للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


جمعية ندوة العلماء في الهند

وعَدْنا في الجزء السابع بأن ننشر فيما يليه خطبة وجيزة لأحد أصدقائنا من
علماء بمبي، ولم تسمح لنا الفرصة إلا في هذا العدد، قال حفظه الله بعد البسملة
والحمدلة والصلاة:
(وبعدُ فلا يخفى على أخيار الأعلام من قادة الإسلام، وسادة دين خير
الأنام عليه وعلى آله الصلاة والسلام، أن النداء الذي تنادي به ندوة العلماء - أنجح
الله مساعيها، وأصلح مراعيها - هو نفس النداء الذي يهتف به الإسلام منذ
قرون في جميع أقطار الأرض حيثما تتلى مثاني القرآن، وتُعلى شعائر الإيمان،
وأينما تولوا فثم وجه الله، وليس لندوة العلماء، أو لأية جمعية تشاركها في رابطة
الإسلام والغيرة والحمية الدينية إلا مقام مبلغ نداه، وحاكي صداه، اقرءوا الجرائد
والمجلات الإسلامية، وأصغوا إلى الأندية القومية، هل تسمعون صوتًا غير ما هو
بمنزلة القول الشارح لدعاء الإسلام وإن اختلفت العبارات، وتنوعت الاعتبارات،
فإن هي إلا تفاسير كلمة واحدة (الإصلاح الإصلاح يا أهل الصلاح والرشاد، لما
ظهر في البر والبحر من الفساد) ولم يزل الإسلام يدعو أهله بهذا الدعاء من يوم
زالت شمس دولته عن خط نصف نهارها، وأخذت هجمات الدوائر تنقص أرض
شوكته من أطرافها، وهبت دبائر الأدبار، فذهبت بمعظم الآثار، والبقية على
جرف هارٍ، فإنا لله.
كأن لم نكن فاتحي مصر قهرًا ... وأسبانيا ثم ملك الهنود
ولم تك راياتنا خافقات ... على كل بر وبحر مديد
ولم نملأ الأرض علمًا ونورًا ... بإعلاء دين الرسول الأحيد
زرعنا الثرا إذ أسلنا ... بها نفس كل كميٍّ شهيد
فواخيبتا حين حان الحصاد ... غفلنا وراح العدى بالحصيد
وما زاد ما زاد في عدّنا ... سوى نكسنا في انتقاص مزيد
ولا خير في عِدة لم يكن ... لها عُدَّة ترتمي عن حدود
وحيث اشتد صياح الإسلام، بدعائه من سنين وأعوام، فربما أيقظ النُّوَّام،
ومنع السِّنة عن أعين النبهاء الأعلام، وحنَّت به قلوب الأحياء، لإحياء الربوع
والأحياء.
فيا رجال الأعيان وأعيان الرجال جُمع شملكم، وشمل الجمعَ فضلُكم أجيبوا
داعي الله، وشمِّروا عن سوق الجد لامتثال منطوق دعاء الإسلام ومفهومه،
وانتصبوا بصميم العزائم لمقاومة طوارق الأحداث، وأقيموا الوزن بالقسط لتثقيف
الأحداث، واتركوا مشاجراتكم التي أذهبت الأصول وأفسدت الفروع، وأذهبت
ريحنا وإلى الله المشتكى، أفلم يأن لكم أن تنتبهوا فَتُنَبِّهُوا، وتستريحوا فتريحوا من
رمضاء الفتنة الشعواء، التي تلعب بالبصر فيخبط خبط عشواء، وتستظلوا تحت
شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ألا وهو (الوفاق الوفاق) فعضوا
عليه بالنواجذ، وأحيوا به السنن والعلوم، وشقوا به عصا الشقاق المشوم؛ فإنه
أس كل بدعة وفساد، ورأس كل البلايا والأنكاد، ومادة كل شنيعة موخمة الأرواح
والأجساد، هيهات هيهات، لات حين اختلافات، فإلام التقاعد عن تدارك ما فات،
وحتام التناعس عن إعداد أسباب التحرز عما هو آت، ألا فخذوا حذركم،
وأصلحوا ذات بينكم، ووثقوا عرى الإخاء، واستووا على سفينة الولاء، فقد فار
تنور الشقاء، وأمسيتم لتفرق كلمتكم على شفا، فلا حول ولا.
إخواني! ليس هذا أوان القيل والقال، وتوسيع دائرة البحث والجدال،
فاتعظوا وعِظوا، وانشروا لبث النصائح، وحث القرائح، جرائد ومجلات،
فلعمري إنها من أسنى الوسائل لإضاءة النفوس بطرائف المعلومات، وأمضى
الذرائع لإنهاض الهمم القاعدة عن الترقيات، وظني أن بها ترقى من ترقى إلى
أعلى مدارج المدنية والتعليم في ذا العصر المدهش المعقول تجدد علومه وفنونه من
أقوام كانت في زوايا الخمول، ففاقت أقرانها حتى دان لها كل دانٍ وقاصٍ، وهان
لها كل عزيز وقَّاص {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: ١٤٠)
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد: ١١) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} (التحريم: ٦) {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ
عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} (البقرة: ٤٨) فرحم الله عبدًا تبصَّر فبصر، وتذكر فذكر،
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (الحشر: ١٠) وارض اللهم عن المؤمنين، وأنزل
السكينة عليهم وأثبهم فتحًا قريبًا، إن الله قريب من المحسنين، هذا والسلام على
من اتبع الهدى، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
أجمعين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ش. ا. ج