الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أحييك أيها المصلح المخلص النصوح الغيور منشئ مجلة المنار الغراء الأستاذ السيد محمد رشيد رضا دام عِزّه، وبوأ من الحفظ حرزه، تحية تعرب عما في الضمير من الشوق إلى سدتك العليا، وحضرتك الشما، ومقامك الأسنى، ممن قدرك حق قدرك، وأدرك فيما تؤمله من الإصلاح حقيقة أمرك، فاهتدى بمنارك إلى سواء السبيل، رغمًا عما يلاقيه أولئك المهتدون من قوم لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق إلا مَن رحم ربي من أساتذة خدموا الأمة والدين وتحملوا في الدعاية إلى ذلك ما يلاقيه المصلحون، من هَمَج رعاع مع كل ريح يميلون، ضلوا وأضلوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا! . ولكن - والمنَّة لله - لم يُثبّط ذلك عزائمهم فما وهنوا لما أصابهم من النكبات، ولا وقفوا لما اعترض سعيهم من العقبات، ممن حسبهم المحافظة على صور العبادات، والتشبث بأهداب العادات، والتمسك بما قاله الأقدمون ولو قبيحًا، وتزييف ما قاله المتأخرون ولو صحيحًا، يزعمون أن ذلك هو الدين، وتجاوُز حده اتباع لغير سبيل المؤمنين. ولولا أن منَّ الله على الأمة التونسية بزعيمها الفاضل العالم المصلح الأستاذ ... لم تبرح في أدوية الضلال تهيم حتى تخرجت من جامعنا (الزيتونة) نشأة هذّب الأستاذ أبقاه الله أخلاقها وأطلق أفكارها من قيود التقليد فأصبحت مجرورة الأَرْسان تركض في ميادين الحرية وإني لمقصر في أداء ما يجب من شكره على ما أسداه إلى أمتنا عمومًا وإلى الحقير خصوصًا من نعم تضيق المهارق عن استقصائها، ويكلّ اليَراع إذا كلف بإحصائها، وحسبي ما أثقل به عاتقي من منة التعريف بذلك الأستاذ الإمام قدس الله روحه، فلست والحمد لله من قوم زعموا أن ذلك الفاضل قد ضل ضلالاً مبينًا. بل أقول: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى} (النجم: ١-٣) ولكن مَن لم يكن بمرتبتك من العقل لم يذق مذاقك من الفضل، ولعَمْر الله إن مَن سرح بصره فيما نشرته مجلتك الغراء في ترجمة هذا الفقيد علم مصيبة رزئه على الدين وما هو بأول هدى لمنارك الذي يهدي الله لنوره من يشاء لا برح منارك يبعث من أشعته ما يهتدي به الساري فيدأب القالي أن يطفئ منها ما يغيظه من مساعيك المشكورة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. اهـ. (المنار) نشرنا هذه الرسالة لما فيها من الفائدة التاريخية في رأي المسلمين بتونس وحالهم بالنسبة إلى دعوة الإصلاح وإمامها المرحوم، وحرية الفكر ورغبة في الصلة العلمية الإصلاحية بيننا وبين ناشئ جديد في العلم يرجى خيره ونشكر لهذا النبيه الفاضل حُسن ظنّه بِنَا. ومن العجب أنه قد عهد إلينا بأن نكتم اسمه دون اسم أستاذه المصلح الذي أرشده إلى الحقيقة، وأقامه على الطريقة، ولا ندري أنسي أم هو يعلم أن أستاذه قوي العزيمة، شديد الشكيمة، لا يَرُوعه جهل الجاهلين، ولا يبالي عذل العاذلين، ولكننا رجحنا الأول احتياطًا. ونسأل الله التوفيق والنصر لهذا الحزب المصلح في تونس بمنه وكرمه.