(الموالد بدعة أم سنة) (س١) من صاحب الإمضاء في فليمبغ (سومطرة) من فليمبغ إلى القاهرة في ٢٥ المحرم عام ١٣٣٢هـ. جناب الأستاذ مرشد الأمة ورشيدها سيدي محمد رشيد رضا أدام المولى وجوده. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد ... أرجو من فضلكم إجابة السؤال الآتي على صفحات المنار. ما قول سيدي في قراءة القصص المسماة بالموالد هل هي سنة أم بدعة؟ ومن أول من فعل ذلك؟ وأي الموالد المتداولة بين أيدينا أحرى بالقراءة وأحسن؟ فإن كثيرين من رجال المناصب يزعمون أن مولد الديبعي هو أمثل الموالد وأفضلها وأن روح النبي صلى الله عليه وسلم تحضر عند قراءته خلافًا للموالد الأخرى. أرجو أن تتفضل بإزالة الإشكال، والجواب على هذا السؤال، ولكم الفضل أولاً وآخرًا، ودمتم، والسلام. (طالب الدعاء منكم السيد عقيل بن عبد الله بن عقيل الحبشي) . (ج) هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد النبوي أحد ملوك الشراكسة بمصر، وقد شرحنا ما في هذه الاحتفالات التي يسمونها الموالد بمصر في مجلد السنة الأولى من المنار ثم في غيره من المجلدات. ولم نطلع على قصة من قصص المولد النبوي الشريف إلا ورأينا فيها كثيرًا من الأخبار الموضوعة. حتى جمع صديقنا عالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي من كتب الصحاح والسنن أصح وأمثل ما ورد في ذلك و (شذرة من السيرة النبوية) وقد طبع في مطبعتنا وصار محبو السنة ومبغضو البدعة يستغنون به عن تلك القصص المشحونة بالموضوعات والأكاذيب التي يؤثرها الجهال؛ زعما منهم أنها أكثر تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أغناه الله تعالى بفضله العظيم عليه عن تعظيم غيره له بالكذب في سيرته. ولم نطلع على مولد الديبعي. فإن كان هو المحدث المشهور فالمرجو أن يكون ما كتبه خاليًا من الموضوعات، وإن لم يخل من الضعاف التي يتسامحون فيها في ذكر المناقب. *** قراءة البخاري لطلب النصر في الحرب (س٢) من علي أفندي مهيب (بديوان عموم التلغرافات) بمصر (تأخر) حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ رشيد رضا المحترم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد؛ فقد قرأت في الجرائد في الأيام الأولى للحرب الحاضرة بين الدولة العلية ودول البلقان أن صاحب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر كلف حضرات العلماء بقراءة البخاري أمام القبلة؛ طلبًا للنصر من الله سبحانه. فهل ورد شيء عن قراءة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الحرب طلبًا للنصر؟ ولماذا لم يقرأ كلام الله سبحانه بالأولى إذا كانت التلاوة تغني عن العمل؟ أرجو الإفادة على صفحات المنار الأغر ولحضرتكم جزيل الشكر. (ج) جاءنا هذا السؤال في أثناء الحرب الأخيرة فوضعناه بين الأسئلة الكثيرة ولم يتفق وقوعه بيدنا إلا الآن. وموضوعه يتكرر عند الحرب وغير الحرب من المصائب كالوباء والقحط. والجواب: إنه لا يعقل أن يكون قد ورد في الكتاب أو السنة أمر أو ترغيب بقراءة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لطلب النصر أو رفع المصائب، ولا أن يكون ذلك معروفًا في الصدر الأول. فإن الأحاديث لم تكن مدونة في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وإنما دونت في زمن التابعين، وأول من أمر بجمعها ونشرها عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولم يكن التابعون ولا تابعو التابعين يقرؤونها لتكون قراءتها سببًا للنصر. وإنما فعل ذلك المتأخرون، ولا أدري في أي زمن أحدثوا ذلك، وما أظن أن أحدًا من أهل العلم يقول إن هذا سنة أو مأمور به شرعًا، ولعل أقوى ما يمكن أن يقولوه في سببه: إننا نجتمع للدعاء ونقرأ قبل الدعاء طائفة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما يرجى من تأثيرها في حضور القلب، والخشوع للرب، الذي يرجى أن يكون سببًا لاستجابة الدعاء. وعلى هذا يتجه السؤال الثاني وهو: (لماذا لا يقرأ كلام الله سبحانه؟) . وما أظن أن أحدًا من أهل العلم يقول إن قراءة الحديث أو القرآن في المساجد بِنِيَّة نصر المحاربين سبب لنصر المحاربين في ميدان القتال، وقد بين الله تعالى أسباب النصر في كتابه وأمر بها، وأهمها: إعداد ما يستطاع من القوة في كل زمن والثبات، وذكر المحاربين لله تعالى في قلوبهم عند لقاء العدو، كذكر وعده بإحدى الحسنيين وثوابه للشهداء، وبألسنتهم كالتكبير فإنه يعلي الهمة ويقوي الأمل والرجاء، وقد بينا ذلك بالتفصيل غير مرة. وقد ظهر المشركون على المسلمين في أُحُد وحنين والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وأنزل الله تعالى في أحد: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} (آل عمران: ١٦٥) ؛ فراجع تفسيرها في المنار أو في الجزء الخامس من التفسير، إن شئت زيادة الإيضاح والتفصيل.