للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مناظرة بين مُقلِّد وصاحب حجة
تابع ويتبع

(٢٧) واحتجوا لقولهم في استحباب مساوقة الإمام بقوله صلى الله عليه
وسلم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) قالوا: والائتمام به يقتضي أن يفعل مثل فعله
سواء، ثُم خالفوا الحديث فيما دل عليه فإنّ فيه: (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع
فاركعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسًا
فصلوا جلوسًا أجمعون) .
(٢٨) واحتجوا على أن الفاتحة لا تتعين في الصلاة بحديث المسيء في
صلاته، حيث قال له: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وخالفوه فيما دل عليه
صريحًا في قوله: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد
حتى تطمئن ساجدًا) وقوله: (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ) فقالوا: مَن ترك
الطمأنينة فقد صلى وليس الأمر بها فرضًا لازمًا مع أنّ الأمر بها وبالقراءة سواء
في الحديث.
(٢٩) واحتجوا على إسقاط جلسة الاستراحة بحديث أبي حميد حيث لم
يذكرها فيه وخالفوه في نفس ما دل عليه من رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.
(٣٠) واحتجوا على إسقاط فرض الصلاة على النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، والسلام في الصلاة بحديث ابن مسعود، (فإذا قلت ذلك فقد تمت
صلاتك) ، ثم خالفوه في نفس ما دلَّ عليه، وقالوا صلاته تامة، قال ذلك أو لم يقله.
(٣١) واحتجوا على جواز الكلام والإمام على المنبر يوم الجمعة بقوله
صلى عليه وآله وسلم للداخل: (أصليت يا فلان قبل أن تجلس) قال: لا، قال
(قم فاركع ركعتين) وخالفوه في نفس ما دل عليه فقالوا: مَن دخل والإمام يخطب
جلس ولم يصلِّ.
(٣٢) واحتجوا على كراهية رفع اليدين في الصلاة بقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: (ما بالهم رافعي أيديهم كأنها أذناب خيل شمس) ثم خالفوه في نفس ما
دل عليه فإن فيه: (إنما يكفي أحدكم أن يسلم على أخيه من عن يمينه وشماله
السلام عليكم ورحمة الله) فقالوا: لا يحتاج إلى ذلك ويكفيه غيره من كل منافٍ
للصلاة.
(٣٣) واحتجوا في استخلاف الإمام إذا أحدث بالخبر الصحيح أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس فتأخر أبو بكر وتقدّم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس ثُم خالفوه في نفس ما دل عليه فقالوا
من فعل مثل ذلك بطلت صلاته وأبطلوا صلاة من فعل مثل النبي صلى الله عليه
وآله وسلم وأبي بكر ومَن حضر من الصحابة فاحتجوا بالحديث فيما يدل عليه
وأبطلوا العمل به في نفس ما دل عليه.
(٣٤) واحتجوا لقولهم إن الإمام إذا صلى جالسًا لمرض صلى المأمومون
خلفه قيامًا بالخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج فوجد أبا بكر
يصلي بالناس قائما فتقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلس وصلى بالناس
وتأخر أبو بكر، ثم خالفوا الحديث في نفس ما دل عليه وقالوا: إن تأخر الإمام لغير
حدث وتقدم الآخر بطلت صلاة الإمامين وصلاة جميع المأمومين.
(٣٥) واحتجوا على بطلان صوم من أكل يظنه ليلاً فبان نهارًا بقوله صلى
الله عليه وآله وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)
ثم خالفوا الحديث في نفس ما دل عليه فقالوا: لا يجوز الأذان للفجر بالليل لا في
رمضان ولا في غيره ثم خالفوه من وجه آخر فإن في نفس الحديث: (وكان ابن أم
مكتوم رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت) ، وعندهم من أكل في
ذلك الوقت بطل صومه.
(٣٦) واحتجوا على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالغائط بقول النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها)
وخالفوا الحديث نفسه وجوزوا استقبالها واستدبارها بالبول.
(٣٧) واحتجوا على شرط الصوم في الاعتكاف بالحديث الصحيح عن
عمر أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فأمره رسول الله صلى
الله عليه وسلم وآله وسلم أن يوفي بنذره وهم لا يقولون بالحديث فإن عندهم أن نذر
الكافر لا ينعقد ولا يلزم الوفاء به بعد الإسلام.
(٣٨) واحتجوا على الرد بحديث تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها
ولقيطها وولدها التي لاعنت عليه ولم يقولوا بالحديث في حيازتها مال لقيطها، وقد
قال به عمر بن الخطاب وإسحاق بن راهويه وهو الصواب.
(٣٩) واحتجوا في توريث ذوي الأرحام بالخبر الذي فيه: التمسوا له
وارثًا أو ذا رحم، فلم يجدوا؛ فقال: أعطوه الكُبر [١] من خزاعة، فلم يقولوا به في
أن مَن لا وارث له يعطى ماله الكُبر من قبيلته.
(٤٠) واحتجوا في منع القاتل ميراث المقتول بخبر عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده: (لا يرث قاتل ولا يقتل مؤمن بكافر) ، فقالوا بأول الحديث دون
آخره.
(٤١) واحتجوا على جواز التيمم في الحضر مع وجود الماء للجنازة إذا
خاف فوتها بحديث أبي جهيم بن الحرث في تيمم النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لرد السلام ثم خالفوه فيما دل عليه في موضعين: أحدهما أنه تيمم بوجهه وكفيه دون
ذراعيه، والثاني أنهم لم يكرهوا رد السلام للمحدث ولم يستحبوا التيمم لرد السلام.
(٤٢) واحتجوا في جواز الاقتصار في الاستنجاء على حجرين بحديث ابن
مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهب لحاجته وقال له: ائتني
بأحجار فأتاه بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: (هذه ركس) ثم
خالفوه فيما هو نص فيه فأجازوا الاستجمار بالروث واستدلوا به على ما لا يدل عليه
من الاكتفاء بحجرين.
(٤٣) واحتجوا على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء بصلاة النبي صلى
الله عليه وآله وسلم حاملاً أمامة بنت العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا ركع أو
سجد وضعها ثم قالوا من صلى كذا بطلت صلاته وصلاة من أتم به، قال بعض
أهل العلم ومن العجب إبطالهم هذه الصلاة وتصحيحهم الصلاة بقراءة (مدهامتان)
بالفارسية ثم يركع قدر نفس ثم يرفع قدر حد السيف أو لا يرفع بل يخرُّ كما هو
ساجدًا ولا يضع على الأرض يديه ولا رجليه وإن أمكن أن لا يضع ركبتيه صح
ذلك ولا جبهته؛ بل يكفيه وضع رأس أنفه كقدر نفس واحد ثم يجلس مقدار التشهد ثم
يفعل فعلاً ينافي الصلاة من فُساء أو ضُراط أو ضحك أو نحو ذلك.
(٤٤) واحتجوا على تحريم وطء المسبية والمملوكة قبل الاستبراء بقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى
تستبرئ بحيضة) ، ثم خالفوا صريحه فقالوا: إن أعتقها وزوجها وقد وطئها
البارحة حل للزوج أن يطأها الليلة.
(٤٥) واحتجوا في ثبوت الحضانة للخالة بخبر بنت حمزة وأن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قضى بها لخالتها ثم خالفوه فقالوا: لو تزوجت الخالة
بغير محرم للبنت كابن عمها سقطت حضانتها.
(٤٦) واحتجوا على المنع من التفريق بين الأخوين بحديث علي في نهيه
عن التفريق بينهما ثم خالفوه فقالوا: لا يرد المبيع إذا وقع كذلك وفي الحديث الأمر
برده.
(٤٧) واحتجوا على جريان القصاص بين المسلم والذمي بخبر روي أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقاد يهوديًا من مسلم لطمه ثم خالفوه فقالوا: لا قَوَد
في اللطمة والضربة لا بين مسلمين ولا بين مسلم وكافر.
(٤٨) واحتجوا على أنه لا قصاص بين العبد وسيده بقوله صلى الله عليه
وآله وسلم: (مَن لطم عبده فهو حر) ثم خالفوه فقالوا: لا يعتق بذلك.
(٤٩) واحتجوا أيضًا بالحديث الذي فيه: (مَن مثَّل بعبده عتق عليه)
فقالوا: لم يوجب عليه القَوَد ثم قالوا لا يعتق عليه.
(٥٠) واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب: (في العين نصف الدية) ثم
خالفوه في عدة مواضع منها قوله: وفي العين القائمة السادة لموضعها ثلث الدية،
ومنها قوله: في السن السوداء ثلث الدية.
(٥١) واحتجوا على جواز تفضيل بعض الأولاد على بعض بحديث النعمان
بن بشير وفيه: (أَشْهِدْ على هذا غيري) ثم خالفوه صريحًا فإن في الحديث نفسه:
(إن هذا لا يصلح) وفي لفظ: (إني لا أشهد على جور) فقالوا: بل هذا يصلح
وليس بجور ولكل أحد أن يشهد عليه.
(٥٢) واحتجوا على أنّ النجاسة تزول بغير الماء من المائعات بحديث: (إذا
وطأ أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب لهما طهور) ثم خالفوه فقالوا: لو وطأ العذرة
بخفيه لم يطهرهما التراب.
(٥٣) واحتجوا على جواز المسح على الجبيرة بحديث صاحب الشجة ثم
خالفوه صريحًا فقالوا: لا يجمع بين الماء والتراب بل إما أن يقتصر على غسل
الصحيح إن كان أكثر ولا يتيمم، وإما أن يقتصر على التيمم إن كان الجرح أكثر ولا
يغسل الصحيح.
(٥٤) واحتجوا على جواز تولية أمراء أو حكام أو متولين مرتين واحدًا
بعد واحد بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أميركم زيد فإن قُتل فعبد الله بن
رواحة فإن قُتل فجعفر) ثم خالفوا الحديث نفسه فقالوا: لا يصح تعليق الولاية
بالشرط ونحن نشهد بالله أن هذه الولاية أصح ولاية على وجه الأرض وأنها أصح
من كل ولاياتهم من أولها إلى آخرها.
(٥٥) واحتجوا على تضمين المتلف ما أتلفه ويملك هو ما أتلفه بحديث
القصعة التي كسرتها إحدى أمهات المؤمنين فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
على صاحب القصعة نظيرها ثم خالفوه جهارًا، فقالوا: إنما يضمن بالدراهم
والدنانير ولا يضمن بالمثل.
(٥٦) واحتجوا على ذلك أيضًا بخبر الشاة التي ذُبحت بغير إذن صاحبها
وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يردها على صاحبها ثم خالفوه صريحًا فإن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يملكها الذابح بل أمر بإطعامها الأسارى.
(٥٧) واحتجوا في سقوط القطع بسرقة الفواكه وما يسرع إليه الفساد بخبر:
(لا قطع في ثمر ولو كثر) ثم خالفوا الحديث نفسه في عدة مواضع أحدها أن
فيه: (فإذا آواه إلى الجرين ففيه القطع) وعندهم لا قطع فيه آواه إلى الجرين أو
لم يؤوه. الثاني أنه قال (إذا بلغ ثمن المجن) وفي الصحيح أن ثمن المجن كان
ثلاثة درهم وعندهم لا يقطع في هذا القدر. الثالث أنهم قالوا ليس الجرين حرزًا فلو
سرق منه تمرًا يابسًا ولم يكن هناك حافظ لم يقطع.
((يتبع بمقال تالٍ))