للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مهذب الدين بن منير الطرابلسي


الشيعة وأهل السنة
اختلافهما

كان الشيخ مهذب الدين بن منير الطرابلسي شيعيًّا أديبًا وشاعرًا بليغًا، وكان
هاجر إلى بغداد لمدح الشريف الموسوي نقيب الطالبيين والاتصال به، فلما جاء
بغداد أرسل إلى الشريف هدية مع مملوكه، بل معشوقه (تتر) الذي سارت
الركبان بغرامه فيه، فجعل الشريف الغلام من الهدية فكاد يُجن ابن منير، وأرسل
إلى الشريف وإلى تتر هذه القصيدة:
عذَّبت طرفي بالسهر ... وأذبت قلبي بالفكر
ومزجت صفو مودتي ... من بعد بُعدك بالكدر
ومنحت جثماني الضنى ... وكحلت جفني بالسهر
وجفوت صبًّا ما له ... عن حسن وجهك مصطبر
يا قلب ويحك كم تخا ... دع بالغرور وكم تُغَر
وإلامَ تكلف بالأغنّ ... من الظباء وبالأغر
ريم يُفَوِّقُ إن رما ... ك بسهم ناظره النظر
تركتك أعين تُرْكها ... من بأسهن على خطر
ورمت فأَصْمَتْ عن قسـ ... ـيٍّ لا يُناط بها وتر
جرحتك جرحًا لا يُخَيَّـ ... ـط بالخيوط ولا الإبر
تلهو وتلعب بالعقو ... ل عيون أبناء الخزر
فكأنهن صوالج وكأنهن لها أُكر
تخفي الهوى وتسرّه ... وخفيُّ سرك قد ظهر
أفهل لوجدك من مدى ... يُفْضَى إليه فينتظر
نفسي الفداء لشادن ... أنا من هواه على خطر
رشأ تحاوله الخوا ... طر إن تثنى أو خطر
عذل العذول وما رآ ... هـ فحين عاينه عَذر
قمر يزيّن ضوء صبـ ... ـح جبينه ليل الشعر
تُدمي اللواحظ خدَّه ... فيرى لها فيه أثر
هو كالهلال ملثمًا ... والبدر حسنًا إن سفر
ويلاه ما أحلاه في ... قلبي الشقيّ وما أمر
نومي المحرم بعده ... وربيع لذاتي صفر
***
بالمشعرين وبالصفا ... والبيت أقسم والحجر
وبمن سعى فيه وطا ... ف به ولبى واعتمر
لَئِنِ الشريف الموسوي ... بن الشريف أبي مضر
أبدى الجحود ولم يرد ... إليَّ مملوكي تتر
واليت آل أمية الطـ ... ـهرالميامين الغرر
وجحدت بيعة حيدر ... وعدلت عنه إلى عمر
وإذا جرى ذكر الصحا ... بة بين قوم واشتهر
قلت المقدم شيخ تيـ ... ـم ثم صاحبه عمر
ما سل قطُّ ظِبًى على ... آل النبي ولا شهر
كلا ولا صد البتو ... ل عن التراث ولا زجر
وأثابها الحسنى وما ... شق الكتاب ولا بقر
وبكيت عثمان الشهيـ ... ـد بكاء نسوان الحضر
وشرحتُ حسن صلاته ... جنح الظلام المعتكر
وقرأت من أوراق مصـ ... ـحفه البراءة والزمر
ورثيت طلحة والزبيـ ... ـر بكل شعر مبتكر
وأزور قبرهما وأز ... جر من لحاني أو زجر
وأقول أم المؤمنيـ ... ـن عقوقها إحدى الكُبَرْ
رَكِبَتْ على جمل لتصـ ... ـبح من بنيها في زُمر
وأتت لتصلح بين جيـ ... ـش المسلمين على غَرَر
فأتى أبو حسن وسل ... حسامه وسطا وكر
وأذاق إخوته الرَّدى ... وبعير أمهم عقر
ما ضره لو كان كفَّ ... وعف عنهم إذ قَدَر
وأقول إن إمامكم ... ولّى بصفِّين وفر
وأقول إن أخطا معا ... ويةٌ فما أخطا القدر
هذا ولم يغدر معاو ... يةٌ ولا عمرو مكر
بطل بسوءته يقا ... تل لا بصارمه الذَّكر
وجنيت من رُطب النوا ... صب ما تَتَمَّر واختمر
وأقول ذنب الخارجـ ... ـين على عليٍّ مغتفر
لا ثائر لقتالهم ... في النهروان ولا أثر
والأشعريُّ بما يؤ ... ول إليه أمرهما شعر
قال انصبوا لي منبرًا ... فأنا البريء من الخطر
فعلا وقال خلعت صا ... حبكم وأوجز واختصر
وأقول إن يزيد ما ... شرب الخمور ولا فجر
ولجيشه بالكف عن ... أبناء فاطمة أمر
والشِّمرُ ما قتل الحسيـ ... ـن ولا ابن سعد ما غدر
وحلقت في عشر المحرَّ ... م ما استطال من الشعَر
ونويت صوم نهاره ... وصيام أيام أُخر
ولبست فيه أَجَلَّ ثَوْ ... بٍ للملابس يُدَّخر
وسهرت في طبخ الحبو ... ب من العشاء إلى السحر
وغدوت مكتحلاً أصا ... فح من لقيت من البشر
ووقفت في وسط الطريـ ... ـق أقص شارب من عبر
وأكلت جرجير البقو ... ل بلحم جونيّ الجفر
وجعلتها خير المآ ... كل والفواكه والخضر
وغسلت رجلي كله ... ومسحت خفي في السفر
وأمين أجهر بالصلا ... ة بها كمن قبلي جهر
وأسن تسنيم القبو ... ر لكل قبر يحتفر
وإذا جرى ذكر الغديـ ... ـرأقول ما صح الخبر
وسكنت جلّق واقتديـ ... ـت بهم وإن كانوا بقر
وأقول مثل مقالهم ... بالفاشريَّا قد فشر
مصطيحتي مكسورة ... وفطيرتي فيها قصر
بقر ترى برئيسهم ... طيش الظليم إذا نفر
وخفيفهم مستثقل ... وصواب قولهم هذر
وطباعهم كجبالهم ... خبثت وقدت من حجر
ما يدرك التشبيب تغـ ... ـريد البلابل في السحر
وأقول في يوم تحا ... ر له البصائر والبصر
والصحف ينشر طيها ... والنار ترمي بالشرر
هذا الشريف أضلني ... بعد الهداية والنظر
ما لي مضل في الورى ... إلا الشريف أبو مضر
فيقال خذ بيد الشريـ ... ـف فمستقركما سقر
لواحة تسطو فما ... تبقي عليه ولا تذر
والله يغفر للمسي ... ء إذا تنصل واعتذر
فاخش الإله بسوء فعـ ... ـلك واحتذر كل الحذر
وإليكها ... بدوية ... رقت لرقتها الحضر
شامية لو شامها ... قس الفصاحة لافتخر
وروى وأيقن أنني ... بحر وألفاظي درر
حبرتها فغدت كزهـ ... ـر الروض باكَرَه المطر
وإلى الشريف بعثتها ... لما قراها وانبهر
رد الغلام وما استمرّ ... على الجحود ولا أصرّ
وأثابني ... وجزيته ... شكرًا وقال لقد صبر
(المنار)
لا يخفى أن بعض ما قال لا خلاف فيه، وبعضه عادي محض.