للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مدرسة خليل أغا
احتفالها السنوي

خليل أغا الحبشي يُعَدُّ في هذه البلاد من أشهر الرجال، وهو مولى أمين
بك التركي، ثم صار باش أغا والدة الخديوي إسماعيل باشا، والذي جعله من
أشهر الرجال - بل ومن أعظمهم - المدرسة التي أنشأها ووقف عليها أملاكه الواسعة
التي يمكن بريعها الكثير أن ترقى المدرسة عن الابتدائية، فتكون كلية جامعة تنبع
منها حياة العلوم كلها، والمدرسة الكلية أكبر حاجات المسلمين في هذا القطر، ولم
يبلغوا في الارتقاء مبلغًا يفي بهذه الحاجة، فقد تقاصرت عنها همم أفراد أمرائهم
ومجموع أغنيائهم. وإن الأمراء لينفقون على اللذات البهيمية، ويخسرون في
المضاربات وسائر أنواع الميسر ما يكفي لإنشاء عدة مدارس كلية، ولا يبعد أن
تكون حياة ذلك العبد من خدم نسائهم خيرًا للقطر وأهله من حياتهم أجمعين، وأما
الأغنياء فينفقون في كل عام على الأفراح والمآتم، وعلى تقليد الأمراء في الشهوات
والمآثم ما يسد بعضه مثل هذه الخلة أيضًا؛ ولكن مجموعهم يُفَضِّل الحياة
البهيمية على الحياة الإنسانية.
احتفل ديوان الأوقاف بمدرسة خليل أغا هذه الاحتفال السنوي المعتاد (في
يوم السبت ١٩ ربيع الأول الماضي) بحضور جمهور عظيم من العلماء والوجهاء
في مقدمتهم أصحاب الفضيلة قاضي مصر ومفتيها، وشيخ الجامع الأزهر، وصاحب
السعادة عبد الحليم باشا عاصم مدير الأوقاف العمومية، واُفتتح الاحتفال بترتيل أحد
التلامذة آيات من أول سورة الفتح ترتيلاً أخذ بمجامع القلوب، وتلاه طائفة من
التلامذة بإلقاء أنشودة في مدح العلم والثناء على مؤسس المدرسة رحمه الله تعالى،
والدعاء لمولانا السلطان الأعظم ومولانا الخديوي المعظم، وكان الإنشاد بالتوقيع
الموسيقي فأثر سماعه مع مشاهدة النظام العسكري في التلامذة تأثيرًا حسنًا وقام بعد
ذلك الفاضل الهمام حسن بك صبري مفتش المدرسة، فذكر ملخص تاريخ المدرسة
وما زاده فيها ديوان الأوقاف من الترقية، ومنه أنها أُسست سنة ١٢٩٠هـ واشترط
أن يكون التعليم فيها مجانًا، وأن يعطى مئة يتيم من تلامذتها كسوتين في السنة،
وعشرة قروش في كل شهر وأدوات الدراسة، ويعطى مئتان من غير الأيتام كسوة
واحدة في السنة وأدوات التعليم، وأن صافي دخلها الآن يزيد على ثلاثة آلاف جنيه،
ثم طفق التلامذة يتحاورون مثنى وثلاث ورباع وخماس في فوائد التعليم ومهمات
مسائل الدين، ابتدأ أحدهم بتلاوة آيات تشتمل على النهي عن الشرك وموبقات
المعاصي، وتأمر بالعدل والقسط في الموازين وغير ذلك من الفضائل، وتلاه آخر
بآيات تناسبها، فتأثره آخر بآيات تنطق بإجابة الدعوة والدعاء بالرحمة، ثم عاد
الأول وتكلم بلسان التلامذة الصغار فأبان أن أمرهم ليس بأيديهم، وأنهم قذف بهم إلى
المدارس التي قُطع منها حبل الشرع، فتلاه الثاني بتلاوة آيات تبشر من آمن وعمل
الصالحات بسعادة الدنيا والآخرة، وتنذر من أعرض عن هدى القرآن بضنك العيش
في الدنيا، وعدم الاهتداء لطريق النجاة في الآخرة، فتعقبه الثالث يأمر بتسكين
الروع، والأخذ بأسباب التفقه في الدين والتعاون عليه ... إلخ.
ثم نزل هؤلاء عن موقف التلامذة في الاحتفال، وتلاهم أربع فرق من
التلامذة، كل فرقة وقفت بترتيب ونظام تحت أَمرة من أمرات أربع مكتوب على
إحداها الصلاة، وعلى الأخريات الصوم والزكاة والحج، وتحاورت كل فرقة في
أسرار ركن من هذه الأركان الإسلامية بأحسن كلام، أعطى العِبْرَة وأخذ العَبْرَة إلا
أصحاب القلوب القاسية من ذكر الله (أولئك في ضلال مبين) وإذا وجدنا سعة في
بعض الأجزاء التالية؛ فإننا ننشر فيها ما قالوه ليكون نموذجًا لسائر المدارس
ومعلمي الدين، وبعد ذلك أُعيد النشيد الأول وخُتم الاحتفال بترتيل آي القرآن
العظيم، وكانت الموسيقى تعزف بأنغامها في كل فرصة بين قول وآخر، وكان
النظام كاملاً، والفضل في هذا لصاحب العزة حسن بك صبري، كما أن الفضل في
تلك المعارف الدينية للأستاذ الفاضل الشيخ حسن منصور الذي خسرته مدارس
الحكومة بقبول استقالته؛ ولكن لم تخسره مدارس الأمة ولله الحمد.
وقد انصرف المدعوون بعد أن تناولوا طعام الغداء النفيس، الذي عَدَّه لهم
ديوان المعارف عملاً بشرط الواقف رحمه الله تعالى.