للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مبايعة وفود الأقطار الحجازية

جاء في العدد الرابع والعشرين من جريدة القبلة الذي صدر في ١٠ المحرم ما
نصه:
(شهدنا في صباح أول أمس جموع العرب من سلالة مضر وربيعة
وقضاعة وقحطان، وإخوانهم من مختلف الأمم والأقطار؛ يهرعون من باب
الصفا إلى باب الله الحرام ألوفًا بعد ألوف، ملبين دعوة دينهم ويقينهم، ومجيبين
نداء وجداناتهم وضمائرهم، في تقليد أمرهم لأقدر المسلمين على القيام به.
ولما كانت الساعة الثانية عربية كان جلالة الملك المعظم قد جاء من القصر
الملوكي إلى مدرسته الملاصقة لبيت الله الحرام فدخل إليه منها يحف به آل البيت
الأطهار، وعلماء الشرع الأبرار، ووجوه الأمة الأخيار، فتنحت الجموع العظيمة
لقرة عينها، وسبب عزها وسعادتها، وحينئذ أعطى حضرة العلامة صاحب المعالي
قاضي القضاة ونائب وكيل الوكلاء عريضة أهل الحل والعقد لحضرة الفاضل الشيخ
عبد الملك الخطيب ليتلوها على مسامع من لم يسمعها من جمهور الأمة فيكونوا على
بينة مما تضمنته من الحقائق الدينية والدنيوية، فصعد حضرة الخطيب على دكة
أقيمت أمام رواق الحرم الشريف وقرأها على الجماهير فقابلوها بالجذل والحبور
والفرح والسرور. ثم أقبل حضرة قاضي القضاة على يد حضرة صاحب الجلالة
الهاشمية ملك البلاد العربية فبايعه بالصيغة التي نشرناها ضمن العريضة في العدد
الماضي من القبلة [١] وتبعه حضرات الأشراف والسادة ورجال الدولة والعلماء
والأعيان ووفود البلاد فجماهير الأمة على اختلاف طبقاتها. وكان رجال الشرطة
يحافظون على النظام بكل دقة وانتباه.
وقد رأى حضرة قاضي القضاة بعد أن تشرف بضعة ألوف من الناس بشرف
المبايعة السعيدة أن الوقت لا يتسع لاستمرار الألوف الكثيرة في ذلك فطلب منهم أن
يجيزوه في أخذ البيعة عنهم فأجازوه إجازة إجماع عام مطلق، فبايع عنهم على
مسمع منهم، ثم صعد حضرة الشيخ عبد الملك مرداد على الدكة فدعا بدعاء بليغ
خشعت له القلوب وأمّنت عليه الألسنة. وعند ختام الدعاء عاد جلالة ملكنا المحبوب
إلى المدرسة فلبث فيها برهة، ثم سار موكبه الفخيم إلى الديوان الهاشمي العالي
وجماهير الأمة تهتف له بالنصر والعز والتأييد، وتلاميذ المدارس مصطفة تحت
الأعلام العربية المنصورة تنشد أناشيد الحماسة والاستبشار بالمستقبل الباهر السعيد.
ولما وصل الموكب الفخيم إلى القصر الملوكي العالي أقبلت ألوف الناس من
العظماء الأعيان والتجار ومن في طبقتهم للتشرف بالأعتاب الهاشمية. وأخذ الخطباء
والشعراء يتبارون في بيان عواطف الأمة بهذا العيد الأعظم للعرب والإسلام) .
(المنار)
قد نشرت جريدة القبلة ما وصل إليها من تلك الخطب والقصائد فاستغرق العدد
كله. وقد ذكرت أسماء أشهر رجال الوفود من جدة والطائف وغيرهما. وقد علمنا
أن كثيرًا من زعماء العرب وفضلائهم في الجزيرة ومصر. قد رفعوا إلى ملك
الحجاز رسائل التهاني بالبرق وبالبريد.