه السنة ابتدئ فى عمل الصهريج الذى بوسط الجامع فوجد هناك آثار فسقية ماء ورمم أموات، فعمل فى نصف سنة وعمل بأعلاه مكان مرتفع له قبة يسيل فيه الماء، وغرس بصحن الجامع أربع شجرات فلم تفلح، ولم يكن للأزهر ميضأة عندما بنى، ثم عملت ميضأته حيث المدرسة الآقبغاوية إلى أن بنى الأمير آقبغا مدرسته الآقبغاوية، وأما هذه الميضأة التى به الآن فبناها الأمير بدر الدين جنكل بن البابا، ثم زيد فيها بعد سنة عشر وثمانمائة ميضأة المدرسة الآقبغاوية.
ولم يزل فى الأزهر منذ بنى عدة من الفقراء ملازمون الإقامة به، وفى سنة ثمان عشرة وثمانمائة بلغت عدتهم سبعمائة وخمسين رجلا ما بين عجم وزيالعة ومن أهل ريف مصر ومغاربة، ولكل طائفة رواق يعرف بهم، فلا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن