(س١٣-١٤) من صاحب الإمضاء في مزارع أولاد عليوة (برديس) بسم الله الرحمن الرحيم حضرة المحترم الفاضل الشيخ السيد رشيد رضا: بعد السلام وواجبات الاحترام، نعرف حضرتكم أنه استشكل علينا الأمر فيما يأتي: (١) في صحيح البخاري حديث (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية، وإني بريء من الصالقة والحالقة والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور) [*] واختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: إن الفاعلة ذلك طالقة من زوجها لا تحل له إلا من بعد أن تُستتاب، وبعد عقد جديد، ومنهم من قال بطريقة التوبة فقط. فنرجو منكم بيان ذلك بيانًا شافيًا في عدد من أعداد مجلتكم الغرّاء قريبًا، ولكم منَّا الشكر. (٢) وأيضًا في حديث المحدة المروي في البخاري (لا تحد امرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا) [١] . منهم من أجاز الإحداد لسبعة أيام على الأب، ومنهم من منع ذلك، فنرجو من فضيلتكم البيان الشافي في ذلك، وما الحكم في المحدود مع ما ذُكِرَ لأن الناس استغرقت في هذا الأمر استغراقًا كثيرًا حتى قل من ينهى زوجته وأقاربه عن ذلك. فلهذا نرجو من فضيلتكم كل الاهتمام في هذا الأمر؛ ولنرى ما نتبع في ذلك، وسلامنا على جميع من يسأل عنا وعنكم، والسلام على من اتبع الهدى ودين الحق. ... ... ... ... ... ... ... ... أحمد محمود أبو ستيت ... ... ... ... ... ... ... السلفي السني جواب المنار: (١٣) وردت أحاديث كثيرة في الزجر عن المعاصي والرذائل، وفي التقصير في الفضائل بلفظ (ليس منا من فعل كذا) وبلفظ البراءة، منها ما ذُكر في السؤال، ومنها (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال) رواه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بسند صحيح، ومنها (ليس منا من غش) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم بهذا اللفظ، ورواه الترمذي بلفظ (من غش فليس منَّا) كلاهما صحيح من حديث أبي هريرة، ومنها (ليس منَّا من لم يتغن بالقرآن) رواه البخاري من حديثه وغيره من غيره، ومنها (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا) رواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن عمر والترمذي بلفظ (ويوقر كبيرنا) من حديث أنس وكلاهما صحيح، ومنها (ليس منَّا من دعا إلى عصبية، وليس منَّا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) رواه أبو داود من حديث جبير بن مطعم بسند حسن، ولا يقول أحد يعرف أصول الإسلام وفروعه ويفهم نصوصه: إن هذه الأعمال أو التروك كفر وارتداد عن الإسلام؛ وإنما اتفقوا على أن هذه الصيغة وأمثالها للتغليظ والتشديد في هذه الأمور التي هي من أعمال الجاهلية وشؤونها، فترى شراح البخاري يقولون في (ليس منَّا) أن معناه ليس من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين؛ وإنما المراد به المبالغة في الردع، وقال بعضهم في حديث التبري: إنه وعيد للمتبرَّأ منه بأنه صلى الله عليه وسلم لا يُدْخِلَه في شفاعته، فمن قال: إن المرأة المسلمة ترتد عن الإسلام وتبين من زوجها بالنواح والندب ونحوهما من أعمال الجاهلية المحرمة - فهو جاهل، وإنما ينبغي للمسلم الحريص على دينه وعلى زوجه أن يختبر عقيدتها فيما يُخِلُّ بتوحيد الله تعالى مما نشأ في النساء والرجال من عقائد الوثنية كدعاء غير الله تعالى، والذبح لغير الله تعالى وغير ذلك مما شرحناه في المنار والتفسير مرارًا كثيرة. يجب العمل في الحداد بما صح في الحديث وعدم الالتفات إلى من أجاز مخالفته بهواه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: ٦٣) . *** النفس الواحدة التي خلق منها الناس (س١٤) من صاحب الإمضاء في (زنجبار) في ذيل كتاب خاص. بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (النساء: ١) . ما قولكم في معنى النفس الواحدة هل هي نفس آدم؟ وهل حواء من تلك النفس؟ وهل هي من تلك الطينة التي هي نفس آدم؟ أو هي من ضلعه الأيسر على ما يزعمون؟ أفيدوا بالجواب الشافي ولكم مني جزيل الشكر والسلام. ... ... ... محمد عبد الله قرنح (ج) يطلق لفظ النفس في اللغة على روح الإنسان، وعلى ذاته وعلى الدم، قال في المصباح المنير: والنفس أنثى إن أُريد بها الروح، قال تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: ١) وإن أُريد الشخص فمذكر اهـ. ولا تطلق النفس على الطينة مطلقًا، فالفيومي صاحب المصباح فسَّر النفس في الآية بالروح بدليل وصفها بواحدة، ويظهر أنه يريد بها جنس النفس كأنه يقول: إنه خلقكم من جنس واحد وحقيقة واحدة، فأصلكم واحد فلا ينبغي لكم أن يتكبر بعضكم على بعض ويفتخر عليه بنسبه، وأما قوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (الأعراف: ١٨٩) فهو كقوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً} (الشورى: ١١) أي جعل لكل جنس من الأحياء زوجين لأجل التناسل كما قال: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} (الذاريات: ٤٩) والذي عليه جمهور المفسرين أن المراد بالنفس الواحدة هنا آدم عليه السلام، وهو تفسير مراد مبني على الاعتقاد أن أبا البشر هو آدم عليه السلام لا تفسير بمدلول اللغة، ولا بنص مأثور عن الشارع، وما صح في الحديث من كون آدم أبا البشر لم يرد تفسيرًا للآية، وتفسير النفس بآدم في هذه الآية لا يظهر في آية الأعراف {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ} (الأعراف: ١٨٩) الآية، فإن النص يقتضي أن النفس الأولى هي الأنثى، وأن زوجها الذي خُلق منها هو الذكر بدليل تغشيه إياها وحملها بالولد، دع ما فيها من الحكم بالشرك عليهما وعلى ولدهما، وتجد في هذا الموضوع بحثًا طويلاً في تفسير الآية، وهي أول سورة النساء في الجزء الرابع من تفسيرنا. وأما قوله تعالى {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (النساء: ١) فهو على القول بأن النفس الواحدة آدم، لا يدل على أنها خُلقت من ضلعه، ولا من طينته، بل معناه على كل حال أن هذا الزوج من جنس هذه النفس كما قال في سورة الروم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (الروم: ٢١) فليس معناه أن زوج كل واحد من البشر بضعة من جسمه، بل المعنى أنها من جنسه الذي هو علة سكون كل من الزوجين إلى الآخر الذي هو مقدمة الاختلاط الذي يكون سبب النسل بمقتضى سنة الله تعالى في خلقه كما بيَّناه في التفسير، وفيه أن جمهور المفسرين الذين قالوا: إن المراد بالنفس آدم عليه السلام، يقولون: إن المراد (بزوجها) حواء، وأنها خُلقت من ضلعه الأيسر وهو نائم، وأن هذا قول مأخوذ من الفصل الثاني من أسفار التوراة الذي لا يعرف أحد كاتبه على سبيل القطع، وما ورد في حديث الوصية بالنساء من الصحيح من خلقهن من ضلع، فالتحقيق أنه من قبيل قوله تعالى {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (الأنبياء: ٣٧) كما بيَّناه في المنار من قبل، وفي لفظ للحديث من البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنما المرأة كالضلع) ... إلخ بالتشبيه، ونحن نقول بأن آدم عليه السلام أبو البشر، وأن حواء عليها السلام أم البشر كما هو المشهور عندنا وعند أهل الكتاب، وإنما نقول: إن الآية ليست نصًّا في هذا المعنى، ولا هو المعنى الظاهر المتبادر منها بحسب مفهوم اللغة، والله أعلم بمراده.