ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ، فيجد الإنسان إذا دخله من الأنس بالله والارتياح وترويح النفس ما لا يجده فى غيره، وصار أرباب الأموال يقصدونه بأنواع البر من الذهب والفضة والفلوس إعانة للمجاورين به، وكل قليل تحمل إليه أنواع الأطعمة والخبز والحلوى لا سيما فى المواسم.
ولما ولى نظره الأمير سودون القاضى حاجب الحجاب فى سنة ثمان عشرة وثمانمائة، أمر بإخراج المجاورين منه ومنعهم من الإقامة فيه وإخراج ما لهم فيه من صناديق وخزائن وكراسى مصاحف، فتشتت شمل الفقراء وتعذرت الأماكن عليهم فساروا فى القرى، ثم أشاع أن أناسا يبيتون به ويفعلون فيه المنكرات، وكانت العادة جارية بمبيت الناس فيه ما بين تاجر وفقيه وجندى، خصوصا فى ليالى الصيف وليالى رمضان فإنه يمتلئ صحنه وأكثر أروقته، فطرقه الأمير سودون بعد العشاء وقبض على جماعة وضربهم، وكان قد جاء معه جماعة من الأعوان والغلمان وغوغاء العامة فوقع النهب فيمن كان بالجامع، فأخذت فرشهم وعمائمهم وفتشت أوساطهم وأخذ ما كان عليها من ذهب وفضة، وعمل ثوبا أسود للمنبر وعلمين مزوقين بلغت النفقة على ذلك خمسة عشر ألف درهم. انتهى ملخصا من خطط المقريزى.
وفى حسن المحاضرة للسيوطى: أن الحاكم بأمر الله لما جدد الأزهر أوقف عليه أوقافا، وجعل فيه تنورين فضة وسبعة وعشرين قنديلا فضة، وكان نضده فى محرابه منطقة فضة كما كان فى محراب جامع عمرو انتهى.
وفى سنة تسعمائة أجرى الخواجا مصطفى بن محمود بن رستم الرومى عمارة الجامع الأزهر وصرف عليه من ماله نحو خمسة عشر ألف دينار وجاء غاية فى الحسن، وهو على ما جدده به إلى الآن. قاله ابن إياس.
وفى نزهة الناظرين: أن الملك الأشرف أبا النصر قايتباى المتوفى سنة إحدى وتسعمائة أنشأ ميضأة بالجامع الأزهر وفسقية معتبرة وسبيلا، وأنشأ أيضا مكتبا على باب الجامع، وأن الملك الظاهر أبا سعيد قانصوه خال الناصر هو الذى رتب بالجامع الأزهر فى شهر رمضان الخبز والخزيرة (١). ثم لما جاء الملك الأشرف قانصوه الغورى ضاعف ذلك فى أيامه أضعافا كثيرة وأنشأ المئذنة المعتبرة به.
وفى سنة أربع وألف، أيام ولاية الشريف محمد باشا على مصر، عمره وجدد ما تخرب
(١) هى بخاء معجمة وزاى فتحتية فراء مهملة، وهى شبه عصيدة بلحم.