نعيد الاقتراح على العلماء المخلصين بأن يكتبوا إلينا بانتقاد ما يرونه مُنتَقَدًا في المنار من مسائل الدين وغيرها عملاً بما أوجب الله تعالى من التواصي بالحق والتعاون على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكننا نشترط أن تكون الكتابة مختصرة بقدر الإمكان وأن تذكر المسألة المنتقدة، ويبين المكان الذي نشرت فيه بأن يقال هي في جزء كذا من مجلد كذا وإذا ذكر عدد الصفحة يمكن أن يُستغنى عن عدد الجزء، وأن لا يحتج علينا في المسائل الدينية بأقوال بعض العلماء؛ بل بالكتاب والسنة، وكذا الإجماع والقياس فيما هما حجة فيه، وأنْ لا يكون في الكلام استطراد إلى مسائل أخرى لا تفيد في بيان المراد من الانتقاد، فمن خالف شيئًا من هذه الشروط فلنا الخيار في نشر ما يكتبه وتركه أو نشر ملخصه، ولو بالمعنى؛ لأنه لا يمكن أن نَشْغِلَ كثيرًا مِن صفحات المنار بالجدل والقيل والقال. انتقاد أحمد بدوي أفندي وليعتبر القراء ذلك بانتقاد أحمد بدوي أفندي النقاش عليه وعلى جميع المسلمين في مسألة القضاء والقدر انتقادًا مبهمًا على غير شرطنا فقد نشرنا كلامه على عِلاَّتِهِ وأجبنا عنه فانتقل إلى الانتقاد علينا وعلى سائر المسلمين في عقيدة القسمة {فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (الشورى: ٧) وفي علم الله تعالى بأعمال الناس قبل وقوعها فنشرنا كلامه على علاته أيضًا وأجبنا عنه، فأرسل إلينا ردًّا آخر يزيد على ثلاثين ورقة، أرسلها إلى إدارة المنار، وأرسلتها الإدارة إلينا في القسطنطينية فقرأنا جُملاً مِن مواضع منها فإذا هي مملوءة بالتناقض والعسلطة والأغلاط اللغوية حتى في بديهيات النحو، وقد لامنا كثير من القراء على ما نشرنا له مِن قبل، فماذا يقولون إذا نشرنا له هذه الرسالة الطويلة العريضة؟ وما وعد بإرساله بعدها لتوضيح مسائلها؟ يقول أحمد بدوي أفندي إننا ظلمناه فيما كتبناه عن إنكاره لعلم الله بجزئيات أعمال الناس كلها قبل وقوعها وجاء بفقرات من رسالته يحتج بها علينا في ذلك ثم إنه أهاننا بفقرات كثيرة وعيَّرنا بتقليد الغزالي كما عيَّرنا مِن قبل بتقليد ابن تيمية فليقل في ذلك ما شاء سامحه الله تعالى نحن نتمنى لو يكون مصيبًا ونكون مخطئين فيما فهمناه مِن كلامه، وللقراء حكمهم في ذلك. قد انطبع في ذهن أحمد بدوي أفندي مسائل في فلسفة الدين مخالفة لما فهمه المسلمون ولما جروا عليه من الصدر الأول إلى اليوم وهو يريد بثها في المنار والمناضلة عنها فيه على كونه عاجزًا عن بيانها، وعن فهم ما يرد عليها لضعفه في اللغة العربية وعلى إعجابه بها، بحيث لا يطيق قبول شيء يخالفها فنحن لا ننشر له بعد الذي نشرناه شيئا منها لأسباب: (منها) أن المنار لم ينشأ لنشر فلسفة الأفراد الشاذة التي تهوش بعض الأذهان، ولا تنفع أحدًا لما فيها من البطلان في بعض المسائل والعسلطة والخطأ في العبارة. (ومنها) عدم الرجاء في إرجاع صاحبها عن خطئه لإعجابه برأيه وكونه لا يفهم ما يوجه إليه من الكلام العربي الصحيح فهمًا تامًا، وأوضح الآيات على ذلك أنه فهم من قراءة المنار في الزمن الطويل أن منشئ المنار مقلد لبعض العلماء كالغزالي. (وهذا ما جزم به في رسالته الأخيرة التي لم ننشرها) وأنه مع ذلك يدعو الناس إلى تقليد نفسه! (ومنها) إضاعة كثير من صفحات المنار فيما نعتقد أنه يضر ولا ينفع، فلأحمد بدوي أفندي أن ينشر فلسفته في مجلة ينشئها أو كتب ورسائل ينشرها أو يبحث عن مجلة غير المنار. هذا وإننا بعد هذا كله نحترم استقلال الرجل بفهمه ونعذره من بعض الوجوه على ما نراه مخطئا به، ونقول: إنه يجوز أن تكون تخطئتنا له في بعض المسائل لضعف عبارته وكونها لا تؤدي مقصده، ولكننا نجزم بأنه على استعداده للفلسفة الدينية قد أخطأ ويخطئ كثيرًا في فهم القرآن وفي النظر والاستدلال، ولعلَّه لو أتقن اللغة العربية واطلع على كتب التفسير والحديث، وترك الإعجاب برأيه يجيء منه خير كثير والله الموفق.