للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فاتحة السنة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد، وعلى كل عبد مصطفى.
وبعد، فإن المنار يدخل بهذا الجزء في العام الرابع من حياته وقد نما النمو
الطبيعي المقدَّر له من أول نشأته، وساعد حركة الإصلاح بصوته الضعيف، ولقي
صاحبه من الألاقي بعض لقي الذين تصدوا للإصلاح من قبله، وصبر كما صبروا
والله مع الصابرين.
من كان الله معه لا يضره كيد الكائدين، ولا يُحبط عمله إرجاف المرجفين،
وإن عظمت مظاهرهم وألقابهم، وعلت منازلهم وأحسابهم، بل جرت سنته تعالى
في خلقه بأن الضعيف ينتصر بالحق على القوي، والرشيد يغلب بالصدق والثبات
على الغويّ {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ} (القصص: ٥) .
ما لقيتْ دعوة الحق من المعارضة بعض ما لقيت من الانتشار، ولا صادفت
من التدسية والإخفاء مثلما صادفت من التزكية والاشتهار، وما كان إلا ما كان في
الحسبان، وليس في الإمكان أبدع مما كان، ومن حاول الخروج بالكون عن سنته،
وتكليف عالم الاجتماع ما ليس في طبيعته، كان جديرًا بالخذلان، وبذلك خاب فلان
وفلان، وخفي هذا على بعض الناس فكانوا من القانطين، وضل آخرون في فهم
قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} (الروم: ٤٧) .
الحق ثقيل ولا سيما على المبطلين، والجدُّ مملول ولا سيما من الهازلين؛
ولذلك أشار علينا بعض الناصحين من محبي الإصلاح بأن نضم إلى المقالات
الإصلاحية والعلمية شيئًا من النبذ الأدبية، وأن نضيف إلى انتقاد التقاليد والعادات
بعض الأخبار والملح والفكاهات؛ لأن هذا أدعى إلى ترويح النفس، وتوفير الأنس
ولهذا وسَّعنا المجلة فزدنا في صفحاتها، ونوَّعنا موضوعاتها؛ ولكننا لم نزد في
الثمن، كما زدنا في المثمن؛ لأن بضاعة العلم والدين لا تزال عندنا على قلتها في
كساد، وبضاعة الشهوات واللذات في رواج وازدياد، فيسهل على أكثر المتعلمين
منا أن ينفقوا البِدَر في سبيل الهوى، ويصعب عليهم أن يبذلوا النزر اليسير في
سبيل الهدى، فما بالك بغيرهم الخالي من مثل غيرتهم، والمحروم من الشعور
بحميتهم (اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) ووفقهم لمعرفة أنفسهم ومن معهم
لعلهم يرشدون، اللهم و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (الفاتحة: ٦-٧) .
... ... ... ... ... ... ... ... صاحب المنار ومحرره
... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا