قد صار في حكم البديهيات أن حياة الأمم بحياة لغاتها , وارتقاءها الحقيقي منوط بارتقائها , فالمؤرخون يستدلون باللغة على درجة مدنية أهلها في الزمن الماضي , وعلماء التربية يربون الأمة بتهذيب لغتها , وجعلها مستودعًا لجميع العلوم والفنون التي يعلو بها شأنها , حتى أن الشعوب التي ليس للغتها تاريخ في العلوم والآداب , ولم يؤثر عن سلفها شيء تقر به العين من الكتب والآثار, منها ما حاولت من عهد قريب ومنها ما تحاول الآن تدوين لغتها , ووضع المعجمات والنحو والصرف لها , ونقل العلوم والآداب إليها. وإننا نرى للغتنا العربية الشريفة تاريخًا مجيدًا في العلوم والآداب والشريعة , ونرى الملايين من أهلها المختلفين في الأديان والمذاهب والأقطار محتاجين إلى إعادة مجدها الذي ضيعه من قبلهم؛ لأنه لا يمكنهم مجاراة الأمم الصاعدة في معارج الارتقاء إلا بذلك. ونرى ملايين من الشعوب الأخرى يرغبون في إحيائها , وتسهيل سبيل تعليمها؛ لحاجتهم إليها في دينهم , وهم المسلمون من الترك والفرس والتتار والهنود والصينيين والجاويين وغيرهم. في مصر نهضة شريفة في خدمة هذه اللغة , ولما مَنَّ الله على البلاد العثمانية بالدستور, وصارت حرية العلم والتعليم حقًّا لجميع العثمانيين ثابتًا بالقانون , تحركت عزيمة العرب العثمانيين لخدمة لغتهم , ونشر التعليم بها في بلادهم , كما تحرك غيرهم من الشعوب العثمانية لذلك , وهذه هي الطريقة المثلى لإحياء هذه المملكة , وإعلاء شأن هذه الدولة؛ إذ به يقوى كل عنصر في الأمة , وتتسع بها دائرة الثروة , وما ارتقت أمة من الأمم إلا بالتعليم الأهلي، سواء كانت من جنس واحد كفرنسة , أو من أجناس مختلفة كالنمسة , ولاسيما إذا كان يتعذر على الحكومة تعميم التعليم بجميع ضروبه لقلة المال. من أفضل ما قام به العرب العثمانيون من السعي لنشر التعليم بلغتهم مشروع المنتدى الأدبي في دار السلطنة (الآستانة) ، الذي صادف الارتياح من أعيان الأمة ونوابها، والعطف من ولي عهد السلطنة (يوسف عز الدين أفندي) ، فنفح المنتدى بمبلغ من الدنانير مساعدة له على عمله الشريف. هذا المشروع هو نشر التعليم الأهلي في الولايات العربية لجميع أهلها بلغتهم, وله لائحة في ذلك نشرت في أشهر الجرائد المصرية كالمؤيد والعلم والمقطم والأهرام. وقد صادف هذا المشروع العلمي ارتياحًا في هذه البلاد التي هي أم البلاد العربية في العلوم، فتألفت فيها لجنة لمساعدة القائمين به؛ إجابة لدعوة صديقنا عبد الكريم قاسم الخليل رئيس المنتدى، الذي زار مصر في هذا الصيف لأجل هذه الغاية , ووضعوا لهم نظامًا في ذلك. أما اللجنة التي تألفت بمصر لمساعدة المنتدى الأدبي على نشر وترقية التعليم العربي؛ فأعضاؤها المؤسسون ١٧، وقد اختاروا لرياسة اللجنة محمد باشا الشريعي، وللوكالة رفيق بك العظم، ولكتابة السر عبد الخالق بك مدكور، ولأمانة الصندوق حسن بك عبد الرازق. والباقون هم: أحمد بك تيمور. أثناثيوس مطران أفندي السريان. سامي أفندي الجريديني المحامي. الدكتور شبلي شميل. الشيخ طنطاوي جوهري. عارف بك المارديني. عبد الحميد أفندي حمدي (وهو مأمور الإدارة) . عبد الستار أفندي الباسل. الشيخ محمد المهدي. محمد علي أفندي كامل المحامي. محمود بك سالم المحامي. نقولا أفندي شحادة. يوسف دريان أفندي مطران الموارنة.