للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


حِكم الفلاسفة ونوادرهم
(ا)

قال أفلاطون: لا تصحبوا الأشرار فإنهم يمنون عليكم بالسلامة منهم. وقال:
لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم. وقال: إذا أقبلت
الدولة خدمت الشهواتُ العقولَ , وإذا أدبرت خدمت العقولُ الشهواتِ. وقال: لا
يضبط الكثير من لم يضبط نفسه الواحدة. وقال: موت الصالح راحة لنفسه وموت
الطالح راحة للناس. وقال: إذا قويت نفس الإنسان انقطع إلى الرأي وإذا ضعفت
انقطع للبخت. وقال: إذا أردت أن تعرف طبقتك من الناس فانظر إلى من تحبه
لغير علة. يريد أن الإنسان لا يحب هذا الحب إلا من يشاكله مشاكلة روحية
وظاهر أنه يريد بالعلة المنفعة الخارجية , وإلا فالمشاكلة علة لا تنكر. وسئل بماذا
ينتقم الإنسان من عدوه؟ فقال: بأن يتزيد فضلاً في نفسه. وقال: الأشرار
يتقربون إلى الملوك بمساوي الناس والأخيار يتقربون إليهم بمحاسنهم. وقال: لا
تقبلنَّ في الاستخدام إلا شفاعة الأمانة والكفاءة. ويقال: إن أفلاطون رأى فتى ورث
مالاً كثيرًا وضياعًا فأتلفها فقال: رأيت الأرضين تبلع الناس وهذا الإنسان بلع
الأرضين. أقول: إن أكثر أولاد الأغنياء في مصر كهذا الفتى , ولقد جاء فتى منهم
إلي أحد الوجهاء يطلب شفاعته في وظيفة ولو حقيرة وقال: أرجو أن تجعلني خادمًا
في البيت إلى أن تتيسر الوظيفة وما ذلك إلا لأجل القوت الضروري. وهذا الفتى
مات والده وترك له خمسة آلاف فدان فابتلعها كما قال أفلاطون، بل ابتلعتها حانات
الخمور ومواخير الفجور وبيوت القمار وصحبة الأشرار. ومن البلاء أن كلامنا
هذا لا يقرأه إلا الأفاضل , وأما أولئك الفتيان السفهاء فأوقاتهم مصروفة في تخريب
بيوتهم وتضييع أوطانهم.
وقال أفلاطون: لا ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له كما لا ينبغي
للصاحي أن ينازع السكران. وقيل له: كيف يغم الإنسان عدوه؟ فقال: بأن يصلح
نفسه. أقول: وإن شأن الأمم في هذا كشأن الأفراد سواء بسواء فلا تنكي الأمة
عدوها إلا بإصلاح شئونها. وقال: إذا صادقت رجلاً وجب عليك أن تكون
صديق صديقه , ولا يجب عليك أن تكون عدوَّ عدوه لأن هذا إنما يجب على خادمه
ولا يجب على مماثل له. وقال: الحر من وفى بما يجب عليه , وتسمّح بكثير مما
يجب له , وصبر من عشيره على ما لا يصبر منه على مثله وكانت حرمة القصد
عنده توازي حرمة النسب وذمام المودة له يجوز ذمام الإفضال عليه. وقال: ينبغي
لمن طال لسانه وحسن بيانه أن لا يحدث بغرائب ما سمع فإن الحسد لحسن ما
يظهر منه يحملهم على تكذيبه , وأن يترك الخوض في الشريعة وإلا حملتهم
المنافسة على تكفيره. أقول: إن شواهد هذه الحكمة واقعة في كل زمان وجد فيه
صاحب علم وبيان. وقال: أضرُّ الأشياء عليك أن يعلم رئيسك أنك أحسن حالاً منه
أقول: وهذا أصل بلاء العظماء الذين مكانهم في الاجتماع دون مكانتهم في العلم
والفضل. وقال: إذا حاكمت رجلاً فليكن فكرك في حجته عليك أقوى من فكرك في
حجتك عليه.
((يتبع بمقال تالٍ))