الكاتب: محمد رشيد رضا
نجاح التعليم في الأزهر الشريف
يسرنا ما نراه عامًا بعد عام من نجاح الإصلاح الجديد الذي أدخل
في الأزهر الشريف , وهذا النجاح لم يظهر إلا في المشتغلين من طلاب العلم
بالعلوم الجديدة التي أضيفت على علوم الأزهر كالحساب والجغرافيا , فقد تبين
بالإحصاء الدقيق في امتحان المكافأة لهذه السنة أن الذين امتُحنوا في علم التفسير من
المشتغلين بالعلوم الجديدة ٤١ طالبًا نجح منهم ثلاثون , ستة منهم نالوا المكافأة,
وأربعة وعشرون نقلوا إلى درجة أعلى , أو سنة أخرى في التعليم , وسقط أحد
عشر أي نحو الربع , والذين امتحنوا في هذا العلم من غير المشتغلين بالفنون
الجديدة ٢٢ طالبًا سقط نصفهم , ونال المكافأة واحد فقط , ونقل العشرة الباقون ,
وإن الذين امتحنوا في علم الفقه والميراث من المشتغلين بالفنون الجديدة ٣٥٧ طالبًا
نجح منهم ١٩٨ أخذ المكافأة منهم ٥٩ ونقل ١٣٩ وسقط ١٥٩ والذين امتحنوا فيه
من غير المشتغلين بالفنون الجديدة ١٧٧ نجح منهم ٧١ منهم ١٥ أخذوا المكافأة
و٥٦ نقلوا وسقط ١٠٦ , والذين امتحنوا في الحديث والمصطلح من المشتغلين بالفنون
الجديدة ٢٥ نجح منهم ١١ أخذ المكافأة منهم ٥ ونقل ٦ وسقط ١٤ , ومن غير
المشتغلين بها ٢١ نجح منهم ٨ أخذ المكافأة واحد , ونقل ٧ , وسقط ١٣ , والذين
امتحنوا في النحو والصرف والوضع والاشتقاق من المشتغلين بالعلوم الجديدة ٣١٠
نجح منهم ١٦٨ أخذ المكافأة منهم ٢١ , ونقل ١٤٧ , وسقط ١٤٢ , ومن غير
المشتغلين بها ١٥٥ نجح منهم ٦٤ أخذ المكافأة منهم ٨ , ونقل ٥٦ , وسقط ٩١ ,
والذين امتحنوا في علوم البلاغة الثلاثة من المشتغلين بالعلوم الجديدة ٩٣ نجح منهم
٦٨ طالبًا أخذ المكافأة منهم ١٩ ونقل ٤٩ وسقط ٢٥ , ومن المشتغلين بها ٨٣ نجح
منهم ٥٠ أخذ المكافأة منهم ١٤ ونقل ٣٦ وسقط ٣٣ , والذين امتحنوا في علم
التوحيد من المشتغلين بالعلوم الجديدة ١٥٧ نجح منهم ٦٣ أخذ المكافأة منهم ١٥ ونقل
٤٨ وسقط ٩٤ , ومن غير المشتغلين بها ٩٨ نجح منهم ٢٢ أخذ المكافأة منهم اثنان
فقط ونقل ٢٠ وسقط ٧٦ , والذين امتحنوا في المنطق وآداب البحث من
المشتغلين بالعلوم الجديدة ١٣١ نجح منهم ٨٣ أخذ المكافأة منهم ١٩ أو نقل ٦٤
وسقط ٤٨ ومن غير المشتغلين بها ٦٢ نجح منهم ٣٤ أخذ المكافأة منهم ٣ فقط
ونقل ٣١ وسقط ٢٨.
فتبين من ذلك أن الذين يشتغلون بالعلوم الجديدة هم الناجحون في العلوم
الدينية ووسائلها من علوم اللغة والمنطق , والنسبة بينهم وبين من لم يشتغل بها
بعيدة جدًا , وإنهم لثقتهم بنجاحهم وتحصيلهم أكثر إقدامًا على الامتحان فإن الذين
امتحنوا منهم أكثر عددًا من الذين امتحنوا من غيرهم كما هو ظاهر في الإحصاء.
ولا غرو فإن علم الحساب والهندسة مما يقوي العقل والإدراك ويقوم الذهن؛ لأنه
عمل فكري محض , ومسائله وبراهينه كلها يقينية، متى برع فيها الذهن سهلت
عليه البراعة في غيرها , وعلم الجغرافيا يعطي صاحبه معرفة بالعالم الذي يعيش
فيه فيستنير عقله , وتنشط نفسه في طلب التقدم والترقي , وسيكون المشتغلون بهذه
العلوم هم المدرسين والمؤلفين والقضاة والمفتين , وإذا ضموا إليها سائر العلوم
العصرية التي عليها مدار العمران؛ فإننا نرجو أن يكون منهم أئمة يفتخر بهم العالم
الإسلامي , ويرجع إليه مجده بهديهم , فإن أكابر أئمة العلماء السالفين كانوا واقفين
أتم الوقوف على العلوم الحكمية والرياضية التي كانت في عصرهم لا سيما الإمام
الغزالي والإمام الرازي وأضرابهم مع أن تلك العلوم لم تكن في عصرهم مدار
العمران ومن أسباب القوة والعزة والثروة كما هي الآن , ومن المشاهد أن الذين
لهم معرفة ما بهذه العلوم من علماء هذا العصر هم أكثر تقدمًا ونجاحًا من غيرهم
فعسى أن يتدبر ما نقول نجباء الطلاب وما يتذكر إلا أولو الألباب.
