للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خطاب عام للمسلمين
(٣)

وجاء في الرسالة المطولة التي أشرنا إليها من قبل ما يأتي:
الحدود
سمع مولانا المنقذ بأن إمام اليمن يحكم بالشرع المنيف , ويقيم الحدود فعمل
شر المنكر ليذكر. فكل من ساء حظه أمسكه المنقذ بتهمة سرقة, يأمر بقطع يده،
أو يده ورجله اعتباطًا، وبدون محاكمة ولا مراعاة لشروط الحد من حرز أو عدالة
للشهود والأمر بدرء الحدود بالشبهات , وإليك إشارة إلى التنفيذ الفظيع.
***
(التنفيذ)
تأخذ الزبانية هذا التعس , فيضعون العضو المأمور ببتره على خشبة،
ويمسكون المسكين كما يمسك العصفور للذبح , ويقوم على رأسه أحدهم شاهرًا
سيفه ممسكًا له بكلتا يديه , فيهوي به إلى ذلك العضو فإن أصاب مَفْصِلاً أبانه وذلك
من رحمة الله بالمسكين , ولكن الغالب أنه يصيب محلاً آخر فوق المَفْصِل أو دونه ,
فتتهشم العظام ولا ينقطع العضو إلا بعد ضربات عديدة يذوق ذلك المنكود الحظ
منها الموت الزؤام مرارًا عديدة، ولذلك لا يسلم من الموت ممن قطعهم ذلك القاطع
إلا نحو العشر، ولا بد أن يقلقوا بصياحهم أهل الحارة التي يكونون فيها. أفهذا حكم
الشرع المنيف؟ حاشى لله ألف ألف مرة. إن الشرائع كلها السماوية والوضعية تتبرأ
من هذه الوحشية السبعية الإبليسية فإنا لله وإنا إليه راجعون. أي جناية على
الدين؟ وأي ازدراء به شر من هذا؟ إن أكبر أعدائنا لا يقدر أن يذمنا وينفر عن ديننا
بمثل ما يصنعه (سيدنا وسيد الجميع) .
***
(السجن الهاشمي)
أخبرنا الثقات من المكيين أن هذا السجن شر من سجن الحجاج؛ ففيه ضروب
من التعذيب , لم يبق لأقلها وجود في منشوريا ولا غيرها - بل هنالك سجنان:
(أحدهما) سجن المجرمين العاديين , وهو بناء كان مخازن للغلال ذات
رواق فبني الرواق , وجعل له باب أو بابان. وهو مع المخازن لا يسع مائة رجل ,
ولكن له رحبة أو حوشًا تسع مائة أو أكثر، وهو ليس لها سقف يقي هاجرة الحر
المحرقة في الصيف وبرد الليل في الشتاء , والمسجونون فيه خمسمائة أو يزيدون
(وثانيهما) القبو وما أدراك ما القبو؟! وهو سجن الذين ينزل عليهم
الغضب الهاشمي كالأستاذ العلامة الشهير أبو بكر خوقير علامة الحنابلة ومفتيهم
الذي كان يتهمه بأنه وهابي. وهو قبو مظلم تحت دار الإمارة له منفذ ودرج - بل
درك - للنزول إلى أسفله , وأرضه رطبة عفنة كثيرة الحشرات والغازات السامة ,
قلما يعيش أحد فيه عدة أيام , وليس له نوافذ غير مدخله، فلا يدخله نور الشمس
المطهر ولا الهواء المنقي للهواء من الأبخرة السامة , وليس فيه مرحاض ولا مكان
للطهارة.
ومن ضروب الفظاعة المشتملة على عدة محرمات أن زبانيته يسلكون الآحاد
والعشرات من المسجونين في سلسلة واحدة من الحديد آناء الليل والنهار , فكلما
ذهب واحد لقضاء حاجته جرهم كلهم معه , ويؤيد هذا ما كتبه ذلك العالم الفاضل
من جزائر الهند الشرقية في مذكرته المذكورة آنفًا وهو:
(ومما اختصت به مكة - صانها الله تعالى دون سائر الأرض - أن
العقوبات تجري فيها بمنتهى الوحشية استبدادًا , ولو رأى أحد المنصفين السجن
بمكة لبكى الدم حنانًا على من أوقعه نحس الطالع فيه , فإن أكثره لا سقف له يقي
من تلك الشمس المحرقة نهارًا والبرد القارص في أيامه ليلاً , وهو محل قذر للغاية
وضيق لا يتسع لأكثر من ٧٠ شخصًا , وقد حشروا فيه نحو ألف إنسان والحكومة
لا تعطيهم طعامًا , وكثير منهم يموتون جوعًا , وقل أسبوع لا تحدث فيه حوادث
من هذا القبيل , ومن أرسل له أهله قوتًا؛ تخاطفه عليه الجياع، هذا إن سلم من حراس السجن فإن لهم حتمًا أطايبه , ومن مات يبقى بين من هم هناك نحو
يومين حتى تفوح رائحته لشدة الحرارة وكثرة التحلل من الجيفة بسببها , وبذلك
يحصل الإذن من الذات المقدسة بالدفن , وليس لمن في السجن محل للغسل ولا لهم
بيت للراحة إلا محلاًّ واحدًا يؤمه ألف شخص...
ومن رحمة سيدنا المنقذ أنه يطوق بعض رعاياه المحكوم عليهم بالسجن
بأطواق من الحديد , ويعلق فيها من القلل ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة , وينظم
الخمسة إلى العشرة في سلسلة واحدة. إلى ما أخاف أن لا يصدقني القارئ إن ذكرته
من الفلكة الهاشمية والقبو , وما ضاهى ذلك مما لم يتفطن له الحجاج ولا نيرون ولا
نمرود، ولا وسوس لهم به إبليس، فليبحث عن هذا من يحب معرفة الحقيقة)
اهـ وفيه خطأ بتقدير ما يسع السجن وعدد المسجونين , والصواب ما قلناه ومسألة
القلل لم تبلغنا عن غيره.
***
(ظلمه للأشراف)
اختارت الدولة العثمانية بطنين من بطون شرفاء مكة لإمارتها تولي واحدًا من
هؤلاء مرة، وواحدًا من الآخرين مرة - فأوقعت به التعادي والتنافس بينهما،
وأغرتهما باحتكار الجاه والرفاهة دون سائر الشرفاء الذين أصبحوا في دركة من
الجهل والفقر، تحول دون كل مطمع في نباهة الذكر. وكان الملك حسين من أشد
من ولي الإمارة بغضًا في البطن الآخر، ولا سيما آل الشريف عبد المطلب الشهير،
فهو يتصرف في أملاكهم وأوقافهم كما يشاء. وقد أشرنا إلى ذلك في الشاهد
العاشر من شواهد المالية في الحجاز.
وقد كان نفر من كبار هؤلاء الشرفاء يقيمون في الآستانة مكرمين منعمين بما
تجريه الدولة العثمانية عليهم من الرواتب الكافية , وقد منعتهم دولة الجمهورية من
ذلك , فأمسوا في أسوأ حال، وتعذر عليهم السكنى في الآستانة وفي غيرها , ولم يعد
يسعهم إلا وطنهم (مكة) ولهم فيه أملاك وأوقاف، ولكن رئيس أسرتهم وملك
العرب ومنقذهم، لا يأذن لهم بالعودة إلى بلدهم، ولا يرسل إليهم شيئًا من حقوقهم،
على أن الذين يعيشون هنالك في أسوأ حال كما أشرنا إلى ذلك في الشاهد العاشر من
شواهد الجناية الثالثة , وهم أحق من سائر العرب بما يدعيه من إنقاذهم وإسعادهم.
ومن لا يصل رحمه ولا يغار على شرف أهله؛ فكيف يصدق بدعوى الغيرة على
غيرهم؟
وقد ختم ذلك العالم الجنوبي مذكرته بوصف حالهم وهذا نص ما كتبه:
(ولو أردت أن أكتب ما عرفته من فضائح جمرك جدة لأضجرت القارئ ,
ولكني أختم مقالي بالإشارة إلى حالة أشراف الحجاز الذي ينتمي إليهم مولانا المنقذ ,
فإنهم في أحط الحالات دينًا ومعاشًا , وكل ذلك سببه الآن أعمال هذا المنقذ، فإن سلفه
قد تعمد وحتم بقاء سائر الأشراف إلا قرابته الأدنين على شر حالات البداوة جهالة،
وقذارة , وغباوة، وبعدًا عن العلم والمعارف؛ لئلا يشاركوه في أمور الإمارة،
وليتسنى له الاختصاص بالظلم ليشبع نفسه الأمارة. وقد زاد (منقذنا) على هذا
بأن عمد إلى مكاسبهم , فوضع عليهم إتاوات ثقيلة , ثم فرض مناصفة ما تنتجه
زروعهم من قصب وحشيش يحملونه ويسلمونه مجانًا للإسطبل الهاشمي , وما بقي
لهم يدفعون عليه إتاوة دخولية تستغرق جل الثمن , وقد كانوا يكسبون من كراء
جمالهم , أما الآن فقد مر بك ما يختص بالجيب أو الجراب العلي الشأن , وذلك
مما يؤخذ من كرى الجمال أكثره , فلا يبقى لصاحب البعير إلا ما يكفي أكل الجمل
بشرط أنه هو وعياله يجوعون أو يقتل الجمل جوعًا؛ ليسد رمقه ورمق عياله ,
ولذلك صار الجمالة يستجدون الحجاج في محلات الأمن وينهبونهم في خارجها؛ إذ
لم يبق لهم إلا تلقيهم بعر الجمال برؤوسهم , إذ يسوقونها والكرى الصافي
(لسيدهم وسيد الجميع) .
ويكفي أن أقول: إن الأشراف عدد عديد وجلهم أمي , ومن يكتب ويقرأ منهم
فكتابتهم ضعيفة كأنها العبرانية، ولا أرى الباحث يجد منهم من يخرجه عن حكم
الأمية إن أنصف، فضلاً عن أن يجد منهم عالمًا أو عارفًا بأحوال الوقت، وقد
عرفت بعض الأشراف , وخضت معه فحاول إرسال أولاده إلى مصر ليتعلموا،
فمنعهم من ذلك (مولانا المنقذ) وقال: إن أعلى مدارس الدنيا تلك الكتاتيب القذرة
التي يقيمها بمكة لذر الرماد (هكذا وهكذا وإلا فلا لا) .
***
الجناية الرابعة
معاملته للحجاج وسلب أموالهم
نحمد الله تعالى أن وفقنا لقول الصدق، والتزام الحق، ومنه أن صرحنا
مرارًا بما ثبت عندنا من عناية الملك حسين بأمر الحجاج ما استطاع , مع مراعاة
غاية الدقة واللطف فيما يناله منهم من المنفعة , وسبب هذا ظاهر، وهو أن جاهه
وكرامته وثروته رهينة بتسهيل الحج وإرضاء الحجاج، ولكن تسمية نفسه بملك
العرب وسعيه الدائم لصدق التسمية اقتضيا منعه أهل نجد من إرسال ركب للحج.
كما أن سخط مسلمي الهند عليه وطعنهم في سياسته البريطانية حملاه على إيذاء
حجاجهم , كما روته مجلة الجامعة الهندية المشهورة وغيرها. وحاجته إلى الدراهم
الكثيرة لجعل الحجاز دولة عسكرية مستعدة لإخضاع الإمارات المجاورة له في
نجد واليمن وتهامة , وجعلها تابعة له (كما علم من كلامه في الوحدة العربية الذي
نقلناه في الوثيقة الخامسة) حملته على زيادة ما يأخذه على نقل الحجاج من مكان
إلى آخر، وعلى فرض ضرائب جديدة لا تحل له شرعًا وهي أنواع:
(الضرائب على الحجاج)
(١) قد فرض على كل حاج ضريبة لا يؤذن له بدخول الحجاز إلا إذا
أداها لعماله , وعند النزول في ثغر جدة أو غيره إلا أن يكون قد دفعها لوكيله في
القطر المصري , ووقع له على جواز السفر باستيفائها منه , وهذه الضريبة جنيه
إنكليزي على من يجيء من الجنوب كأهل الهند وجاوه وغيرهم , ونصف جنيه
على من يجيء من الشمال: كمصر وغيرها أو تزيد فهو يجبي منها مئات الألوف
من الجنيهات في كل سنة.
(٢) قد فرض على كل الحجاج ضريبة أخرى برسم الحجر الصحي , ولها
شروط مخصوصة مُدوَّنة بأوراق رسمية.
(٣) قد فرض عليهم ضريبة ثالثة , يؤديها كل خارج من جدة قبل خروجه
باسم الشهادة الطبية , وقدرها ريالان مجيديان أو ٣٠ قرشًا مصريًّا صحيحًا،
ويعطى بها ورقة رسمية.
هذه الضرائب تعد في أحكام الشرع من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه
بنص القرآن، وأخذها من الحجاج يعد من الإلحاد في الحرم بالظلم , وهي أولى
بذلك مما ورد في الأحاديث المرفوعة والموقوفة في تفسير {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ
بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: ٢٥) كالاحتكار وتجارة الأمير , وقد تقدم -
وتعد أيضًا من الصدِّ عن المسجد الحرام , فإن من الفقراء من لا يستطيع دفعها على
أن بعض الفقهاء قالوا: بسقوط الحج عمن تصادر أمواله بسببه.
ولأجل انتفاع الملك من هذه الضرائب أسس محجرًا صحيًّا , يُكْرَه الحجاج
على الدخول فيه ولا يعتد بدخولهم قبله في المحجر المصري , في الطور من جهة
الشمال والمحجر البريطاني في قمران من جهة الجنوب , مع العلم بأنه عاجز عن
إتقان محجره كإتقانهما. هذا إذا فرضنا أنه فوض أمر محجره إلى أطباء ثقات , ولم
يكن له رأي ولا أمر في أعمالهم الفنية المحضة، أما إذا كان المحجر يدار برأيه
فهنالك البلاء المبين، إذ يخشى أن يمنع بعض الأدوية المتفق عليها بين الأطباء ,
ويستبدل بها بعض مجرباته أو ماء زمزم الذي صرح في جريدته (القبلة) بأنه شفاء
من كل داء , وإن كان مشوبًا بقذر المصابين بالهيضة الوبائية , وأمثالها من
الأمراض التي أجمع أطباء هذا العصر من مسلمي جميع الشعوب ومن غيرهم على
أنها معدية، وأن أسباب العدوى فيها ثابتة بالتجربة وبالمشاهدة بالمناظر المكبرة.
ثم إنه لأجل هذه المنافع المالية بينه وبين الدولة البريطانية قد وضعا لها مواد
في مشروع المعاهدة البريطانية الحجازية أو العربية ليتقاسما المنفعة، على ما في
هذا العمل من التضييق على الحجاج وتنفيرهم من الحج، وقد بينا في تعليقنا على
هذه المواد ما فيها من الضرر على الحجاج , والدلالة على كون الحجاز تحت سيادة
الإنكليز.
(أجور نقل الحجاج)
(١) جعل أجرة الجمل بين الحرمين الشريفين أربعة عشر جنيهًا إنكليزيًّا
وريالين مجيديين , يأخذ هو نصفها أو أكثرها والباقي لصاحب الجمل ولسائقه ولمن
يتبعهما في خدمة الحجاج كالمطوف. وهو يساوم أصحاب الجمال , فمن كان منهم
بليدًا جبانًا يأخذ منه أكثر مما يأخذه من الجريء المجادل.
وهو يأخذ على كل جمل ينقل الحجاج من جدة إلى مكة والعكس، ومن مكة إلى
عرفة والعكس نصف جنيه مصري أو أكثر - فهو بهذا يأخذ من كل حاج جنيهين
من هذا الباب وحده , وذلك أنه جعل أجرة الجمل جنيهًا يأخذ صاحبه ربعه في
الغالب والباقي للملك، وإن من الحجاج من يحتاج كل واحد منهم إلى جمل خاص
لأجل حمل زاده ومتاعه , فإن حجاج جاوه يحملون كل ما يحتاجون إليه من الزاد
من بلادهم. ولحجاج جاوه معاملة خاصة؛ وذلك أن لهم بمكة مطوفين يسمون مشايخ
الجاوه , وهم يتولون خدمتهم في مسكنهم وتنقلهم , وكان الشريف أو الملك قد جعل
لهم على كل حاج ثلاثة جنيهات ونصف إنكليزية , يأخذ منها لنفسه جنيهًا واحدًا ,
وقد سمح لهم منذ سنتين بأخذ أربعة جنيهات ونصف من كل حاج على أن يكون له
اثنين منها , وقد بلغ حجاجهم في الموسم الماضي ٣٥ ألفًا.
ولولا مقاسمته لأصحاب الجمال لأمكنه جعل أجور نقل الحجاج رخيصة جدًّا،
ولكن هذه شنشنة قديمة له ولسلفه وما هي بالجديدة.
(الأمن في الحجاز)
هو والحق يقال يعنى بحفظ الأمن في المنطقة التي ينفذ حكمه فيها من جدة
إلى مكة إلى عرفات , ولكن لا نفوذ له ولا سلطان على الأعراب بين الحرمين
الشريفين، وإنما الوسيلة لتأمين الطرق هنالك واحدة , وهي بذل مبالغ معينة من المال
لهم بدلاً مما كانوا يأخذونه من الدولة العثمانية والحكومة المصرية.
وقد كان الشريف وعدهم عند دعوتهم إلى الثورة والخروج معه على الدولة
بأنه يعطيهم تلك المخصصات مضاعفة , وكانت الأموال الإنكليزية في مدة الحرب
تغدق عليه إغداقًا , فكان يفيض عليهم منها ويرضيهم، ثم أعطى قليلاً وأكدى - أي:
منع الباقي - وهم يعلمون أنه أخذ باسم ثورتهم عشرات الملايين من تلك الجنيهات،
وأنه ما زال يأخذ الأموال من الحكومة المصرية، وأنه يأخذ أكثر أجور نقل
الحجاج بغير حق، فلم يجدوا بدًّا من مطالبة الحجاج ببعض نصيبهم من ذلك وبيان
سببه لهم , وقد بلغنا أنهم كانوا في الموسم الأخير (سنة ١٣٤١) يعطون الحجاج
سندات بما أخذوا منهم , ويحولونهم به على الملك حسين ليدفعه لهم من الأموال
المستحقة لهم عنده بحسب الاتفاق معه المبني على التعامل السابق، وهم يرون أن
أخذ المال منهم كأخذه منه؛ إذ كان من الواجب عليه المحافظة على أموال الحجاج
وأنفسهم، وضمان ما يؤخذ منهم - وهو قد أعلن في جريدته أنه يعطي ذلك , ولكنه
أوعز إلى المطوفين بأن ينصحوا لمن أخذ منهم المال , بأن يتعففوا عن تكليف
الملك دفعه، فكان نصحهم مقبولاً.
كان الزوار في الموسم الماضي يدفعون لكل قبيلة ما تطلبه منهم , وأقله
ريالان مجيديان , وهو ما كان يأخذه بنو عوف الذين لم يكن لهم مرتبات على الدولة ,
وأما أصحاب المرتبات الرسمية كقبائل الأحامدة فقد كانوا يأخذون من كل حاج
من ٢٠ - ٢٥ ريالاً مجيديًّا , ومن حجاج إيران خاصة ستين ريالاً مجيديًّا , وقد
كان من جملة الزائرات الأميرة الأفغانية زوجة الأمير عبد الرحمن خان جد أمير
الأفغان لهذا العهد، وقد أوقفها الأحامدة في الطريق أيامًا حتى افتداها جلالة الملك
المنقذ حامي الحرمين الشريفين بألفي جنيه وخمسمائة جنيه أرسلها إليهم من مكة ,
ولابد أن تكون الأميرة قد أعادتها إليه مع الهدايا اللائقة.
هذا ما كنا كتبناه منذ بضعة أشهر مما جاءنا عن موسم سنة ١٣٤١، وتريثنا في
نشره، وقد حدث في أثناء العام انتحاله لمنصب الخلافة فصار خطره أشد،
والسعي لتلافيه أوجب، ونبين ذلك بالإجمال فنقول:
(له بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))