للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عدل الإسلام
مقالة لإنكليزية مسلمة ترجمت للمؤيد عن مجلة (إسلاميك ريفيو - أي المجلة
الإسلامية) التي تصدر في وكنج بإنكلترة فنشرناها مع تصحيح لبعض الألفاظ
وهي:
إذا أخلص قلب الإنسان (ضميره) في مطالعة تعاليم الدين الإسلامي وجدها
أشد الأديان عدلاً وصدقًا، وقد قضت تعاليم هذا الدين بأن العبد يخلق مجردًا من كل
خطيئة، فهو لا يرث ذنوب والديه، ولا خبث أجداده.
الإسلام يُعَلِّم أهله الاستقلال الشخصي (الاعتماد على النفس) ويجرد من
نفس الإنسان حكمًا عليها، فهو يمكنه خلاص نفسه، أو إهلاكها بأعماله، فإذا عمل
الخير، وتحرى الصواب جنى ثمار الجزاء الحق، وإذا عمل سوءًا، يُجزى به.
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر:
٣٨) وينطوي في معنى هذه الآية كل ما يقتضيه العدل؛ لأن من الظلم أن
يتحمل الإنسان أوزار غيره، ويسأل عما ارتكب سواه، وقد قررت جميع الشرائع
العادلة الجديرة بهذا الوصف أن من الظلم أن يعد أحد مجرمًا بجريمة غيره، وهذا
من أصول الشرعية المحمدية أيضًا، ولا يزال هذا المظهر مظهر السيد المسيح
الذي ينظر إليه المسيحيون باعتباره المُخَلِّص للعالم.
وإذا ولد الشخص من غير إرادة خاصة فيه، وعجز عن تعرّف مواطن
الصواب، ومقاومة الخطأ، كان في عقابه أو إثابته كل ما يتصوره الخيال من
الظلم، وكان من العبث نفخ روح العقل والضمير فيه، ولكن تعاليم الإسلام
صريحة في أن خالق العالم - وهو ربهم الحق - خلق للإنسان إرادة واختيارًا
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد: ١٠) وسيُسْأَل عن نتائج الطريق الذي فضله وسار فيه،
فإذا اهتدى صفا ضميره وصفت سعادته، وإذا شقي وسار في الطريق المعوج
كانت عاقبة أمره خُسرًا، ولكن الحكم على طفل صغير لا يفرق بين الغث والسمين
لا يمكن أن يقال إنه عدل، نعم إنه ليس من العدل ولا من الشجاعة أن يحمَّل أحد
أوزار غيره، ثم يُسْأَل عنها، ومتى؟ وُكِّلَ الإنسان بأمر نفسه تعلم وجوب الاعتماد
عليها، ومن المحتمل أن العبد إذا علم بأن غيره سيُسْأَل عما اقترفه هو أطاع هواه،
ولم يحترم نفسه، فكيف يكون فخورًا بمولده وحياته؟
والجواب على هذا أنه يوجد نوعان من الفخر: الفخر الوهمي الخاطئ،
والفخر الصحيح، والأول منهما هو فخر الغطرسة وغش النفس، وهو مقبول
الطعم يجعل صاحبه أو صاحبته ينظر إلى الناس بغير العين التي ينظر بها إلى
نفسه، ثم يحتقر الجار والفقير، وهي خطيئة فظيعة طالما حض النبي - صلى الله
عليه وسلم - على اجتنابها.
أضف إلى هذا أن الفخر الخاطئ؛ يكون مجلبة للغيرة والطمع الكاذب، ويملأ
أوداج صاحبه بالفخفخة الخارجة عن الحد.
والفرق بين هذا الفخر، وبين الفخر الصحيح هو أن الذي يبذل مجهوده في
أداء الواجب بإرضاء الله، ومساعدة النوع البشري يثبت في قلبه حب السلام الذي
لا يعطيه الله إلا للمجتهدين من عباده، وإذا عمل العبد نهاية الخير لم يسأله الله أكثر
من ذلك، ولم يؤاخذه إذا قصر طوقه عما ليس في مقدور أمثاله من البشر، وهو
القائل على لسان نبيه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: ٧٨)
الإسلام دين حق يُعَلِّم الناس العدل، وأُسست مبادئه على العدل، فهو يحرم
الخمر والمقامرة والزنا.