للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسألة استقلال الشعوب

نشر (المقطم) في العدد الذي صدر منه في ٢٣ شعبان (١٣ يونيو) مقالة
عنوانها: (الصلح الدائم وكيف يُنال؟) قال فيها ما نصه:
وضعت روسية الديمقراطية على بساط البحث مسألة الغرض من الحرب
الحاضرة في أواسط الشهر الماضي، فحملت الدول المتحاربة على إعلان قصدها
وغايتها، وحثت الأمم الكبيرة والصغيرة على بسط آمالها وأمانيها، وكانت روسية
أولى الدول التي أعلنت غايتها من الحرب، فقالت: إنها لا تتوخى ضم الأملاك
وتقاضي الغرامات الحربية، وإن غرضها الأساسي الوحيد إنما هو إبرام صلح
وطيد الأركان على أساس استقلال الأمم الكبيرة والصغيرة وتحقيق آمالها القومية
العادلة وتخويلها حقًّا من أقدس حقوقها وهو أن تحكم نفسها بنفسها وتختار شكل
الحكومة التي تلائم أخلاقها وعاداتها. وقام المسيو ريبو بعد ذلك، فأعلن رغبة
فرنسة في إبرام صلح عادل أساسه استقلال العناصر. ثم وقف في مجلس النواب
الفرنسوي وقفته التاريخية المشهورة، فجاهر في جلسة ٤ يونيو الحالي بأن فرنسا
لا ترمي من هذه الحرب إلا إلى استرجاع الإلزاس واللورين اللتين سُلختا عنها
سنة ١٨٧١، رغم إرادة سكانهما، ومنح الأمم الكبيرة والصغيرة الاستقلال التام.
ووافقت بريطانيا العظمى على قرار حليفتيها العظيمتين إذا كان مبدأ عدم ضم
الأملاك، وتقاضي الغرامات الحربية يعني رد المسلوب والتعويض من الخسارة
التي نزلت بالأمم التي اعتُدِي عليها.
وقد وافانا روتر أمس بنص المذكرة الكبيرة الشأن التي أرسلها الدكتور ولسن
رئيس الولايات المتحدة إلى روسية وبيَّن فيها أغراض أميركا من هذه الحرب،
فقال:
(إنها لا تروم الربح المادي ولا التوسع ولا تقاتل لجرّ مغنم، ولكن لتحرير
الشعوب في كل مكان، ومساعدتها على النهوض والارتقاء في ظل الاستقلال من
غير تسلط متسلط عليها، وإن المشاكل الحاضرة يجب أن تسوَّى طِبقًا لمبدأ واضح
جلي، وهو أنه لا يصح إجبار شعب من الشعوب على أن يعيش في ظل حكم لا
يريده، ولا إجراء تعديل في الكون إلا فيما يؤدي إلى توطيد أركان السلام وسعادة
الأمم، فيصير إخاء البشر حينئذ حقيقة واضحة وقوة فعالة لصون الحياة من اعتداء
المستبدين وطمع الطامعين) .
هذه غاية الولايات المتحدة من الحرب، وذلك هو الغرض الوحيد الذي
وضعه الحلفاء كلهم نصب عيونهم، وأعلنوا غير مرة عزمهم الأكيد على الوصول
إليه مهما كلفهم الأمر، وبديهي أن الولايات المتحدة لم تخُض غمار الحرب
الحاضرة إلا بعد ما اتفقت مع الحلفاء على تحقيق هذا المبدأ الشريف العادل، فإن
المسيو بريان رئيس الوزارة الفرنسوية سابقًا أرسل إليها - باسم الحلفاء جميعهم -
مذكرة مسهبة في ٣ ديسمبر الماضي، قال فيها: إن للحرب الحاضرة ثلاثة
أغراض:
أولها: إعطاء الأمم الكبيرة والصغيرة حريتها واستقلالها.
وثانيها: نيل التعويض من الخَسارة التي نشأت عن اعتداء ألمانية الفظيع.
وثالثها: الحصول على ضمان وافٍ لمنع وقوع الحرب في المستقبل.
على هذا الأساس تم الاتفاق بين الحلفاء والولايات المتحدة، ومن أجل هذه
الغاية الشريفة فقط بذلت أمريكة رفاهية شعبها، والأموال الطائلة التي كانت تنهال
عليها من أوربة. فالمجد لها والفخر لرئيسها العظيم نصير الإنسانية وحامل لواء
الحرية والعدل في العالم. اهـ.
* * *
وجاء في (المقطم) الذي صدر في ٢٤ شعبان (١٤ يونيو) ما نصه:
خطة روسية
دعا وزير خارجية روسية مندوبي الصحف إلى مقابلته، وبسط لهم خطة
روسية الحاضرة، وقال ما خلاصته:
ترمي روسية الجديدة الحرة إلى إبرام الصلح العام في أقرب آن على أساس
تحرير الأمم وتخويلها حقَّ انتقاء شكل حكوماتها وعدم ضم الأملاك وتقاضي
الغرامات الحربية من الأعداء، وهي تتوخى من مواصلة الحرب أمرين:
أولهما: الحصول على صلح شريف يزيل الضغائن والأحقاد من بين الأمم
المتحاربة.
وثانيهما: استقلال الشعوب استقلالاً تامًّا وجعْلها قوة عظيمة لصون الحرية
ومنع اعتداء المعتدين في المستقبل.
إن الخطأ الذي ارتكب في حرب السبعين لا يجوز أن نرتكب مثله اليوم،
فسكان الإلزاس واللورين الذين سُلخوا عن فرنسا - رغم إرادتهم - لم ينسوا وطنهم
الأصلي إلى الآن، وكانت مسألتهم من أسباب الحرب الحاضرة؛ لأن الظلم لا يُنسى
مهما تقادم عهده؛ لذلك ترى روسية الحرة أن تشيد الصلح المقبل على أساس العدل
وحرية الشعوب الكبيرة والصغيرة.
لا أنكر أن الحكم السابق ارتبط بمعاهدات سرية مع بعض الدول، وأن هذه
المعاهدات أقلقت الديموقراطيين الروس لاعتقادهم بأنها ترمي إلى التوسع وضم
الأملاك، فألحّوا على الحكومة المؤقتة في نشرها في الحال خوفًا من وقوع الشقاق
بين أحزاب الأمة، ولكن هذا الطلب لا يتفق مع مصلحة روسية؛ لأنه يؤدي إلى
قطع صِلاتها بحلفائها وإكراهها على إبرام صلح منفرد، مع علمها أن الصلح
الوحيد الذي يلائم مبادئها هو الصلح العام على أساس استقلال الأمم الكبيرة
والصغيرة استقلالاً تامًا، فالواجب على روسيا في هذه الحال أن تنسى الماضي،
وتنظر إلى المستقبل فقط بعد الانقلابات العظيمة التي طرأت على الكون كالثورة
الروسية، ودخول الجمهورية الأميركية العظمى في الحرب. وهذه الانقلابات
ستؤثر أعظم تأثير في ديمقراطية الأمم المتحالفة، ولا سيما أن صِلاتها بممثلي تلك
الديمقراطية على أحسن ما يُرام. وبديهي أن مهمتي الأساسية في وزارة الخارجية
هي التوفيق بين الديمقراطية الروسية وديمقراطية الأمم الغربية على أساس يكفل
السلم للعالم. ولكن تحقيق هذه المهمة يتعذر علينا إذا أحجمنا عن القيام بالعهود التي
قطعناها لحلفائنا.
أما مسألة ضم الأملاك فلا تخطر على بال أحد منا، وليست المعارك التي
تخوض غمارها الآن إلا معارك دفاعية ترمي إلى طرد العدو من البلاد التي احتلها
في روسية والبلجيك وفرنسة وسربية ورومانية ونيل الأمم الكبيرة والصغيرة
حريتها واستقلالها.
هذا كل ما أستطيع أن أقول الآن عن غرض روسية، والخطة التي تنهجها
لتحقيق آمالها وأمانيها. انتهى.
* * *
وجاء في (المقطم) الذي صدر في يوم السبت ١٨ رجب (١٩ مايو) :
غرض بريطانية العظمى من الحرب
لندن في ١٧ مايو
إن الخطبة التي خطبها اللورد روبرت سسل في مجلس النواب في الليلة
البارحة تعد هنا - وفي سائر بلدان الحلفاء - من أهم ما قيل في بيان غرض
بريطانية العظمى من الحرب.
فتح المستر سنودن باب المناقشة وردّ اللورد روبرت سسل عليه، فقال: إن
عبارة (عدم الضم) راجت كثيرًا وتناقلتها الأفواه. ثم شرع بطرق أبواب هذا
الموضوع بابًا فبابًا، واستهل البحث بذكر بلاد العرب، فقال: ليس في الدنيا رجل
يشير علينا بأن نبذل نفوذنا لرد بلاد العرب إلى تحت سلطة الأتراك (هُتاف) ، ثم
إن أعظم ضم لأرمينية بأوسع معنى السيادة والإمبراطورية - يفيد شعبها الذي عانى
الويلات والنكبات بما اقترفه الأتراك به من الجرائم، وما يقال عن أرمينية يقال
مثله عن سورية وفلسطين.
ثم انتقل إلى الكلام عن مستعمرات ألمانية في إفريقية، فقال: إننا لم نهجم
على تلك المستعمرات لننقذ أهلها الأصليين من سوء الحكم، ولكن أتريدون أن
نعيدهم إلى ألمانية بعد ما أنقذناهم منها؟ ! ، فهتف المجلس له هتافًا شديدًا لما قال:
إن بدني يقشعرُّ إذا فكرنا في رد أولئك الوطنيين إلى حكم الحكومة التي ارتكبت بهم
ضروب القسوة.
وماذا أقول عن بولندا وهل فيكم مَن يعترض على إنشاء مملكة بولندية
مستقلة. وماذا أقول عن الإلزاس واللورين وهل مَن يقول (؟) إن ألمانية بعدما
أخذت ولايتين من فرنسة لا يجب أن تردهما إليها (هتاف) . وعندنا أيضًا
الولايات الإيطالية الداخلة في حكم النمسا، فهل توافق الحكومة البريطانية على عدم
رد هذه الولايات إلى إيطالية وسكانها من الإيطاليين.
ثم طرق اللورد روبرت بابًا آخر من أبواب الموضوع، وأشار إلى عبارة
(عدم عقد الصلح مع آل هوهنزلرن) ، فقال إن في هذه العبارة كثيرًا مما
يُستصوب، وهي مقبولة عند عامة البريطانيين، ولكن الفطنة قد تقتضي بعدم
اتخاذها قاعدة لتعريف سياستنا الوطنية.
قال: وقد سمعنا البعض يقولون: (لا غرامة حربية) فهل يراد أن لا
تعطَى البلجيك غرامة؟ وماذا يكون نصيب سربيا وولايات فرنسة الشمالية؟
وهل يسعنا أن نغضي عن تعويض ما دُمر من البواخر التجارية؟ أما أنا فلست
مستعدًّا للموافقة على ذلك.
وعقبه المستر إسكويث، فخطب خطبة كان لها وقع عظيم فقال: إن عبارة
(عدم الضم) التي وردت في بعض التصريحات الروسية - لم تُفهم تمامًا لعدم
وجود معجم وافٍ للغةِ السياسة الدولية، ولكني لا أعتقد أن زعماء روسية وحكامها
المسئولين استعملوها بغير المعنى الذي نسلم به نحن.
ولكن لضم البلدان أربعة معانٍ مختلفة يمكن استعمالها لها:
(فالمعنى الأول) أن هذه الحرب إذا أريد أن تؤدي إلى صلح وطيد الأركان
فيجب أن تسفر عن ضم بعض البلدان لتحرير الشعوب الراسفة في قيود الظلم
وأغلال الاستبداد (هتاف) ، وهذا أمر مشروع، وإلا فإن الأغراض التي امتشقنا
لأجلها الحُسام في هذه الحرب لا تُنال أو يُنال جانب منها فقط إلا إذا قام الحلفاء حق
القيام بعمل هذا التحرير بضم البلدان (هتاف) ، قال: وإني واثق أن رجال
حكومة روسية الجديدة لا يحتجون على ضم البلدان إذا كان هذا هو الغرض منه.
(والمعنى الثاني) يسري على البلدان التي تحوي جنسيات فُصلت عن
أصولها، مثال ذلك بلاد الترنتينو فضمها إلى إيطالية ضروري لراحة ضمير العالم
المتمدن (هتاف) .
ثالثًا (كذا) أن الضم قد يكون من الأمور المطلوبة لنقل ملك أو أرض لأجل
الاحتفاظ بمواقع حربية تكون ضرورية لا للهجوم بل للدفاع، ووقاية البلاد من
هجوم في المستقبل.
ويبقى (الوجه الرابع) أي الضم بمعنى فتح البلدان للتوسع والتبسط للسؤدد
السياسي بالربح الاقتصادي، وهذا أمر لا يلقى شيئًا من التأييد في البرلمان
البريطاني ولا في بريطانية العظمى ولا بين حلفائها (هتاف) .
ومتى جلونا هذا الإبهام فهل يبقى خلاف بيننا وبين أصدقائنا ديمقراطِيِّي
روسية على القواعد العامة التي يجب مراعاتها في الكلام عن الصلح؟ !
أما أنا فلا أعتقد بوجود شيء من الفرق (اسمعوا اسمعوا) - روتر.
* * *
وجاء في المقطم الذي صدر في ٢١ رمضان (١٠ يوليو) ما نصه:
غاية الحلفاء من الحرب
رد فرنسة وإنكلترة على المذكرة الروسية
أرسلت الحكومة الروسية المؤقتة في شهر أبريل الماضي مذكرة خطيرة
الشأن إلى دول الحلفاء، بسطت فيها غايتها من الحرب، وألحت عليهم في إعلان
أغراضهم الحقيقية منها. وقد نشرنا المذكرة الروسية في حينه، ورأينا الآن أن
نوافي القراء برد فرنسة وإنكلترة عليها لما فيه من الدلالة على حسن نيات الحلفاء
وسمو مبادئهم نبل مقاصدهم، وهو الجواب الذي وصل إلى بتروغراد في أواخر
شهر يونيو الماضي. قالت فرنسة في مذكرتها:
(جواب فرنسة عن مذكرة روسية)
اطلعت حكومة الجمهورية الفرنسوية بارتياح عظيم على المذكرة التي سلمها
إليها سفير روسية في باريس باسم الحكومة المؤقتة، وشاركتها في الثقة التامة بكل
ما يتعلق بتحسين موارد روسية الاقتصادية وزيادة قوتها الحربية أو السياسية ثم
رأت أن تعلن ما يأتي:
إن فرنسة لم تفكر في استعباد شعب من الشعوب حتى أعدائها الحاليين،
ولكنها تريد أن يزول الخطر الذي يهدد العالم وأن يُعاقَب المجرمون الذين أضرموا
نار هذه الحرب الهائلة، وكانوا عارًا على أعدائنا أنفسهم، وهي تترك لأعدائها
عواطف الطمع التي امتازوا بها في الحرب والسلم، ولا تطلب من البلاد إلا ما هو
لها شرعًا.
لقد ذهبت مساعيها السلمية أدراج الرياح، واضطرت إلى امتشاق الحسام
دفاعًا عن حريتها واستقلالها ورغبة في إكراه العدو على احترام استقلال الأمم،
فكما أن روسية أعلنت إحياء مملكة بولندة القديمة المستقبلة، هكذا فرنسة تحيي
بسرور عظيم كل المساعي الحرة التي تبذلها الأمم المستعبَدة.
ولا ترمي فرنسة في هذه الحرب إلا إلى غاية واحدة وهي انتصار الحق
والعدل، سواء قامت الأمم لإعلان استقلالها ووحدتها وإعادة سالف مجدها ومدنيتها،
أو لخلع نير العبودية عن عاتقها، وهو النير الذي كان يهدد جميع الأمم التي لم
تبلغ منزلة الجرمان من الارتقاء الظاهري.
ولا تطلب فرنسة لنفسها إلا تحرير الولايتين الفرنسويتين اللتين سلختا عنها
بالقوة وهما الإلزاس واللورين ولكنها تحارب مع حلفائها إلى النصر الذي يعيد إليهم
حقوقهم واستقلالهم السياسي والاقتصادي ويعيضهم من الخسارة التي نزلت بهم
ويكفل لهم منع كل اعتداء يقع عليهم في المستقبل.
وتعتقد حكومة الجمهورية اعتقادًا تامًّا كاعتقاد الأمة الروسية أن هذه المبادئ
العادلة هي المبادئ الوحيدة التي يجب أن يضعها الخلق نصب عيونهم لإبرام صلح
دائم على أساس العدل والحق.
فعلى الحكومة المؤقتة أن تثق ثقة تامة بمبادئ الحكومة الفرنسوية وتعلم أنها
مستعدة للاتفاق معها ليس فقط على التدابير اللازمة لمواصلة الحرب، بل على
طرق الانتهاء منها أيضًا بشكل يتفق مع الغاية التي خُضنا غمار الحرب من أجلها
انتهى.
قرار مجلس نواب فرنسا
ثم شفعت الحكومة الفرنسوية هذه المذكرة بالقرار الخطير الشأن الذي أصدره
مجلس نواب فرنسة في جلسته التاريخية في ٥ يونيو، ونقلته إلينا التلغرافات
الخصوصية والعمومية في حينه [المنار وهذه ترجمته:]
باريس في ٥ يونيو
هذا نص قرار الثقة بالحكومة الذي وضعه مجلس النواب الفرنسوي:
إن مجلس النواب الذي يعبر رأسًا عن سلطة الشعب الفرنسوي يرسل إلى
الديمقراطية الروسية وسائر ديمقراطيات الحلفاء التحية والسلام.
إن مجلس النواب يؤيد الاحتجاج الإجماعي الذي قدمه مندوبو الإلزاس
واللورين المسلوختين عن فرنسة إلى الجمعية الوطنية في سنة ١٨٧١، ويجاهر
بأنه ينتظر أن هذه الحرب التي أكرهت ألمانية المحبة للفتح سائر بلدان أوربة على
خوض غمارها لا تؤدي إلى تحرير الولايات التي اكتسحها الألمان فقط، بل إلى رد
الإلزاس واللورين إلى وطنهما الأصلي، وتعويض فرنسة مما أصابها من الضرر
والخسارة.
إن مجلس نواب فرنسة لا يفكر في فتح البلدان وإخضاع شعوب أخرى ولكنه
ينتظر أن يؤدي جهاد جيوش الجمهورية الفرنسوية وجيوش حلفائها إلى سحق
الروح العسكري البروسي والحصول على ضمان وطيد لاستقلال الشعوب الكبيرة
والشعوب الصغيرة.
والمجلس واثق بأن الحكومة تكفل إحراز هذه النتائج بالتعاون العسكري
والسياسي مع حلفائنا - روتر.
* * *
(جواب إنكلترة عن مذكرة روسية)
وأرسلت الحكومة البريطانية المذكرة التالية إلى حكومة روسيا وهي:
تلقت الحكومة البريطانية المذكرة التي سلمها إليها معتمد روسية في لندن وتضمنت
أغراض روسية من الحرب الحاضرة.
وقد ورد في المنشور الذي أُعلن على الشعب الروسي، ووصل إلينا مع
المذكرة أن روسية لا تتوخَّى سيادة الأمم الأخرى والاعتداء على أملاكها القومية
واحتلال بلادها بالقوة، فالحكومة البريطانية تشارك الحكومة المؤقتة في مبادئها
وتعلن أنها لم تخض غمار الحرب من أجل التوسع والفتح وإنما خاضت غمارها في
بدء الأمر دفاعًا عن كِيانها ورغبة في إكراه المعتدين على احترام المعاهدات الدولية،
أما الآن فقد صار لها غاية أخرى وهي تحرير الأمم التي تئن من جور الاستبداد
الأجنبي.
وقد قابلت الحكومة البريطانية بسرور عظيم عزم روسية على تحرير بولندا
التي تحت حكمتها الأتقراطية الروسية، وبولندا التي تئن من جور الاستبعاد
الجرماني، فالديمقراطية البريطانية تحيي روسية وتتمنى لها النجاح في هذه المهمة
من صميم فؤادها.
ويهمنا قبل كل شيء أن نجد طريقة حسنة لحل المشاكل الحاضرة حلاً يكفل
للأمم سعادتها وهناءها ويستأصل جراثيم الحروب المقبلة من العالم.
والحكومة البريطانية تنضم إلى حلفائها الروسيين من صميم فؤادها وتقبل
معهم المبادئ السامية التي أعلنها الرئيس ولسن في خطبته الشهيرة في مجلس الأمة
الأميركية.
وتعتقد الحكومة البريطانية أن الاتفاقات التي أبرمتها مع حلفائها في الماضي
لا تناقض هذه المبادئ، ومع ذلك فإنها تقبل أن تعيد النظر فيها إذا شاءت الحكومة
الروسية ذلك، وأن تعدل بعض موادها إذا اقتضت الحال؛ انتهى.
* * *
وجاء في المقطم الذي صدر في ١٨ رمضان (٧ يوليو) :
الحلفاء واستقلال الأمم
أرسلت الحكومة الروسية مذكرة إلى دول الحلفاء بسطت فيها غايتها الحقيقية
من الحرب وطلبت منهم أن تعرف الغاية التي يتوخَّوْنها هم أيضًا، فأجابتها فرنسة
بمذكرة طويلة، قالت فيها: إنها لا ترمي إلا إلى استرجاع الإلزاس واللورين ومنح
الأمم الكبيرة والصغيرة استقلالها التام، ثم شفعت هذه المذكرة بالقرار الذي أصدره
مجلس نواب فرنسا في ٥ يونيو الماضي.
وقالت إنكلترة في ردها على المذكرة الروسية إنها خاضت غمار هذه الحرب
دفاعًا عن كيانها ورغبة في إكراه الآخرين على احترام المعاهدات الدولية. أما اليوم
فصارت ترمي إلى غاية ثالثة وهي تحرير الأمم التي تئن من جور الاستعباد
الأجنبي، فإنكلترا في هذه الحال توافق على المباديء السامية التي جاهر بها
الدكتور ولسن وأعلنتها الدمقراطية الروسية، وهي مستعدة لإعادة النظر في
المعاهدات التي أبرمتها مع روسية وسائر حلفائها.
وقد قابلت الصحف الروسية هاتين المذكرتين بارتياح عظيم إذا استثنينا
الصحف الثورية والمتطرفة والداعية إلى الصلح. فقالت جريدة نوفو فريميا ما
خلاصته:
لا يمكننا أن نزيد حرفًا واحدًا على جواب الحلفاء عن مذكرتنا؛ فهو في غاية
الوضوح في ما يتعلق بخطة الفتح الذي يتهمهم أعداؤنا بها.
وقد أعلن حلفاؤنا غايتهم الحقيقية من الحرب، فإذا هي غاية روسيا وغاية
أميركا حليفتنا الجديدة. انتهى.
وقالت (البورص غازت) إن جواب الحلفاء أرضى روسية الديمقراطية
وأكد لها أن ديمقراطيات العالم كله متفقة على الدفاع عن استقلال الأمم وسحق
الاستبداد البروسي.
* * *
استقلال ألبانيا
رومية في ٤ يونيو - صدر منشور في أرجيرو كاسترو يوم ٣ يونيو
باستقلال ألبانيا وتوحيدها كلها تحت حماية إيطاليا - روتر.
رومية في ٤ يونيو
هذا بعض نص المنشور بإعلان الحماية الإيطالية على ألبانيا وهو بإمضاء
الجنرال فريرو:
أيها الألبانيون، إنكم بهذا القرار سيصير لكم معاهد حرة، وجنود ومحاكم
ومدارس، يديرها أبناء قومكم، ويتيسر لكم أن تديروا أملاككم، وتجنوا ثمرة تعبكم
لأنفسكم، ولزيادة خير بلادكم وإسعادها.
أيها الألبانيون، إنكم أينما كنتم سواء في بلادكم الحرة الآن أو فارين في
سواها من البلدان أو كنتم خاضعين لحكم أجنبي يمتنّ عليكم بالمواعيد الكثيرة ولكنه
في الحقيقة يسلبكم ويعاملكم بالشدة - أنتم سُلالة جنس عريق نبيل، تربطكم عدة
قرون من التقاليد القديمة بحضارة رومية والبندقية. إنكم لا تجهلون اشتراك
المصلحة بين الإيطاليين والألبانيين في البحار التي تفصل بيننا والتي وحدت بيننا
أيضًا، إنكم لحسنو النية واليقين، تعتقدون بحسن مصير وطنكم المحبوب، فأنتم
تقفون الآن في ظل راية إيطاليا وألبانيا، وتحلفون يمين الإخلاص الأبدي لألبانيا
المستقلة التي تنادي بها اليوم باسم إيطاليا وتتمتعون بصداقة إيطاليا.
وقد تُلِيَ هذا المنشور على جمهور كبير من ألبانيي أرجيرو كسترو، فقابلوه
بالحماسة ونُشر في سواها من الجهات التي تحت إدارة الإيطاليين، وألقى الطيارون
نسخًا منه في البلاد الواقعة وراء فوجوزا - روتر.
* * *
(المنار)
هذا، وإن البرقيات العامة نقلت إلينا أن روسية الحرة لم تعترف بهذا
الاستقلال، بل صرحت بأن مؤتمر الصلح هو الذي يفصل في أمرها.
ومن تأمل أجوبة الحلفاء كلها رأى أن جواب فرنسة أبعدها عن مظان التأويل
وأقربها إلى مقصد المذكرة الروسية، ولما كان المعهود في السياسة أن يكون لكل
كلام ظاهر وباطن، وأن يكون ظاهره محتملاً للتأويل - كتب أحد كُتاب فرنسة
الأحرار (المسيو أولار) مقالة في الموضوع الذي نبحث فيه، لخصتها جريدة
(المقطم) في العدد الذي صدر منها يوم الجمعة ١٣ يوليو (٢٤ رمضان) بما يأتي:
غرض فرنسا من الحرب
من مقالة للمسيو أولار
أنشأ المسيو أولار الكاتب الفرنسوي الشهير مقالة شائقة في جريدة (البايي)
(الوطن) الباريسية، بسط فيها غاية فرنسة من الحرب والأغراض الحقيقية التي
ترمي إليها. والمسيو أولار من أعظم الكتاب الفرنسويين وأشدهم تأثيرًا في الرأي
العام وأكثرهم خبرة بشؤون الشرق الأدنى، ولا سيما سورية التي زارها لآخر مرة
سنة ١٩٠٧، وأسس فيها مدرسة بيروت العلمانية ومدرسة دمشق للبنات، وهو
أستاذ التاريخ في جامعة السوربون وصاحب المؤلَّفات العديدة عن الثورة الفرنسوية،
ومن زعماء الماسون والرئيس الأكبر لجمعيات التعليم العلماني في فرنسا؛ لذلك
رأينا أن نلخص مقالته للقراء لما فيها من الدلالة على أغراض الأمة الفرنسوية من
هذه الحرب وسمو مبادئها ونبل مقاصدها ورغبتها الأكيدة في مواصلة الحرب إلى
النصر قال:
خاضت الولايات المتحدة غمار الحرب ودخلت الثورة الروسية في دور جديد
في الأسابيع الأخيرة فأحدث ذلك تأثيرًا عظيمًا في العالم، ظهرت نتائجه الأولى في
انقشاع الغيوم المتلبدة في جو سياسة الحلفاء.
وقد وقعت هذه الأيام حوادث سياسية لها مغزى عظيم واضح، فأعلن المسيو
ريبو رئيس الوزراء الفرنسوية في مجلس النواب - بعد اتفاقه مع الحكومات
المتحالفة -: إنه لا يمكن أن تكون لنا خطة سرية غير الخطة الصريحة التي
يعرفها العالم كله وإن في التلاعب بالوجدان الوطني خطرًا عظيمًا يؤدي إلى أعظم
النكبات، فالمسيو ريبو أنس من نفسه هذه الجرأة الأدبية التي حملته على هذا
التصريح الخطير الشأن بعد ما أبدت الديمقراطيتان الأميركية والروسية آراءهما في
الأمر وأعربتا عن عدم رضائهما عن السياسة السرية.
وهذا، وإننا نرى من جهة أخرى أن الجنود الفرنسويين الذين يقاسون
ضروب الشقاء ويريقون دماءهم الزكية في الخنادق دفاعًا عن الوطن العزيز -
يريدون أن يعلموا الغاية الحقيقية التي يقاسون الشقاء ويقتحمون الأخطار للوصول
إليها. لا مشاحة في أنهم يعلمون أن غرضهم الوحيد من الحرب الحاضرة طرد
العدو من البلاد التي اجتاحها، وتحرير العناصر من ربقة الاستعباد، ولكنهم
يخشون أن تكون هنالك سياسة سرية وراءها مقاصد فتح ومطامع استعمار تحت
ستار العدل والحق، وأن يتخذ ذلك حجة لتحقيق الأحلام القديمة التي منشأها الغرور
وغاياتها استعباد الأمم.
إن الفرنسويين قاطبة يحاربون إلى النهاية من أجل فرنسا والإلزاس
واللورين ويريقون آخر نقطة من دمهم لإنقاذ البلجيك التاعسة من مخالب العدو،
ولكنهم لا يقبلون بوجه من الوجوه أن تكون غايتهم من الحرب فتح آسيا الصغرى
وتحقيق مشروع استعماري بعيد تخفيه الحكومات. اهـ.
* * *
(المنار)
إن الذكي الفطِن يفهم من هذا التلخيص ما وراءه، فعسى أن تنتهي هذه
الحرب بما يحبه - مثلنا - هذا الكاتب الحر بتحقيق آمال المستضعفين وتحرير
الشعوب أجمعين.
* * *
الترك والعرب.. وهل يكونان كالنمسة والمجر؟
نشر (المقطم) في ٥ شوال مقالة أرسلها إليه إبراهيم أفندي النجار من
باريس شرح فيها ما أحدثته الثورة الروسية ودخول الولايات المتحدة في الحرب -
من الروح الجديدة في سياسة العالم وأشار فيها إلى ما بين قاعدة أحرار الروس
ومرامي الرئيس ولسون وبين تنفيذ فكرتهما من العقبات وذكر تأثير ذلك في الدولة
العثمانية، فقال ما نصه:
(وقد اتصل بي هذين اليومين خبر كبير الأهمية إذا صدقت الرواية وصدق
راويها وهو أن هذه الفكرة التي سبقت الإشارة إليها مشت شرقًا ووقفت في فروق
الآستانة) ، ففكر أصحاب الحل والعقد فيها في إنشاء السلطنة العثمانية على
الأساس الثنائي من الترك والعرب، كما قامت إمبراطورية النمسا على أساس سلطة
النمسويين والمجريين. وإن الحكومة شارعة في تعديل القانون الأساسي على هذا
المبدأ. قرأت هذا الخبر الذي رواه لي مخبري في سويسرا ووقفت عنده وقفة
الحائر في نقضه وتصديقه.الأول لأنه لا ينطبق على سياسة غلاة الترك
العنصرية، والله أعلم بما أعرف من خبايا نياتهم وبما يضمرون. والثاني لأن
القوم ضاقوا ذرعًا في هذه الحرب وعلموا أن عاقبتها ستكون وبالاً عليهم وأن
نهايتها ستكون على حسابهم وعرفوا مبادئ الثورة الروسية والرئيس ولسن كما
عرفنا الخاص والعام، وسمعوا آراء رجال الحل والعقد في برلين وفَّينا في
النصح لهم بالتخفيف من غلوائهم، فرأوا من الحكمة أن يفعلوا مختارين ما تحملهم
القوة القاهرة على قبوله وإقراره، والذي يعلم كيف أعلن مدحت باشا القانون
الأساسي الأول يوم كان سفراء الدول المجتمعين في الطوبخانة في الآستانة
لتبادل الرأي في كيفية حمل الدولة على الإصلاح - يعرف مسالك الترك في هذه
المآزق، ويتبين له وجه الشبه التام بين اليوم والبارحة؛ لهذا السبب ملت إلى
تصديق الرواية، وإن كنت لا أجزم بصحتها. اهـ.