كان أول عواقب دخول الدولة العثمانية في الحرب الأوربية أن أعلنت إنكلترا إزالة سيادتها الرسمية عن مصر، وجعلها تحت الحماية البريطانية، وتسميتها سلطنة، وتسمية الأمير حسين كامل باشا أرشد أسرة محمد علي باشا سلطانًا عليها. في ١٩ ديسمبر الماضي ذهب المستر ملن شيتهام متولي أعمال الوكالة البريطانية، والمستر ستورس سكرتيرها الشرقي إلى القصر الذي يقيم فيه الأمير حسين كامل باشا، وقدما إليه بلاغ الحكومة البريطانية المؤذن بجعل القطر المصري تحت حمايتها، وبجعله سلطانًا مِنْ قِبَلِهَا لمصر، وهذه ترجمته بالعربية كما نشر في الجرائد: البلاغ البريطاني يا صاحب السمو! كلفني جناب ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانية العظمى أن أخبر سموكم بالظروف التي سببت نشوب الحرب بين جلالته وبين سلطان تركية، وبما نتج عن هذه الحرب من التغيير في مركز مصر. كان في الوزارة العثمانية حزبان أحدهما معتدل لم يبرح عن باله ما كانت بريطانيا العظمى تبذله من العطف والمساعدة لكل مجهود نحو الإصلاح في تركيا، ومقتنع بأن الحرب التي دخل فيها جلالته لا تمس مصالح تركيا في شيء، ومرتاح لما صرح به جلالته وحلفاؤه من أن هذه الحرب لن تكون وسيلة للإضرار بتلك المصالح لا في مصر ولا في سواها، وأما الحزب الآخر فشرذمة جنديين أفاقين لا ضمير لهم أرادوا إثارة حرب عدوانية بالاتفاق مع أعداء جلالته معللين أنفسهم أنهم بذلك يتلافون ما جروه على بلادهم من المصائب المالية والاقتصادية. أما جلالته وحلفاؤه فمع انتهاك حرمة حقوقهم قد ظلوا إلى آخر لحظة وهم يأملون أن تتغلب النصائح الرشيدة على هذا الحزب؛ لذلك امتنعوا عن مقابلة العدوان بمثله حتى أُرْغِمُوا على ذلك بسبب اجتياز عصابات مسلحة للحدود المصرية، ومهاجمة الأسطول التركي - بقيادة ضباط ألمانيين - ثغورًا روسية غير محصنة. ولدى حكومة جلالة الملك أدلة وافرة على أن سمو عباس حلمي باشا خديوي مصر السابق قد انضم انضمامًا قطعيًّا إلى أعداء جلالته منذ أول نشوب الحرب مع ألمانيا. وبذلك تكون الحقوق التي كانت لسلطان تركية، وللخديوي السابق على بلاد مصر قد سقطت عنهما وآلت إلى جلالته. ولما كان قد سبق لحكومة جلالته أنها أعلنت بلسان قائد جيوش جلالته في بلاد مصر أنها أخذت على عاتقها وحدها مسئولية الدفاع عن القطر المصري في الحرب الحاضرة، فقد أصبح من الضروري الآن وضع شكل للحكومة التي ستحكم البلاد بعد تحريرها، كما ذكر من حقوق السيادة، وجميع الحقوق الأخرى التي كانت تدعيها الحكومة العثمانية. فحكومة جلالة الملك تعتبر وديعة تحت يدها لسكان القطر المصري جميع الحقوق التي آلت إليها بالصفة المذكورة، وكذلك جميع الحقوق التي استعملتها في البلاد مدة سني الإصلاح الثلاثين الماضية، ولذا رأت حكومة جلالته أن أفضل وسيلة لقيام بريطانية العظمى بالمسئولية التي عليها نحو مصر، أن تعلن الحماية البريطانية إعلانًا صريحًا، وأن تكون حكومة البلاد تحت هذه الحماية بيد أمير من أمراء العائلة الخديوية طبقًا لنظام وراثي يُقَرر فيما بعد. بناء عليه قد كلفتني حكومة جلالة الملك أن أبلغ سموكم أنه بالنظر لسن سموكم، وخبرتكم قد رُئِي في سموكم أكثر الأمراء من سلالة محمد علي أهلية لتقلد منصب الخديوية مع لقب (سلطان مصر) ، وإنني مكلف بأن أؤكد لسموكم صراحة عند عرضي على سموكم قبول عبء هذا المنصب أن بريطانية العظمى أخذت على عاتقها وحدها كل المسئولية في دفع أي تعد على الأراضي التي تحت حكم سموكم مهما كان مصدره. وقد فوضت إليّ حكومة جلالته أن أصرح بأنه بعد إعلان الحماية البريطانية؛ يكون لجميع الرعايا المصريين أينما كانوا الحق في أن يكونوا مشمولين بحماية حكومة جلالة الملك. وبزوال السيادة العثمانية تزول أيضًا القيود التي كانت موضوعة بمقتضى الفرمانات العثمانية لعدد جيش سموكم، وللحق الذي لسموكم في الإنعام بالرُّتب والنياشين. أما فيما يختص بالعلاقات الخارجية فترى حكومة جلالته أن المسؤولية الحديثة التي أخذتها بريطانية العظمى على نفسها تستدعي أن تكون المخابرات منذ الآن بين حكومة سموكم، وبين وكلاء الدول الأجنبية بواسطة وكيل جلالته في مصر. وقد سبق لحكومة جلالته أنها صرحت مرارًا بأن المعاهدات الدولية المعروفة بالامتيازات الأجنبية المقيدة بها حكومة سموكم لم تعد ملائمة لتقدم البلاد؛ ولكن من رأي حكومة جلالته أن يُؤَجَّل النظر في تعديل هذه المعاهدات إلى ما بعد انتهاء الحرب. وفيما يختص بإدارة البلاد الداخلية عليّ أن أُذَكِّر سموكم أن حكومة جلالته طبقًا لتقاليد السياسة البريطانية قد دأبت على الجد بالاتحاد مع حكومة البلاد وبواسطتها في ضمان الحرية الشخصية، وترقية التعليم، ونشره، وإنماء مصادر ثروة البلاد الطبيعية، والتدرج في إشراك المحكومين في الحكم بمقدار ما تسمح به حالة الأمة من الرقي السياسي. وفي عزم حكومة جلالته المُحافَظَةُ على هذه التقاليد بل إنها موقنة بأن تحديد مركز بريطانيا العظمى في هذه البلاد تحديدًا صريحًا يؤدي إلى سرعة التقدم في سبيل الحكم الذاتي. وستُحْتَرم عقائد المصريين الدينية احترامًا تامًّا، كما تُحْتَرم الآن عقائد نفس رعايا جلالته على اختلاف مذاهبهم. ولا أرى لزومًا لأن أؤكد لسموكم أن تحرير حكومة جلالته لمصر من رِبْقَة أولئك الذين اغتصبوا السلطة السياسية في الآستانة لم يكن ناتجًا عن أي عداء للخلافة، فإن تاريخ مصر السابق يدل في الواقع على أن إخلاص المسلمين المصريين للخلافة لا علاقة له البتة بالروابط السياسة التي بين مصر والآستانة، وأن تأييد الهيئات النظامية الإسلامية في مصر والسير بها في سبيل التقدم هو بالطبع من الأمور التي تهتم بها حكومة جلالة الملك مزيد الاهتمام، وستلقى من جانب سموكم عناية خاصة، ولسموكم أن تعتمدوا في إجراء ما يلزم لذلك من الإصلاحات على كل انعطاف وتأييد من جانب الحكومة البريطانية. وعليَّ أن أزيد - على ما تقدم - أن حكومة جلالة الملك تُعَوِّل بكل اطمئنان على إخلاص المصريين، ورويتهم، واعتدالهم في تسهيل المهمة الموكولة إلى قائد جيوش جلالته المكلف بحفظ الأمن في داخل البلاد، وبمنع كل عون للعدو وإني أنتهز هذه الفرصة فأقدم لسموكم أجل تعظيماتي. ... ... ... ... ... ... تحريرًا في ١٩ ديسمبر سنة ١٩١٤ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ملن شيتهام