للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أسئلة من الهند

حضرة المصلح الكبير والفليسوف الشهير صاحب مجلة المنار الأكرم.
السلام عليكم
وبعد:
فنرجوكم الإفادة المطابقة لمذاهب الأئمة الأربعة أو أحدهم عما هو آت، ثم
إبداء رأيكم الخاص في ذلك: رجل من تجار المسلمين القانطين بكلكته، تأتي له
حوالات نقدية من الجهات على البنك، وأصحاب البنك المذكور قوم من النصارى
الأروباويين، فيبقيها في البنك، ويؤخذ منها بقدر الحاجة فقط، بلا شرط بينه وبين
أصحاب البنك، فإذا مضى على النقدية أو بعضها ستة أشهر، يحسبون له زيادة عن
الأصل روبيتين في المائة في السنة، فيكون في الستة الأشهر روبية في المائة، وذلك
لأنهم - أي: أصحاب البنوك - ينتفعون ببقاء الدراهم عندهم نحو اثنتا عشرة روبية
أو أكثر في المائة سنويًّا، وللعملة في البنك عادة على الرجل المذكور في السنة
يأخذونها منه بقشيشًا، فهل - والحالة هذه - يباح للرجل المذكور ما يأخذه من
أرباب البنك باختيارهم من غير شرط معهم كما تقدم أم لا؟ أفيدونا سيدي. فإن
المسألة واقعة حال. لا زلتم ...
سؤال آخر:
حضرة المحقق من التزم القيام بوظيفتي الإفتاء، ودعوة الأمة إلى العمل
بالكتاب والسنة، فضيلة الشيخ محمد رشيد الأفضل.
قد اطلعت على قولكم خلال جوابكم على مسألة الأعطار الإفرنكية: وأكثر
أئمتنا وعلمائنا على أن الصلاة لا تصح من متنجس البدن أو الثوب أو المصلى، وقد
اختلفوا ... إلخ. ولا يخفاكم أنَّ مقابل الأكثر الكثير، وعليه فالفقير يلتمس من سيادتكم
أن تبينوا له بعضًا من القائلين بصحة الصلاة مع النجاسة غير المعفو عنها، مع
الاختلاف في القدر المعفو عنه منها كما هو مقرر، إن لم يمكنكم بيان الكل ولكم
الفضل.
سؤال آخر:
وكذا ألتمس من تحقيقاتكم أن تفيدونا عن بعض القائلين بطهارة الخمر
المفهومة من قولكم في الجواب المذكور، وإن كانت نجاستها حسية، كما هو
المعروف عن الفقهاء القائلين بذلك ... إلخ؛ لنكون على بصيرة بواسطتكم من حكم
الكتاب والسنة، إذ لم نفهم منهما إلى الآن طهارة الخمر المتخذة عن عصير العنب
وثمرات النخيل، وحينئذ نعتقد أن وجودكم سيدي بين ظهرانينا منة من الله علينا
ورحمة، وكم لله علينا من النعم. تفضلوا مولاي بالجواب، ولكم إن شاء الله الأجر
والثواب.
سؤال آخر:
ما الحكم سيدي في قوم من أهل الهند المسلمين لا يورثون البنات والزوجات؛
جريًا على عادة الهندوس الكفرة، وهي عادة قديمة للمسلمين أيضًا قبل إسلامهم،
وقد خَيَّرَهُمْ حاكم البلاد حين ترافعوا إليه في مسألة الميراث المذكورة، بين أن
يفصل بينهم بموجب الشريعة الإسلامية، وبين أن يكون الفصل بموجب عادة الكفار
مواطنيهم، فقالوا: نختار البقاء على العادة القديمة، ورضوا بعدم توريث البنات
والزوجات معًا، وبعضهم البنات فقط، وآخرون لا يورثون الأولاد ذكورًا كانوا أو
إناثًا، بل ما يتركه الميت لولد أخته الذكر دون الأنثى مع وجود ولد الصلب، وذلك
بحسب عادة بلادهم القديمة، وهم يختلفون في ذلك، فأهل بنجاب لا يورثون البنت
والزوجة، وأهل كيزرات يحرمون البنت فقط، وأهل مليبار يحرمون الأولاد مطلقًا
وما ترك لابن الأخت. فهل يكفرون بهذا الفعل أم لا؟ بينوا تؤجروا ودمتم.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أحمد موسى
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بكلكته
الجواب على مسألة أمانات البنك
من أعطى إنسانًا باختياره مالاً أو عَرَضًا لا يستحقه عليه، فأخذه كان حلالاً
بالإجماع، ما لم يكن هناك غش أو نحوه من الأمور التي تنافي أن يكون المعطي قد
أعطى برضاه واختياره، ومن هذه الأمور ما قد يكون معروفًا للآخذ، ومنها ما
يكون شبهة، ومن ذلك موضوع السؤال، فإنه لم يسأل عنه، إلا وهو عند أصحاب
الواقعة محل شبهة، هل هو من الربا أم لا؟ ولو جزموا بأحد الوجهين، لم يسألوا.
أما الربا فقد عرَّفه الحنفية الذين يقلدهم أكثر أهل الهند؛ بأنه الفضل الخالي
عن العوض المشروط في البيع، كما في حواشي فتح القدير وغيرها، فقولهم
المشروط في البيع، يخرج منه واقعة الحال المسؤول عنها؛ إذ لا شرط فيها، وفي
شرح المنهاج للشمس الرملي الشافعي أن الربا شرعًا عقد على عوض مخصوص
غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو
أحدهما؛ وقوله: (أو مع التأخير) معناه أو عقد مع تأخير، كما في حاشية
الشبراملسي عليه. ولا عقد في الواقعة المسؤول عنها.
ويشبه مسألة الحوالة مسألة الوديعة التي تقع كثيرًا، فإن بعض البنوك قد تزيد
للمودع شيئًا على ماله المودع فيها، وما قد يقع منه بلا شرط فهو يشبه الواقعة، إلا
أن يقال: إن الوديعة أشبه بالقرض أو الدين، منها بالأمانة؛ لأن أهل البنك
يتصرفون بالمال ويردون غيره، والعرف يقوم مقام العقد في ذلك، وقد صرح غير
واحد من الفقهاء بأن كل قرض جر نفعًا للمقرض فهو ربا، ورووا ذلك
حديثًا.
وأقول: إن ما جرى عليه العرف في معاملة البنوك على ما نعلم، أَنَّ ما
يوضع فيها أمانة، يجوز لصاحبه أن يسترده كله أو بعضه متى شاء، وما يؤخذ
على أنه دين ليس لصاحبه أن يسترده إلا بعد انتهاء الأجل، أو يأخذ ما يطلب من
المال بربًا أكثر من الربا الذي يأخذه هو من البنك، وإن كان ما طلبه جزءًا من
ماله.
مثال ذلك، أن من أعطى البنك ألفًا على أن له في المائة ثلاثًا في السنة، ثم
طلب قبل انقضاء السنة خمس مائة، فإن البنك يعطيه إياها على أن له ستًّا في
المائة أو أكثر أو أقل قليلاً، وكل ذلك يجري بعقود مكتوبة.
أما الودائع فيعطي البنك بها وصلاً للمودع، ومنها ما لا يزيده على ما أودع
شيئًا، فيبقى وجه الشبهة في الواقعة المسؤول عنها، وفيما يشبهها أنها من قبيل
القرض الذي جر نفعًا، وهي ضعيفة في الحوالة قوية في الوديعة.
على أن الفقهاء لا سيما الحنفية قد شددوا في مثل ذلك، ويعدون كل ما يؤخذ
بلا مقابل ربا، فمن اعتقد ذلك حرم عليه الأخذ.
وإذا رجعنا إلى الدليل، رأينا أن حديث (كل دين جر نفعًا) ... إلخ ضعيف
كما سيأتي عن نيل الأوطار، بل قال الفيروزبادي: إنه موضوع. ولكن في الباب
أحاديث أخرى، وآثار تفيد في إنارة المسألة، قال في منتقى الأخبار:
(عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سن
من الإبل فجاء يتقاضاه فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنًّا فوقها، فقال:
أعطوه، فقال: أوفيتني أوفاك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خيركم
أحسنكم قضاء) .
وعن جابر قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان لي عليه دين،
فقضاني وزادني) . متفق عليهما.
وعن أنس وسئل: (الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه، فقال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدى إليه، أو حمله على
الدابة، فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) ، رواه ابن
ماجه.
وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أقرض فلا يأخذ
هدية رواه البخاري في تاريخه.
وعن أبي بردة بن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال
لي: إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو
حمل شعير أو حمل قتّ [١] فلا تأخذه فإنه ربا. رواه البخاري في صحيحه.
أقول: أثر عبد الله بن سلام لا يحتج بمثله الجمهور، الذين يحصرون أدلة
الشرع في الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ومن الغريب قوله بفشو الربا في
المدينة، والظاهر أنه قاله بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخراج اليهود
منها، وقال الشوكاني في شرح هذه الأحاديث ما نصه: حديث أنس في إسناده يحيى
بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول، وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي، وقد
ضفعه أحمد، والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف، قوله (سن) أي:
جمل له سن معين، وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل
أجله، وفيه أيضًا دليل على حسن خلق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
وتواضعه وإنصافه، وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح أن الرجل أغلظ على النبي -
صلى الله عليه وآله وسلم - فهمَّ به أصحابه، فقال: (دعوه فإن لصاحب الحق
مقالا) كما تقدم، وفيه دليل على جواز قرض الحيوان، وقد تقدم الخلاف في ذلك،
وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد، وبه
قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز، وإن كانت بالوصف
جازت، ويرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب، فإنه صرح بأن النبي - صلى
الله عليه وآله وسلم - زاده، والظاهر أن الزيادة كانت في العدد، وقد ثبت في رواية
للبخاري أن الزيادة كانت قيراطًا، وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم
اتفاقًا، ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها
قبل القضاء؛ لأنها بمنزلة الرشوة، فلا تحل كما يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران
في الباب وأثر عبد الله بن سلام [٢] والحاصل أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت
لأجل التنفيس في أجل الدَّين أو لأجل رشوة صاحب الدَّين، أو لأجل أن يكون
لصاحب الدَّيْنِ منفعة في مقابل دينه فذلك مُحَرَّم؛ لأنه إما نوع من الربا أو رشوة،
وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس،
وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك.
وأما الزيادة على مقدار الدَّين عند القضاء بغير شرط، ولا إضمار فالظاهر
الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصيغة والمقدار، والقليل والكثير؛ لحديث أبي
هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر، بل هو مستحب. قال المحاملي وغيره من
الشافعية: يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ؛ للحديث الصحيح في ذلك،
يعني قوله: (إن خيركم أحسنكم قضاء) ، ومما يدل على عدم حل القرض الذي
يجر إلى المقرض نفعًا، ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفًا
بلفظ: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا، ورواه في السنن الكبرى عن
ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم، ورواه
الحارث بن أبي أسامة من حديث علي - عليه السلام - بلفظ أن النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - نهى عن قرض جر منفعة، وفي رواية: (كل قرض جر منفعة
فهو ربا) ، وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك، قال عمر بن زيد في المغني: لم يصح فيه شيء، ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا: إنه صح،
ولا خبرة لهما بهذا الفن. اهـ المراد منه، ومعظمه منقول من فتح الباري.
وأما الربا الذي نهى عنه الكتاب العزيز بالنص الصريح، فهو ربا النسيئة
المضاعف، وقد ذكرنا كيفيته، وبينا حكمته بالتفصيل في تفسير آياته من أواخر
سورة البقرة. وتحريمه ليس تعبديًّا، كما يقول من يرى ذلك من الفقهاء، بل هو
معلل بقوله عز وجل: {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (البقرة: ٢٧٩) وبقوله:
{وَاتَّقُوا اللَّه} (آل عمران: ١٣٠) بعد قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا
أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} (آل عمران: ١٣٠) فإن هذا من القسوة، ومنع المعروف
عند الحاجة المنافي للتقوى، والمراد بهذا الربا المعروف: ما كان عليه الناس في
الجاهلية، وهو كما قال الإمامان مالك وأحمد وغيره: أَنْ يكون للرجل على الرجل
دَيْن مؤجل من قرض أو ثمن، فيقول له عند الأجل: إما أن تقضي، وإما أن تربي
فيزيد ويربي له لحاجته كلما طلب. وليس منه في شيء ما تقدم في السؤال، وهو
أن يستعمل إنسان مال آخر مودعًا عنده برضاه، ثم يعطيه برضاه عند القضاء، أو
في آخر السنة جزءًا مما ربح برضاه واختياره، من غير شرط ولا عقد.
هذا ما عَنَّ لنا في هذا المسألة مع صرف النظرعن حكم دار الحرب، وما
أحلوه فيها من العقود الفاسدة ونحوها، وأطالت الخوض فيه الجرائد الهندية من زمن
ليس ببعيد. ولا تنس في هذا المقام، ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقود
الفاسدة في المعاملات، وإن ما اشترط في صحتها، إنما اشترط لأجل أن يكون العقد
لازمًا ونافذًا عند الحاكم، لا لأجل التقرب إلى الله تعالى، فالعقد الذي لا يجيزه
الشرع كعقد الربا، لا ينفذه الحاكم الشرعي، ولا يلزم الوفاء به، بل ولا يحل
اشتراطه وجعله حقًّا يطالب به، وهذا لا يمنع الناس منعًا دينيًّا؛ أن يتصرفوا في
أموالهم برضاهم في غير الفواحش، والمنكرات المحرمة لذاتها. وعندي أن ما زاده
النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب الدَّين على دَيْنه من هذا القبيل. وقد سبق لنا
في المنار كلام في هذا المبحث.
***
الجواب في صلاة متنجس الثوب
أو البدن أو المصلى
نقل الخلاف في ذلك الشوكاني أول الجزء الثاني من نيل الأوطار، قال:
(وهل طهارة ثوب المصلي شرط لصحة الصلاة، أم لا؟ فذهب الأكثر إلى أنها
شرط، وروي عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير، وهو مروي عن مالك
أنها ليست بواجبة، ونقل صاحب النهاية عن مالك قولين؛ أحدهما: إزالة النجاسة
سنة وليست بفرض.
وثانيهما: أنها فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان، وقديم قولي الشافعي أن
إزالة النجاسة غير شرط. ثم أورد حجج الجمهور على الشرطية، وما يرد عليهم به
الآخرون، وقال بعد ذلك كله: إذا تقرر لك ما سقناه من الأدلة وما فيها، فاعلم أنها لا
تقصر عن إفادة وجوب تطهير الثياب، فمن صلى وعلى ثوبه نجاسة، كان تاركًا
لواجب، وأما أَنَّ صلاته باطلة، كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت) .
اهـ
والكلام في النجاسة مطلقًا، ولا يأتي هنا التفصيل في المعفو عنها منها وغيره؛
لأن هذا التقسيم مبني على القول بالشرطية.
***
الجواب عن مسألة طهارة الخمر
لما أفتينا بطهارة الأعطار الإفرنجية. وهو ما أُطْلِعْتُمْ عليه في ص ٥٠٠ من
مجلد المنار الرابع، ردَّ علينا بعض المتطفلين على موائد العلم برسالة رددنا عليها
في ذلك المجلد ردًّا، لو اطلعتم عليه لما سألتم هذا السؤال، فلكم أن تراجعوه في ص
٨١٢ وما بعدها وص ٨٦٦ وما بعدها، ترون فيه النقل عن الإمام ربيعة فقيه
المدينة وشيخ الإمام مالك، وعن الإمام داود القول بطهارة الخمر معزوًّا إلى بعض
من نقله كالإمام النووي.
وأنتم تعلمون أن الأصل في الأشياء الطهارة، ما لم يرد نص عن الشارع
بالنجاسة، ولا نص في نجاسة الخمر كما بينا ذلك هنالك، فقولكم إنكم لم تفهموا من
الكتاب والسنة طهارتها في غير محله؛ لأن هذا هو الأصل، وإلا فأين النص من
الكتاب والسنة على طهارة الأشجار والأحجار والدبس والزيت وغير ذلك.
***
الجواب عن مسألة مخالفي
القرآن في الميراث
المدار في التكفير على جحود المجمع عليه، المعلوم من الدين بالضرورة،
فإذا كان من ذكرتم يجحدون أحكام الكتاب العزيز، ولا يذعنون لها مع العلم بها،
فهم لا يعدون من المسلمين، والجهل بها جملة وتفصيلا، لا يعد عذرًا لمن نشأ بين
المسلمين، ومن كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ في شاهق جبل، فلم يعرف أحكام
المسلمين الضرورية، يكون معذورًا كما قالوا حتى يعلم، فإن أذعن، وإلا لم يكن
مسلمًا وذلك مشهور.
وأما إذا كان هؤلاء يؤمنون بالقرآن ويذعنون له، إلا أن الوارثين شرعًا رضوا
باختيارهم أن يأخذ غيرهم ما يستحقونه، وكان الآخذ بغير حق لا يستحل الأخذ
إلا بناء على رضا صاحب الحق، لم يظهر وجه للقول بكفرهم كما يفعل بعض مسلمي
القطر المصري وغيرهم. من رضاء البنات بترك ميراثهم لإخوتهم، ومن استحل أكل
ميراث أخته بدون رضاها، لا يعتد أحد بإسلامه، بل يحكم جميع الفقهاء بردته إن
كان مسلمًا قبل ذلك، ومن الأمور البعيدة التي لا تكاد تعقل أن يتفق قوم من المسلمين
على ترك العمل بالنصوص القطعية المنصوصة في كتاب الله وهم مسلمون حقيقة،
فالظاهر أن من ذكرتم ليسوا مسلمين إلا بالجنسية وما سبب ذلك إلا الجهل. فعسى أن
يوجد في الهند من الدعاة والمرشدين من يهديهم إلى حقيقة الدين.