مطاعن المبشرين في صاحب الرسالة الإسلامية لصاحب الفخامة سيف الرحمن رحمة الله فاروق (اللورد هدلي) رئيس الجمعية البريطانية الإسلامية [*] نشرت المجلة الإسلامية (إسلامك رفيو) التي يصدرها الخواجة كمال الدين مقالاً مطولاً بقلم اللورد هدلي الذي ذاع في الناس خبر اعتناقه لدين الإسلام منذ عشر سنين، ردًّا على مفتريات المبشرين الذين لم يكتفوا بعقد مؤتمراتهم ضد العالم الإسلامي، بل هم يوجهون المطاعن البذيئة إلى النبي الكريم، فليشهد التاريخ وليسطر في صفحاته هذه الأعمال التي تدل على عقلية سقيمة وتربية لا تليق أن يتصف بها أتباع السيد المسيح عليه السلام، وهذا هو:
(كنت أطلع من وقت إلى آخر على كتابات الإرساليات المسيحية التي يطبعونها بشكل كراسات صغيرة، ويدَّعون فيها أنهم يُدْلُون للقراء بمعلومات قيمة عن الدين الإسلامي وواضع أسسه، وإنني لأعترف وأنا عظيم الأسف بأنني أشعر بذلة عظيمة وخجل شديد عندما أجد أن أحد رجال وطني يضطر إلى الأخذ بالرياء والتمويه والتحريف لكي يعزز آراءه نحو الدين، فإن الدين الحق يعلم الناس العدل والآداب وعدم الافتراء والكذب؛ وإنه ليُذهِل أن يرى القارئ إلى أي مدى تسير التعصبات الدينية المسيحية. وانظر إلى وجه الصورة الآخر: ألا تدهشك رؤية مظاهر روح التسامح والحسنى التي يقررها القرآن، وذلك الهدوء الذي يلاقي به المجتمع الإسلامي الحملات القوية العديمة القيمة التي تحمل عليه وعلى ديانته باسم عيسى الكريم أحد أنبيائه؟ إنني لا أجد أي جور أو تحريف في أعمال هذه النبي الكريم، وإنه وإن كانت هناك كلمات شديدة يدفع بها المسلمون عن كرامتهم إلا أنهم لم يلجأوا إلى مثل هذه التهم الملفقة كي يكون منها أهم أسلحتهم التي يهاجمون بها خصومهم. وها أنا ذا ذاكر الآن بعض قطع من كراسات وضعت خصيصًا لتشويه أخلاق المصلح العربي العظيم، وسيرى كل شخص ذي عقل سليم مسيحيًّا كان أم مسلمًا أن طلب الانتقام هو السلاح الوحيد الذي يهاجمون به الإسلام، يريدون بذلك أن يطفئوا تلك الشمس النيرة، وأن يحجبوا أشعتها الوضاءة وليس في تلك الكراسات حجج ولا إشارات إلى الحقائق التاريخية وإنما هي تقارير مثيرة متوالية تدل على عقلية كاتبيها السخيفة وذوقهم السقيم. ويرى القارئ هنا بعض أمثلة مقيئة وإنني أعتذر إليه لذكر هذيان كهذا يَمُجُّهُ الذوقُ السليم ويحمرُّ منه وجه الفضيلة، وعذري في ذلك أنه يجب على كل مسلم أن يعلم مقدار تعصب هذه الشرذمة الضالة، وأن يرى هذه الهجمات المتتالية التي توجه منذ زمن بعيد ضد المسلمين الذين لا تسمح لهم حسناتهم وصبرهم وطول أناتهم وحسن ذوقهم بأن يقابلوهم بمثل هذه السفالة المنكرة المبتذلة التي نهى عنها المسيح الذي يعتقد هؤلاء المتدينون الأسافل أنه ربهم ومولاهم. من ذلك ما نشرته جريدة (نور آفشو) وهي جريدة تبشيرية أسبوعية تطبع في لوديانا قالت: (الوحي الذي نزل على.. . أتي من لدن الشيطان) . (المسلمون في الواقع حُمُر وأعمالهم كأعمال الجحوش) . (المسلمون مربوطون بحبال الشيطان من رقابهم) . (كل نساء بلاد العرب المتزوجات زانيات) . (خلاص المسلمين مبني على ارتكاب الخطايا وجعلت الأعمال الطيبة عندهم كوسيلة للحرمان، أما الخطيئة فقد نظمت كفرض وحيد لحياتهم الطبيعية) . (أسس محمد أمة جعلت ارتكاب الخطايا، وجعلت الأعمال الطيبة [١] يتعمدون الكذب ويسفكون الدماء ويرتكبون السرقة وقطع الطريق ومصيرهم إلى جهنم جميعا) . وكتب الدكتور ت. هويل راعي الكنيسة الإنجليزية بلاهور: (مِن محض رغبته أو غوايته الشيطانية شكر محمد الأصنام وسجد لها) . (إنه ظل خاضعًا للشيطان والسحر) . (وقال مخاطبًا المسلمين بتعيير وتوبيخ؛ ذلك لأن قوادكم مجرمون شريرون وعقولهم ضعيفة) . وكتب القس ج. هراوءوس الأستاذ في اللاهوت (هناك أشياء كثيرة تدل على أن.. . مجرم أثيم) . (الطمع والغضب كانا من الشرور القوية الغريزية في ... ) . (إن.. . مفتقر إلى الإخلاص) . (إن.. . لا يستطيع أن يتخلص من جهنم بأية واسطة وسيلقى في جهنم كباقي المخطئين) . وكتب القس روكلين: (أصحاب محمد يوصفون بأنهم سفاكون دماء وظلمة متوحشون ولصوص غشاشون وفاعلو كل أصناف الآثام) . وكتب القسم السير وليم مبور: (قد سجن.. . في داخل بخار جهنم إلا أن كل ذلك حصل من جراء ارتكابه الجرائم التي ظل يمارسها إلى أن مات) . (القرآن مجموعة من الحكايات اليهودية والمسيحية المسروقة من التوراة وغير الموثوق بها) . قال اللورد بعد نقل ما ذكر: أنا أفهم أن للقلم حرمة وأفهم أنه مرآة حامله، فإذا أثم القلم فيما يسود من بياض القرطاس دل على أن لصاحبه نفسًا لا تسمو كثيرًا عن نفوس المجرمين، وكل ما في الأمر أنه طليق وأنهم سجناء ... فالذي يحاول أن ينال من غيره ببذيء القول لا ينال إلا من نفسه، والذي يريد أن يطعن غيره بفُحْش الكلام لا يطعن إلا صدره. فإذن يفهم من أقوال المبشرين أنهم ضالون مضللون وإذا كان هذا هو الأدب لديهم فماذا تركوا لأوباش الأحواش (المواخير) وأبناء الأزقة؟ إن تعاليم القرآن الكريم، قد نفذت ومُورِسَتْ في حياة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أظهر من أشرف الصفات الخلقية ما لا يتسنى لمخلوق آخر إظهارها فكل صفات الصبر والثبات والحلم والصدق كانت ترى في خلال الثلاثة عشرة سنة أثناء جهاده في مكة هذا، ولم تتزعزع ثقته بالله تعالى وأتم كل واجباته بشمم وشهامة. كان صلى الله عليه وسلم مثابرًا في عمله لا يخشى لومة لائم؛ لأنه كان يدرس المسئولية التي ألقاها الله تعالى على كاهله، وقد أثارت تلك الشجاعة التي لا تعرف الجفول - تلك الشجاعة التي كانت حقًّا إحدى مميزاته وأوصافه العظيمة - إعجاب واحترام الكافرين، وأولئك الذين كانوا يحاولون قتله، ومع ذلك فقد انتبهت مشاعرنا وزاد إعجابنا له في حياته الأخيرة أيام انتصاره بالمدينة عندما كانت له القوة والقدرة على الانتقام واستطاعته الأخذ بالثأر ولم يفعل من ذلك شيئًا بل عفا عن كل أعدائه. إن العفو والإحسان والشجاعة والحلم كل ذلك كان يرى منه في خلال تلك المدة، وإن عددًا عديدًا من الكافرين اهتدوا إلى الإسلام عند رؤيتهم ذلك. عفا بلا قيد ولا شرط عن كل هؤلاء الذين اضطهدوه وعذَّبوه. آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة وأغنى فقراءهم وعفا عن ألد أعدائه عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت رحمته. تلك الأخلاق اللاهوتية التي أظهرها النبي الكريم أقنعت العرب الكافرين بأن حائزها لا يمكن إلا أن يكون مرسلاً من عند الله وأن يكون رجلاًَ هاديًا إلى الصراط المستقيم، وإن تلك الأخلاق المُضَرِيَّة الشريفة حولت كراهيتهم المتأصلة في نفوسهم إلى محبة وصداقة متينة. فكل هذه المحاولات العقيمة والوسائل الدنيئة التي يقوم بها المبشرون لتحقير شريعة النبي العظيم بالبذاءة آنًا، وبالسفاسف المتضمنة كثيرًا من طمس الحقائق آنًا آخر لا تمسه بأذًى ولا تغير عقيدة تابعيه قيد أصبع. وليعلم هؤلاء الذين اتخذوا مثل هذه الأكاذيب ذريعة وأحبولة ليقتنصوا المسلمين أن الكلام البذيء والكذب كانا أكره شيء في نظر أعظم معلمي الناصرة. لا أظن أبدًا أن المسلمين اجتهدوا في حين من الأحيان أن يحشروا أفكارهم ومعتقداتهم الدينية في حلوق الناس وصدورهم بالقوة والفظاعة والتعذيب، وإذا كان هناك مثل هذه الحالات فحينئذ يمكننا أن نقول: إن مرتكبي هذه الآثام ليسوا بمسلمين مطلقًا؛ لأننا لا نستطيع أن نقر بأن القرآن الشريف يصادق على أفعالهم. إن محمدًا كان قانونيًّا ومحاربًا وعندما امتشق الحسام هو وتابعوه لم يكن ذلك إلا للدفاع عن أنفسهم فقط، ولم يعتدوا قط على أحد، والسيرة النبوية تثبت لنا ذلك. نحن نعتبر أن نبي بلاد العرب الكريم هو ذو أخلاق متينة وشخصية بارزة حقيقية وزنت واختبرت في كل خطوة من خطى حياته، ولم ير فيها أقل نقص أبدًا. وبما أننا باحتياج إلى نموذج كامل يفي بحاجاتنا في معترك هذه الحياة فحياة النبي المقدس تسد تلك الحاجة. إنما حياة محمد صلى الله عليه وسلم كمرآة أمامنا تعكس علينا التعقل والسخاء والشجاعة والإقدام والصبر والحلم، والوداعة والعفو وجميع الأخلاق الجوهرية التي تتكون منها الإنسانية وترى ذلك فيها بألوان وضاءة وجلاء شديد. خذ أي وجه من وجوه الآداب تجده موضحًا في إحدى حوادث حياته وقد وصل محمد إلى أعظم قوة وأتى إليه مُقَاوموه ووجدوا منه رحمة لا تُجَارَى. وكان ذلك سببًا في هدايتهم ونقائهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إن الهمة العظيمة التي لا تَعْرِف الكلل أو الوهن التي كان يبذلها النبي الكريم لمنع عبادة الأصنام قد أثارت معارضة مريعة ضده، فلم تكن هناك قبيلة من قبائل العرب بدون معبود صنمي، وقد أشعلت كل قبيلة لظى الحرب كي تؤيد أصنامها وتحميها حصل ذلك كله حينما كان النبي بالمدينة، وفي الواقع فقد قضى هنالك أيامًا أشد من تلك التي قضاها في مكة، ولما كان أعداؤه يشنون الغارة عليه في كل آن، ومن جميع الجهات أخذ في مقاتلتهم أو إرسال رجاله لصدهم عن سبيلهم فكانوا طورًا ينتصرون وتارةً ينهزمون، وكانت كل حادثة تخلق فرصة مناسبة للنبي الكريم؛ ليظهر مكنونات أخلاقه العظيمة التي لو جمعها الإنسان ونسقها لوجد العالم منها لنفسه قوانين وشرائع تتفق مع كل زمان ومكان. لم يشهر محمد صلى الله عليه وسلم السلاح إلا حين الحاجة القصوى لحماية الحياة البشرية، ولربما يدعي بعض المبشرين أن الإسلام استعمل السيف في نشر الدين، ولكن لحسن الحظ عجز ألد أعداء الإسلام القادحين عن أن يأتوا بأقل دليل أو مثل من الأمثلة التي أثرت فيها الحرب على هداية قبيلة واحدة أو شخص واحد. إن هذه الوقائع كانت سببًا لإظهار كرم أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم الذي امتلك كل قلوب مواطنيه، والذي كان أشد تأثيرًا في الهيئة من أي شكل من أشكال الإكراه، وقد أظهرت تلك المعاملة النبيلة السامية التي كان يعامل بها النبي المنهزمين عجائب وغرائب أدهشت العالم أجمع. فهل آن لهؤلاء المبشرين أن يسكتوا بعد أن ظهر الحق وزهق الباطل، وهل آن لهم أن يكفوا عن هذه المفتريات التي تسقط من قيمتهم في المجتمع الإنساني؟ ولا عجب أن كذب المبشرون أو افتروا على الله كذبًا فكم تظاهر اللص بالأمانة، والداعر بالاستقامة، والزنديق بالتدين. ولكن لا عجب فقد غاض من وجههم ماء الحياة، وقد قال النبي العربي: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) . ولو كانوا يستحيون من أنفسهم، أو على الأقل من الناس، لما أقدموا على هذا الادعاء الباطل والافتراء الواضح، ولما باتوا مضرب المثل في الدس والتدجيل، وعلمًا في التفريق والتضليل؟ ولكنك ترى أشد الناس إلحادًا أكثرهم تظاهرًا بالورع، وهم في الحقيقة أمهر في النصب والاحتيال من الضاربين بالرمل واللاعبين (بالوَدَع) .
(المنار) بينا مرارًا ما علمناه بالاختبار الطويل من أن طغمة المبشرين بالنصرانية مؤلفة في الأغلب من أفراد من المرتزقين بدينهم الذين لا يؤمنون به ولا بغيره من الأديان لذلك يستحلون افتراء الكذب المحرم في جميع الأديان، وهم في كل قطر يظهرون من كذبهم وبهتانهم وسفاهتهم بقدر ما تسمح به حال حكومتها، وحسب المسلم أن يرى أن هؤلاء الأرذلين هم مثال النصرانية ودعاتها وأئمتها ولكنهم يلبسون على العوام بضروب من الرياء ما هو شر من الرياء الفريسي الذي ينبز به المسيح عليه السلام أمثالهم من يهود عصره كما ترويه هذه الأناجيل بل هم والله شر منهم، ولولا أنهم من أسفل البشر لأضلوا كثيرًا من عوام المسلمين الجاهلين، ولكن الله لطيف بعباده.