المحاورة السادسة الاجتهاد والتقليد لما عاد الشيخ والشاب للمباحثة، والمثافنة للمنافثة، قال الأول: المقلد: إنني من يوم سمعت منك تلك الكلمة الغريبة، وأنا لا أنفكّ مشتغلاً بالمطالعة في باب الاجتهاد من كتب الأصول استعدادًا لهذا اليوم، وأعني بالكلمة ما لم تنسه من قولك: إن فيما قالوه عن المهدي كلمة إصلاح وهي إبطال المذاهب وجعل المسلمين على طريقة واحدة كما هو أصل الإسلام، وإنني أعتقد كما يعتقد كل من يعرف الإسلام وعلومه أنه لولا الأئمة الأربعة لضاع الدين بالمرة، وأن لهم رضي الله تعالى عنهم المنة في عنق كل مسلم إلى يوم القيامة، وأن الخروج عن مذاهبهم مروق من الدين، والعياذ بالله تعالى. المصلح: لا أنازعك في مدح الأئمة رضي الله تعالى عنهم، ولا أنكر شيئًا من فضلهم؛ ولكنني أقول كلمة تعرف بها بطلان قولك الأخير، وهي أن الإسلام قبلهم كان خيرًا من زمنهم، وكان في زمنهم الذي لم يقلدهم فيه إلا قليل من الناس خيرًا منه فيما بعده من الأزمنة التي أقامهم الناس فيها مقام الأنبياء، بل إن من أتباعهم من قدمهم عليهم عند تعارض كلامهم مع الحديث الصحيح؛ فإنهم يردون كلام النبي المعصوم مع اعتقادهم صحة سنده لقول نقل عن إمامهم، ويتعللون باحتمالات ضعيفة كقولهم: يحتمل أن يكون الحديث نسخ، ويحتمل أن عند إمامنا حديثًا آخر يعارضه، ولا شك أن هؤلاء المقلدين قد خرجوا بغلوهم في التقليد عن التقليد؛ لأنهم لو قلدوا الأئمة في آدابهم وسيرتهم وتمسكهم بما صح عندهم من السنة لما ردوا كلام المعصوم لكلام غير المعصوم الذي يجوز عليه الخطأ والجهل بالحكم، وكانوا يأمرون بأن يترك قولهم إذا خالف الحديث، بل تسلق هؤلاء الغالون بمثل ذلك إلى القرآن نفسه وهو المتواتر القطعي والإمام المبين، وتجرأ بعضهم على تقرير قاعدة البابوات في الإسلام، وهي أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ دينه من الكتاب؛ لأنه لا يفهمه، وإنما يفهمه رجال الدين، فيجب عليه أن يأخذ بكل ما قالوا وإن خالف الكتاب، ولا يجوز له أن يأخذ بالكتاب إذا خالف ما قالوا، بل لا يجوز له أن يتصدى لفهم أحكام دينه منه مطلقًا، ومثل هذا ما قال بعض فقهائنا قال: لا يجوز لأحد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام؛ لأن الله قال كذا، ولأن رسوله قال كذا، بل لأن فلانًا الفقيه قال كذا، وهذا مصداق قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم ... ) الحديث، وفي آخره قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) . المقلد: ليس كل ما فعله اليهود والنصارى باطلاً، فيكون اتباعهم فيه باطلاً، على أن الاتباع المذموم هو ما كان عن قصد، ولم يقصد المسلمين قط اتباع البابوات وغيرهم من النصارى؛ وإنما اتبعوا في ذلك الدليل الذي قام عندهم على وجوب التقليد على من يعجز عن الاجتهاد، ومن كان عاجزًا لا يجوز له أن يتحكم بفهمه الضعيف، بل عليه أن يأخذ بأقوال الثقات الذين يثق بفهمهم الدين حق فهمه. المصلح: المذموم في ذاته يذم فاعله مطلقًا، فإن افتحره افتحارًا كان الذم عليه وحده، وإن سنه واتبعه عليه غيره فعليه إثمه وإثم من عمل به، وإن كان فيه مقلدًا فهو أخسّ، وأحرى بالتعس، ولا أطيل الآن فيما أخذه المسلمون عمن سبقهم؛ فإنه يشغلنا الآن عن جوهر البحث، وإنما أقدم لك مسائل في بحث التقليد تكون مقدمات للأصل الذي أريد تقريره في الوحدة الإسلامية ونسبة المذاهب إليها فأقول: المقدمة الأولى: إن العلوم الكسبية التي توجد بوجود الحاجة إليها تنقسم مسائلها إلى قسمين: قسم يسهل فهمه من دليله أو بدليله على كل واحد من الناس، وقسم يعسر أخذه من الدليل على الأكثرين وينهض به في كل عصر أفراد مجتهدون يتفرغون له، ويستقلون ببيانه، ويتبعهم من يحتاج إلى ذلك من سائر الناس، ولم يوجد علم من العلوم الحقيقية تعلو جميع مسائله عن تناول عقول الدهماء، ويستقل بها أفراد من وقت من الأوقات ويعجز سائر البشر عنها، ومتى وُجد العلم في أمة فإنه ينمو ويكمل بالتدريج، وسنة الله تعالى في ذلك أن المتأخر يكون أرقى من المتقدم؛ لأن بداية الآخر من نهاية الأول ما لم يطرأ على الأمة من الأمراض الاجتماعية ما يوقف سير العلم فيها. وفي هذه الحالة لا يقال: إن سنة الله تبدلت أو بطلت؛ لأن سنة الله تعالى في المرضى غير سنته في الأصحاء، فإننا إذا غرسنا شجرة أو وُلد لنا ولد، ومر عليه في طور النمو زمن ولم ينم فيه؛ لا يصح لنا أن نستدل بذلك على إنكار سنة النمو في النبات والحيوان، بل علينا أن نبحث عن مرضه الذي عارض النمو ونعالجه ليعود إلى الأصل. المقلد: من أين جئت بهذه القاعدة التي لا تنطبق على علم الدين؛ فإنني لم أرها في كتاب ولا سمعتها من أحد من مشايخنا، وما أراك إلا مفتحرًا لها فإن لم يكن لك فيها نقل صحيح لا أسلم لك بها. المصلح: إنني أخذت هذه القاعدة من الوجود وهو أرشد المعلمين، وقد سلمت لي من قبل أن العلم الصحيح هو ما يشهد له الوجود، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا العلوم المعدودة المسائل، المحدودة الدلائل إذا استقصيت مسائلها، أو أُحصِيَ منها قدر تتعذر الزيادة عليه، وذلك كاللغة فإننا إذا أحصينا مفردات لغة قوم أو أحصينا بعضها وانقرضت الأمة بعد ذلك، يتعذر على المتأخر أن يزيد على المتقدم الذي أحصى، فإذا قلت: إن علم الدين من هذا القبيل. فقد منعت الاجتهاد على الأولين والآخرين إلا ما يتعلق بنقل الدين عمن جاء به وهو الشارع صلى الله عليه وسلم، ومنعت التقليد أيضًا؛ لأن الراوي لا يسمى مقلدًا لمن روى هو عنه؛ لأن التقليد هو أخذك بقول غيرك أو رأيه لذاته لا لمعرفة دليله بحيث لو رجع لرجعت. المقلد: لا أقول: إن جميع مسائل الدين مروية عن الشارع بالتفصيل، والمروي إنما هو الأصول الكلية وبعض الجزئيات، والاجتهاد يكون باستنباط سائر الجزئيات بالقياس وغيره، وبفهم النصوص والتمييز بين ما يصح الاحتجاج به وما لا يصح، وبوجوه الترجيح عند التعارض، وغير ذلك مما هو مشروح في علم الأصول. المصلح: إذن تصدق قاعدتي في علم الدين، فالمسائل التي يسهل على كل أحد فهمها بدليلها هي ما نُقل عن الشارع، لا سيما إذا كان النقل بالعمل أو بين إجماله بالعمل، وأدلة هذه المسائل هي كونها مروية عن الشارع؛ لأن جميع ما ورد عنه يجب أن يؤخذ بالتسليم من كل من اعتقد بالرسالة، ويبقى التفاضل بين العارفين بهذه المسائل والأحكام في الفقه بها بمعرفة حكمها وأسرارها، وسأبين منزلة هذه المسائل من الدين، ومنزلة ما يؤخذ من استنباط المجتهدين، بعد بيان المقدمات التي بدأت بها. المقلد: إذا تسنى لكل أحد أن يفهم ما نقل من الدين عن الشارع بالعمل ككيفية الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات، فلا يتسنى لهم أن يفهموا ما نقل بالقول إلا بواسطة المجتهد. المصلح: إن من المقدمات التي أردت سردها ما هو جواب عن قولك هذا، وليكن (المقدمة الثانية) وهي أن فهم القرآن والسنة أسهل من فهم كتب الفقهاء؛ لأن كلامهما عربي مبين، وأسلوبهما فصيح لا شائبة للعجمة فيه، فمن تعلم العربية ووقف على مفرداتها وأساليبها لا يعاني في فهمها عشر معشار ما يعانيه في فهم كتب الفقهاء لاختلاف أساليبهم وبعدها في الأكثر عن أسلوب اللغة الفصيح، ولكثرة اصطلاحاتهم وخلافاتهم، ولاضطراب الكثير منهم في الفهم، ومن ينكر أن الله تعالى أعلم بدينه من الفقهاء، وأقدر على بيان ما علمه منهم، أو ينكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمراد الله من سائر خلقه وأقدر على بيان ما علمه، وأنه قام حق القيام بأمر الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: ٦٧) . المقلد: إن المجتهدين بيَّنوا مراد الله ورسوله لمن لم يستطع فهم كلامهما، والفقهاء بيَّنوا مراد المجتهدين لمن لم يستطع فهم كلامهم. المصلح: لقد أكثرت الوسائط وغفلت عن قولي الأول، وهو أن الله ورسوله أقدر على البيان ممن عداها، وأن القول بأن بيان الرسول لم يكن كافيًا للأمة قول بأنه لم يبلِّغ رسالة ربه؛ ومن يقول بهذا؟ أما تعلم العربية فمن أسهل الأمور على كل عاقل، ألم يهد لك كيف نبغ فيها الأعاجم عندما كانت داعية الدين سائقة لهم إليها؟ وهل هي إلا لغة من أحسن اللغات أو أحسنها، وإننا نرى الأطفال يتعلمون في المدارس عدة من اللغات التي هي دون العربية في التهذيب وسلامة الذوق وسهولة النطق. المقلد: إن أذهان الناس وعقولهم في هذا الزمان أضعف مما كانت عليه في أزمنة المجتهدين ومَن بعدهم كالزمخشري والشيخ عبد القاهر الجرجاني والسكاكي وأضرابهم، والدليل على هذا أن أحدنا يمكث في الجامع الأزهر عشرين سنة، ولا يقدر أن يفهم من كلامهم حق الفهم إلا ما تلقاه عن المشايخ الذين تلقفوه عمن قبلهم. المصلح: بعيشك لا تلجئني إلى التكرار في القول، فقد قلت لك آنفًا: إن هذا مرض اجتماعي عارض يجب أن نعالجه، ومتى أصبنا علاجه الحقيقي يزول وتظهر في أبناء عصرنا سنة الله في ترقي الإنسان كما هي ظاهرة في غيرنا من الأمم الذين يرتقون في لغتهم وجميع علومهم، وإن خمس سنين كافية لأن يتعلم الطالب العربية فيخرج كاتبًا وخطيبًا يفهم جميع كلام البلغاء إذا وجد من يعرف طريقة التعليم المثلى، ولكن أهل الأزهر لا يعرفون هذه الطريقة ولا يقبلون من يعرفها من غيرهم، وإذا لم تصدِّقوا فجربوا، وأنا الذي أقوم بذلك أو أدلكم على من يقوم به. المقلد: إني لا أستطيع أن أنكر عليك ذلك، ولا أن أسلم لك به فدعنا منه، واذكر لي بقية مقدماتك، فإني أراك تخلق لي مسائل غير ما أتعبت نفسي في مطالعته عدة أشهر، وأرجو أن تجيء مناسبة في النتيجة. المصلح: (المقدمة الثالثة) : لو أن أكثر الناس يعجزون عن فهم الدين مما يبلغ الرسول من كتاب يكتب ويتلى وسنة يعمل بها، لما كلفهم الله به. (المقدمة الرابعة) : إن الله أمر الناس بأن يكونوا على بصيرة في دينهم فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: ١٠٨) (المقدمة الخامسة) : إن الله تعالى ذم التقليد، ونعى على أهله ووبخهم في آيات منها قوله تعالى بعد الاحتجاج على المشركين وبيان أنه لا حجة لهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} (الزخرف: ٢٢-٢٤) فقد احتج على المقلدين بأنه يجب عليهم النظر واتباع ما هو أهدى، ولم يعذرهم بالتقليد، فدل على أنه غير مقبول عنده، ولو كان التقليد عذرًا لأحد لكان جميع الكفار والمشركين معذورين عند الله تعالى في عدم اتباع الحق بحجة أنهم ليس لهم نظر يميزون به بينه وبين الباطل. المقلد: إن التقليد ليس عذرًا في أصول الدين وعقائده بخلاف الفروع. المصلح: إن فهم فروع الدين بأدلتها أسهل من فهم أصوله وعقائده بالبرهان؛ لأن أدلة الفروع هو نقلها بطريقة تثق بها النفس، ولكن العقائد لا بد فيها من براهين عقلية، فكيف يكلفهم بالشاق ويعذرهم بما لا مشقة فيه، نعم إن استنباط المسائل النادرة بالقياس والرأي أصعب من فهم العقيدة ببرهانها؛ ولكن هذه المسائل مما يعذر الفقهاء الجاهل بها إذا لم يرعها في عمله وسيأتي بيان ذلك، وأنت تعلم أن ما علم من الدين بالضرورة من مسائل الأعمال حكمه حكم العقائد كالصلاة بالكيفية المعروفة وعدد ركعاتها، وكالصوم والزكاة والحج، وكل هذا منقول بالعمل تواترًا لا كلفة على أحد في فهمه، وإنما موضع البحث في المسائل الشاذة والنادرة. (المقدمة السادسة) : إن الله تعالى أيد الأنبياء بالآيات الدالة على صدقهم؛ ليكون متبعهم على بصيرة وبينة في دينه، ولم يؤيد المجتهدين بمثل ذلك فمن أخذ بقولهم لا يكون على بصيرة، ومن كان كذلك فهو على غير سبيل الرسول بحكم النص. (المقدمة السابعة) : إننا نهينا عن السؤال عما لم يبين لنا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (المائدة: ١٠١) وفي صحيح مسلم: خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فقال رجل - هو الأقرع بن حابس -: أَكُلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت عليه الصلاة والسلام، حتى قالها ثلاثًا، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: (لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) وذكر ابن حبان أن الآية نزلت لذلك، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: (إن الله قد فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها) رواه الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، وأورده النووي في الأربعين وحسنه، وصححه ابن الصلاح، ورواه آخرون. كل هذا كان قبل إكمال الدين، أفلا يكون بعد إكماله آكد وأولى؟ ولكننا لم نمتثل كل هذه الأوامر والنواهي، وأنشأنا نفرض مسائل ونخترع لها أحكامًا نستدل عليها بضروب من الآراء والأقيسة الخفية أو غير الخفية، وهي تتعلق بأمور العبادات التي لا مجال للعقل فيها، فوسَّعنا الدين بذلك، وجعلناه أضعاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوقعنا المسلمين في الحرج والعسر المنفيين بنص القرآن، ولا حجة لنا في هذا إلا تقليد بعض الفقهاء الذين فرضتم علينا اتباع ما يقولون، وإن خالف صريحًا ما يقول الله ورسوله. المقلد: أعوذ بالله، أعوذ بالله، ما أراك يا هذا إلا ظاهريًّا تنكر القياس، وهو من أصول الدين وتزعم أن الأئمة زادوا في الدين ما ليس منه. المصلح: مهلاً مهلاً ! أنا لا أنكر القياس بالمرة؛ ولكنني أقول كما قالوا: إن الأمور التعبدية لا قياس فيها، وأقول: إن العبادات كلها قد تمت وكملت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كالعقائد، فليس لأحد أن يزيد في الدين شيئًا يتعلق بالعبادة، كما لا يزيد شيئًا يتعلق بالعقائد؛ لأن الاعتقادات والعبادات هي الدين الذي قال الله تعالى فيه: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: ٣) وأما القياس والرأي الذي تسميه الحنفية استحسانًا فينبغي أن يكون مخصوصًا فيما يختلف باختلاف الزمان والمكان كالمعاملات والأقضية، وأما الاعتقاد والعبادة اللذان يرضاهما الله تعالى فلا يختلفان باختلاف الزمان وهذه هي. (المقدمة الثامنة) مما أردت تقديمه على بيان رأيي في الوحدة الإسلامية مع احترام الأئمة والاعتراف بفضلهم والاهتداء بهديهم. (المقدمة التاسعة) : هي أن الأئمة أنفسهم نهوا عن التقليد، وحرموه، وسأتلو عليك أقوالهم فيه، وأما النتيجة فهي ... المقلد: أنظرني فقد كَلَّ ذهني، وسمعت ما لم يكن يخطر لي ببال، أنظرني حتى أرجع إلى تفسير الآيات التي أوردتها، وشروح الأحاديث التي سردتها، وسأعود إليك قبل عيد الأضحى لإتمام المناظرة، وإن كان الوقت قصيرًا، وكان في عزمي أن أقضي أيام العيد في الأرياف. المصلح: لك ذلك، وإنني أنتقد على الناس لا سيما الوجهاء منهم مغادرة بيوتهم في أيام العيد الذي يُستحب فيه الفرح والسرور مع الأهل والأقارب، إلا من كان أهله خارج مصر، وكان موظفًا يتربص مثل هذه الفرصة لزيارتهم. ثم انصرفا على أن يعودا عن قريب. ((يتبع بمقال تالٍ))