للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تعدد صلاة الجماعة في وقت واحد

(س٣) من بغداد لصاحب التوقيع.
حضرة السيد الفاضل صاحب مجلة المنار دام فضله:
اتفقت أقوال العلماء على أن لا فرق بين أقوال الأئمة الأربعة المجتهدين -
رضوان الله عليهم - وأنهم تجمعهم السنة والجماعة. ولكن مع الأسف نرى في
أغلب جوامع بغداد تقام للصلاة جماعتان: حنفية وشافعية في آنٍ واحد، وكل
يصلي بصلاته بحيث لا يكاد يميز السامع بين تكبير إمام وآخر، فما القول في
ذلك؟ وأغرب منه أن يقوم مع وجود الإمامين إمام ثالث حنفي ويصلي بالناس مع
أن صف الجماعة المقتدين به متصل كمال الاتصال بصف المصلين خلف الشافعي
بحيث لا يمكن معرفة الحد الفاصل بين الجماعتين قط. وبعد تمام صلاتهما تقام
جماعة حنفية أخرى! فما القول في الإمامين الأولين على أن الشافعي راتب،
والحنفي فضولي، والحنفي الذي يصلي أخيرًا راتب؟ أرجوكم دفع هذا الالتباس
ولكم الأجر.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الإمضاء
... ... ... ... ... ... ... مسلم لا يحب تفرقة الإسلام
(ج) إن تعدد الجماعة في وقت واحد بدعة مذمومة؛ لا سبب لها فيما نعلم
إلا جعلها وسيلة للمرتبات التي يأخذها أئمة المساجد من الأوقاف أجرة على الإمامة،
وفي هذه الأجرة ما فيها. ولا التباس في المسألة فنحتاج إلى إزالته؛ لأن هؤلاء
المفرقين لا يقولون: إن إقامة جماعتين فأكثر في مسجد واحد في وقت واحد
مشروع فنرد عليهم. ولا يرجى أن يترك هؤلاء الأئمة ذلك باختيارهم إلا بأحد
أسباب ثلاثة:
(ا) علم أولئك الأئمة بالسنة والحرص على اتباعها.
(٢) رغبة المأمومين عن التعدد، كأن يقيض الله لهم من يعلمهم أن أمتنا
أمة واحدة، وديننا واحد، حرم الله علينا التفرق فيه بمثل قوله: {أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلاَ تَتَفَرَّقُوا} (الشورى: ١٣) ، وإن سلفنا الصالحين ما كانوا يقيمون جماعتين
أو جماعات في وقت واحد مع مخالفة بعضهم لبعض في بعض الفروع الاجتهادية،
كما عليه الشافعية والحنفية وغيرهم، وإن هؤلاء الخلف ما تفرقوا عن الجماعة إلا
لأجل الدنيا. فإذا علم العامة ذلك لا يلبثون أن يصلوا مع الجماعة الأولى في كل
وقت؛ ولكن هذا أبعد مما قبله؛ لأن علماءنا أهملوا تعليم العامة دينهم، وصار
أكثرهم يكتفي من خدمة الدين بتكفير من يخالف رأيه أو هواه من المسلمين، فحسبنا
الله ونعم الوكيل.
(٣) أن يصير للمسلمين رياسة دينية محترمة عند الحكومة وعند الناس،
يوكل إليها الفصل في أمثال هذه المسائل، كأن يجعل ذلك من شأن المفتي، فإن
قيل: إن الدين الإسلامي لا رياسة فيه كغيره من الأديان، قلنا: لا نعني أن يكون
له رؤساء يسيطرون على الناس في دينهم، بل رؤساء يحترمون في الأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أمر الدين المتفق عليه.