للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة السنة الرابعة

بهذا الجزء يتم المجلد الرابع من المنار، وقد صدرت أجزاؤه في سنة
وشهرين؛ لأن بعضها أُخر عن موعده عمدًا؛ لتوافق أول سنة المجلد أول السنة
الهجرية الشريفة، وقد زاد هذا المجلد عما قبله زهاء مائة صفحة، وقد رأينا أن
نجعل خمسي المنار بحروف صغيرة في السنة الخامسة، وأرينا القراء نموذج في
هذا الجزء وما قبله، وهي زيادة في الفائدة وسعة في المادة.
أما مباحث المنار ومسائله فهي ما رسمناه وحددناه بالإجمال في السنة الأولى،
وفصَّلنا القول فيه بالتدريج تفصيلاً، فقبلة المنار الإصلاح الديني، وإمامه القرآن،
ومذهبه السنة وسيرة السلف الصالحين والأئمة المجتهدين، وهو خصم ألد لجميع
البدع والخرافات والتقاليد والعادات التي ألصقت بالدين، والتَاثَتْ بنفوس جماهير
المسلمين، وفي يقينه أن الشرق لا يصلح إلا بصلاح المسلمين، وأن المسلمين لا
يصلحون إلا بالرجوع إلى سيرة السلف الصالح في دينهم من غير زيادة ولا نقصان
ومجاراة الأمم الحية في دنياهم وأخذهم بجميع فنونها وعلومها وصنائعها،
فالإصلاح الديني هو الذي ينفخ فيهم روح الاتحاد الاجتماعي بعقائده المرقية للعقول
وآدابه المزكية للنفوس، ومجاراة الأمم الحية هي التي تعطيهم قوة مادية يحفظون
بها وحدتهم، ويعززون بها ملتهم، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
ونعد القراء الكرام بأننا سننشر في أجزاء السنة الخامسة مباحث كتاب (أم
القرى) وهو كتاب لم يكتب مثله في الإصلاح الإسلامي، فقد جمعت فيه آراء
جميع المصلحين بقلم حكيم من حكمائهم، وعالم اجتماعي من أفضل علمائهم،
يسمى في الكتاب بالسيد القرآني كاتب سر (جمعية أم القرى) والكتاب سجل
مذاكرات الجمعية في ١٢ اجتماعًا من اجتماعاتها في مكة المكرمة، وأعضاء
الجمعية أو (مؤتمر النهضة الإسلامية) الذين يحتوي هذا السجل على مذاكراتهم
٢٢ رجلاً، كل رجل نائب عن قطر من الأقطار الإسلامية من المشرق والمغرب،
والأقطاب التي دارت عليها مباحثهم ثلاثة، وهي حالة المسلمين الدينية وحالتهم
الاجتماعية وحالتهم السياسية، وبيان أن أسباب ضعفهم في هذه الأحوال، وما
يعالج به هذا الضعف لإعادة القوة؛ ولكن في القسم السياسي كلامًا لبعض أعضاء
الجمعية في الدولة العلية - أيدها الله تعالى - نحذفه عند الوصول إليه؛ لأنه لا
يؤلم أكثر الناس، ولا ينبغي أن يعرفه إلا الخواص، ولأجل ذلك اغتالت الكتاب
بعدما طبع الأغوال، وأسدلت عليه أستار الليال، وفي آخر الكتاب (قانون جمعية
تعليم الموحدين) التي اقترح المؤتمر إنشاءها وهو مؤلف من ٤٨ قضية، وقد
وعدنا جامع الكتاب بتنقيح النسخة التي سننشرها في المنار، وبإضافة زيادات إليها
هدت إليها الحنكة والاختبار.
وإننا سننجز في السنة الخامسة ما كنا وعدنا به من إتمام مباحث مدنية العرب
ومبحث الكرامات، وسنجيب عن جميع الأسئلة المشكلة الدينية التي سألنا ويسألنا
عنها المشتركون الكرام، ونوسع دائرة المباحث العلمية العصرية بعبارة سهلة، ولا
نزيد في قيمة الاشتراك شيئًا، فكل من قبل الجزء الأول من السنة الخامسة؛ فإننا
نعتبره مشتركًا إلى مدة سنة كاملة بخمسين قرشًا أميريًّا نتقاضاها منه، وإن رد
الجزء الثاني أو شيئًا مما بعده، فمن لم يقبل بهذا الشرط فليرد الجزء الأول إلينا؛
لأن فقد جزء واحد فقد لأجزاء السنة كلها كما لا يخفى، وهذا الشرط عام لطلاب
العلم وتلامذة المدارس ومن كان منهم فقيرًا ويود أن نسمح له ببعض القيمة لفقره
فعليه أن يطلب ذلك منا مشافهة أو مكاتبة قبل صدور الجزء الأول من السنة
الخامسة.
هذا وإننا بعد الشكر لله على توفيقه وهدايته، نشكر لأولئك الفضلاء الذين
وازرونا على القيام بفريضة الدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
السعي في نشر المنار، وتكثير سواد قارئيه، فقد تضاعف عدد المشتركين في هذه
السنة من غير وكلاء ولا دعاة إلا دعاة الخير؛ لأنه خير، وكثر في هذا الشهر
طلب الاشتراك من السنة الخامسة، وهذا من المبشرات بنمو الحياة الملية في جسم
الأمة، وتحقيق لرجائنا الذي أفصحنا عنه في فاتحة السنة الأولى.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يوفقنا في السنة الآتية لخير ما وفقنا في
السنين الماضية، وأن يوفق أمراءنا وحكامنا للعدل في العباد وإصلاح حال البلاد،
وعلماءنا للهدي والإرشاد، وأغنياءنا للبذل والإمداد، وأن يوفق الوالدين لتربية
الأولاد، وينفخ في الجميع روح الاجتماع والاتحاد، وسلام على المرسلين، ومن
تبعهم من المصلحين، والحمد لله رب العالمين.