للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أسئلة أخرى من صاحب الإمضاء في بيروت

(من س ٣٠ - ٣٤)
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضل والفضيلة سيدنا ومولانا العالم العلامة الأستاذ الجليل
السيد محمد أفندي رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإني رافع لفضيلتكم ما يأتي راجيًا
التكرم بالإجابة عليها:
١- هل تحسين الثياب والهندام والتطيب بالروائح الزكية مع التواضع وحسن
الخلق ينافي الزهد والتقوى أم لا؟
٢- هل يجوز تعليم النساء دق العود والبيانو وغير ذلك من أنواع آلات
الموسيقى أم لا؟
٣- هل يجوز للرجل أن يسمع الغناء وصوت العود والبيانو وغير ذلك من
المرأة الأجنبية أم لا؟
٤- هل تقبل توبة التائب إذا تاب من الذنوب الصغيرة والكبيرة كالقتل والزنا
واللواط وشرب الخمر والديون والسرقة والخيانة والكذب والغش والظلم وغير ذلك
ولا يعذب في القبر ولا في الآخرة أم لا؟
٥- أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا لفظ التوبة، وهل تصح بكل لفظ أم لا؟
تفضلوا بالجواب ولكم الأجر والثواب.
... ... ... عبد القادر البعلبكي
... ... ... ... ... ... ... ... ... بيروت
(ج س الأول وهو ٣٠ من باب الفتوى) تحسين الثياب والهندام والتطيب
من أمور العادات المستحبة إذا لم يكن فيه محرَّم كثوب الحرير الخالص، أو مكروه
كثوب الشهرة، وهو لا ينافي الزهد؛ لأنه عمل قلبي ولا التقوى لأنه لا معنى لها
في هذا الباب إلا اتقاء الحرام.
(ج ٣١) من يعتقد أن العزف بما ذكر من المعازف محرم تقليدًا لمن
يقولون بذلك وهم جماهير فقهاء المذاهب المتبعة - يلزمه تحريم تعليمه للمرأة، ومن
لا يعتقد تحريمه لعدم صحة الدليل عليه عنده أو لترجيحه رأي من أباحه من فقهاء
الحديث والصوفية بشرطه - لا يرى بأسًا بتعليمه لامرأته أو محرمه لأجل ترويح
النفس به في بيته مثلاً، وظاهر أنه يحرم تعليمه لامرأة تريد أن تكون مطربة
للسكارى والفساق أو يظن ذلك فيها، ومثل ذلك تعليم المرأة الأجنبية المستلزم
للخلوة بها أو رؤية ما لا يحل للرجل رؤيته منها، وكل ما هو سبب للافتتان بها.
(ج ٣٢) في الجواب عن السؤال الذي قبل هذا ما يعلم منه جوابه، ومنه
أن حضور معاهد الغناء والعزف والسكر المشهورة في مثل مصر وبيروت حرام.
(ج ٣٣) التوبة واجبة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، ومتى كانت
صحيحة نصوحًا كانت مرجوة القبول، ولكن حقوق العباد لا تُغفر بالتوبة وحدها،
بل لابد معها أو لصحتها من ردها إلى أصحابها إن كانت أعيانًا أو إرضائهم في مثل
الغيبة.
فعلم من هذا أن من كان لأحد عليه مال أخذه منه بغير حق كالسرقة والخيانة
والغش والدَّين الربوي وغيره؛ فإن توبته لا تصح من هذه الذنوب إلا إذا أرجع هذا
المال إلى صاحبه أو لورثته من بعده، فإن تعذر ذلك بانقراضهم أو عدم العلم بهم
فليتصدق بذلك المال، وإلا كان غاشًّا نفسه وخادعًا لها بدعوى التوبة، ولا يمكننا
في جواب هذا السؤال أن نبين حقيقة التوبة وشروطها بالتفصيل، فعلى الصادق
فيها أن يراجع هذه الأحكام في الكتب الخاصة بذلك، ومن أهمها كتاب الزواجر
لابن حجر المكي الهيتمي وأول الجزء الرابع من الإحياء للغزالي ومدارج السالكين
لابن القيم.
(ج ٣٤) التوبة ليست أمرًا لفظيًّا فيصح السؤال الأخير: هل تصح بكل
لفظ أم لا؟ وإنما هي أعمال نفسية وبدنية من فعل وترك، والمشهور عند العلماء
في تعريفها أنها مركبة من ثلاثة أشياء (١) الندم على ما كان من اقتراف الذنب
في الماضي (٢) تركه في الحال (٣) العزم على عدم العودة إليه في المستقبل،
والغزالي يقول: إنها حقيقة مركبة من علم وحال وعمل، أما الأول: فالعلم بما ورد
من الوعيد على الذنب وكونه سببًا لسخط الله وعقابه، وأما الثاني فهو الحال
الوجدانية التي يوجبها هذا العلم أي الخوف من سخط الله وعقابه، وأما الثالث فهو
العمل الذي يوجبه هذا الحال، وهو ترك الذنب أو الذنوب إن كانت متعددة مع
العزم على عدم العودة إليه، والاجتهاد في إزالة أثره من النفس بالعمل الصالح
المضاد له ... إلخ.