للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: محمد رشيد رضا


مشروع مفيد
سكة حديد بين بورسعيد والبصرة

افتتحت جريدة المؤيد الغراء عددها (٢٤٢١) الصادر يوم الأحد الماضي
برسالة وردت عليها من محرر جريدة (وكيل) في بنجاب من العمالات الهندية،
ونشرتها تحت هذا العنوان.
فرأينا أن نلخص منها ما يلي:
قال الفاضل الهندي: (ربما لا يخفاكم أن شركة إنكليزية تبذل جهدها وتعمل
بكل همة سعيًا للحصول على امتياز من الباب العالي بإنشاء خط حديدي من
بورسعيد إلى البصرة أو الكويت عن طريق الجوف) .
وفي شهر ديسمبر أشار كاتب في جريدة (وكيل) إلى مشروع جليل وهو أن تشكل لجنة تحت حماية جلالة مولانا السلطان الأعظم لفتح اكتتاب من المسلمين في جميع العالم لدفع غرامة الحرب الأخيرة إلى روسيا دفعة واحدة، فتخلص بذلك
الدولة العلية من تداخلها في أحوالها، أما أنا فلم أوافق على هذا الرأي؛ لأنه لا يمكن
لروسيا أن تطلب أكثر من ٣٢٠٠٠٠ جنيه في السنة لمدة مائة عام، ولو فرضنا
أن اللجنة المذكورة تنجح في عملها وتجمع المبالغ اللازمة لدفع الغرامة الروسية مرة
واحدة للزمنا أن ندفع لها مبلغًا إيراده السنوي ١٢٠٠٠٠ جنيه دائمًا، مع أنه لا يمكن
لروسيا أن تطلب سوى المبلغ المذكور قبل لمدة مائة سنة.
ولكنني بينما كنت أناقش ذلك الكاتب في اقتراحه إذ لاح لي مشروع، وقد
كلفت به. ذلك أن تؤلف لجنة عالية تحت رعاية ومراقبة جلالة الخليفة الأعظم
لإنشاء سكة حديدية من البصرة، ومنها عن طريق الموصل إلى حلب فالإسكندرونة
ثم ينشأ خط من حلب إلى الشام فالحجاز فاليمن.
وحيث إن نفوذ جلالة الخليفة المعنوي يزداد انتشارًا شيئًا فشيئًا في جميع
أرجاء العالم الإسلامي، فلا شك أن كل مسلم عاقل ينضم إلى هذا المشروع ويساعد
في نجاحه، وفضلاً عن استعمال اللجنة لهذا النفوذ بقدر ما يصل إليه صوتها فإنه
يلزمها أن تعلن وترسل مندوبين لها إلى جميع الجهات التي يقطنها مسلمون كمصر
ومراكش وتونس والجزائر وسكوتو والهند وإيران والصين وتركستان وسومتره
وجاوه وغيرها.
فإذا نجحنا في عمل مهم كهذا كان أفضل واسطة لاتحاد جميع مسلمي العالم
البشري المنتشرين في الأرض، بل كان واسطة لجمع مبالغ كثيرة لعمل مفيد.
وإن ألوفًا من شبابنا - الذين هم الآن بلا شغل وعمل - يتمكنون بهذا المشروع من
الاشتغال بمعاشهم بافتتاح ممالك فسيحة للتجارة والزراعة والاستعمار. وتكون
مواصلاتنا مع الحجاز تامة وبغاية السهولة، فضلاً عن المنافع السياسية والحربية
والتجارية التي تحصل للباب العالي من تنفيذ هذا المشروع الجليل.
ولقد سردت أبواب هذه الفوائد المهمة في مقالة نشرتها في جريدة (وكيل)
بتاريخ ٢٧ ديسمبر سنة ١٨٩٧ ص ٥٤ وأشرت على المقالة بالحبر الأحمر في
جميع النسخ التي أرسلت إلى الجرائد المصرية والتركية، مؤملاً أن تفصح هاته
الجرائد عن أفكارها في هذا الشأن، وأنها إن استحسنت اقتراحي عضدتني فيه بما
تستطيعه، وطلبت أيضاً من قنصل الدولة العلية تعضيدي فيه.
ولكني أتأسف من أن ما كتبته ذهب كالنقش على الماء، فلم يلتفت إليه أحد. أليس من العار على المصريين والعثمانيين وسائر المسلمين أن يروا الأمم الأخرى تسعى في الحصول على امتيازات في أرجاء آسيا وأفريقيا، بل في تركيا نفسها،ونحن معاشر المسلمين في الأرض ننظر إليها نظر المتفرج بدون عمل ولا حركة،
كأنه لا يهمنا قط أن نكون في غبطة عيش ونعيم، وكأنه لا يهمنا أن تكون أمتنا
سعيدة بتدبير أحوال ممالكها الفسيحة وترقيتها.
وفي ٢١ فبراير كتبت مقالة في هذا الشأن ونشرتها في (الوكيل) اهـ، ثم
ذكر أنه دائب على تشويق أهل وطنه إلى هذا العمل العظيم، ورغب إلى صاحب
(المؤيد) أن يشوق المسلمين إلى ذلك في جريدته الشهيرة، وقد أجاب المؤيد دعاءه
ولبى نداءه، فذيل الرسالة بنبذة تنشيط ملخصها: أن ما يقترحه الكاتب أعظم
مشروع ينعش الحياة ويجدد السعادة للدولة، بل للملة الإسلامية.
وإن المسلمين إذا لم يبادروا لمثل هذا العمل فلا يبعد أن يأتي يوم يعجزون فيه
عن الإتيان بأي عمل.
فحبَّذا لو أن جلالة مولانا الخليفة الأعظم الذي اشتهر في العالم كله بحب جمع
شتات الإسلام حول عرشه استلم زمام هذا العمل العظيم بنفسه وأنفذه، ليكون الفاتح
والمجدد لعصر حضارة الإسلام على ما تقتضي ظروف الأيام اهـ.
(المنار)
لخصنا هذه المقالة لأمور منها بيان تعلق المسلمين بمولانا أمير المؤمنين -
أيده الله تعالى - في أقطار الهند، وآمالهم العظيمة في أن تقدم الأمة كلها منوط
بحكمته المشهورة ومساعيه المشكورة وخضوعهم لسلطته الروحية وسيادته الدينية.
ومنها: أن المشروع من الأعمال التي لا تقوم إلا بالشركات المالية، والحث
على الشركات المالية لأي عمل كان هو من أفضل الأعمال التي أنشئت الجريدة
لأجلها.
وأما هذا المشروع بخصوصه فلا ننكر عظيم فائدته لكننا نفوض النظر فيه
لحكمة سيدنا ومولانا السلطان الأعظم (أيده الله تعالى) ، ولوزرائه الصادقين، فإن
لهم من المعرفة بمنافع الأمة ووسائل تقدمها ما ليس لنا، ورأينا أن سبب التقدم الذي
يجمع كل الأسباب وترجع إليه جميع الوسائل هو تعميم التربية والتعليم في جميع
عناصر الأمة على طريقة واحدة، ولا يمكن الوصول إلى هذه الغاية إلا بشركات
مالية تنشئ المدارس الوطنية وتختار لها المعلمين المهذبين وسنواظب على الحث
على هذا المشروع ونبين مزاياه فيما يأتي من الأعداد.
وإننا نفتخر بما لمولانا أمير المؤمنين من العناية بأمر المكاتب والمدارس حتى
أنه أنشأ من جيبه الخاص الكثير منها.
ولا ننكر ما لسمو عزيز مصر (عباس الثاني) من الاهتمام بأمر العلم،
والأزهر الشريف شاهد عدل، ورجاؤنا بأغنياء المصريين وسائر العثمانيين الاقتداء
بسلطانهم الأعظم وخديويهم المعظم في هذا الأمر الذي هو كل أمر والله الموفق.
((يتبع بمقال تالٍ))