تأليف زعيم الهندوس الأكبر مهاتما غاندي ترجمة الأستاذ الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي
الباب الثالث العلاج بالتراب نشرع الآن في بيان الخواص الصحية للتراب الذي نفعه أكبر من الماء في بعض الأحوال. لا ينبغي لنا أن نتعجب من خواصه؛ لأن جسمنا نفسه مركب من عناصر أرضية، وفعلاً نحن نستعمل التراب للتطهير، فنغسل به الأرض لتزيل الروائح الخبيثة منها، ونغطي به الأشياء المتعفنة لنمنع فساد الهواء وننظف به أيدينا وكذلك نستعمله لتنظيف أواني المراحيض. إن رهبان الهندوس يلطخون به أجسامهم، ويعالج به بعض الناس القروح والبثور وتدفن الأموات فيه لئلا يفسد الجو، كل هذا يثبت جليًّا أن في التراب كثيرًا من الخواص الثمينة للتطهير والعلاج. وكما أن الدكتور كيوهن بذل جهده الخاص في موضوع العلاج المائي، كذلك الدكتور الألماني الآخر (just) قد تفرغ لدرس التراب وخواصه. وقد توسع حتى قال بأن التراب يمكن استعماله بنجاح في معالجة جميع الأمراض حتى أشدها وأعقدها. وقد حكي عنه أنه لسع ثعبان رجلاً فيئس الناس من حياته، ولكني داويته بأن واريته في التراب مدة من الزمن فزال السم من جسده وشفي تمامًا. ليس لنا أن نطعن في صدق الدكتور؛ لأننا نعلم أن حرارة شديدة تتولد في الجسم إذا دفن الإنسان في الأرض، وإنا وإن كنا لا نستطيع بيان تولد التأثير تمامًا لا يمكن أن ننكر أن في التراب خاصية جذب السم؛ أجل قد لا تنجح هذه الطريقة في كل حادثة للملسوع ولكن يجب حتمًا تجربتها في كل حادثة. وأنا أستطيع أن أقول بتجربتي الشخصية: إن استعمال الطين في مثل حوادث لدغ العقرب نافع جدًّا. قد جربت بنفسي الأشكال الآتية للعلاج الترابي ونجحت فيها؛ فالإمساك والدوسنتاريا ووجع المفاصل المتأصل قد عالجته باستعمال لبخة من الطين فوق البطن يوميًّا مدة يومين أو ثلاثة أيام؛ وقد تحقق النفع العاجل في حوادث الصداع باستعمال ضمادة طينية تشد على الرأس. وكذلك قد عولجت العيون المتهيجة بنفس هذه الطريقة فشفيت، إن الإصابات سواء كانت متورمة أو غير متورمة تعالج كذلك بها؛ وإني قد كنت في حياتي الماضية السوداء لا أستريح بدون المواظبة على استعمال ملح الفاكهة (فروت سالت) وما شاكله من المسهلات؛ ولكني منذ علمت في سنة ١٩٠٤ قيمة العلاج الترابي لم استعمل أي مسهل ولا مرة واحدة إلى الآن. إن لبخة طينية فوق البطن والرأس تنفع كثيرًا في الحمى الشديدة. وإن الأمراض الجلدية مثل الدمامل والقروح والقوباء والحرق بالنار أو الماء الحار قد عولجت بالطين أيضًا؛ إلا أن القروح المتقيحة ذات الصديد لا تشفى به بسهولة. وكذلك البواسير تعالج بنفس هذا العلاج. وإذا احمرت الأيدي والأقدام وتورمت بسبب البرد فالطين علاج نافع جدًّا لها، وكذلك وجع المفاصل يزول به، فبهذه وغيرها من التجارب في العلاج الترابي قد علمت أن التراب عنصر مفيد للعلاج البيتي للأمراض. نعم، إن جميع أنواع التراب ليست بنافعة على سواء؛ فالتراب الجاف الذي حفر من مكان نظيف يكون أنفع بكثير من غيره، لا ينبغي أن يكون التراب لزجًا جدًّا، بل أحسنه ما كان بين الرمل والأملس، ويجب أن يكون خاليًا من الروث والقذر فيصفي جيِّدًا في غربال نفيس ويعجن بماء بارد عجنًا جيدًا قبل الاستعمال ثم يربط في قماش نظيف غير مكوي ويستعمل كلبخة غليظة، ويجب رفعها قبل أن يأخذ الطين في اليبس وهو لا يتجفف في الأحوال العادية من ساعتين إلى ثلاث ساعات. إن الطين الذي استعمل مرة لا يستعمل بعد ذلك أبداً، ولكن الثوب المستعمل يصح استعماله ثانيًا بعد أن يغسل جيدًا ليتنظف من الدم، وغيره من المواد الوسخة وإذا أريد استعمال اللبخة على البطن يوضع فوقه قماش دافئ، يجب على جميع الناس أن يبقوا عندهم صفيحة من التراب المجهز للاستعمال لئلا يضطروا إلى البحث عنه هنا وهناك عند الحاجة إليه، وربما تفوت الفرصة في حوادث مثل لدغ العقرب التي يؤدي التأخير فيها إلى خطر شديد. *** الباب الرابع الحمَّى وعلاجها لننظر الآن في بعض الأمراض الخاصة، ونبحث في طرق علاجها، وأولها (الحمى) . نحن نطلق كلمة (الحمى) على حالة للحرارة في الجسم، غير أن أطباء الإفرنج قد نوعوا هذا الداء على أنواع كثيرة وخصصوا لكل منها علاجًا، ولكنا نظرًا للخطة التي سلكناها في هذا الكتاب، والأصول التي دوناها فيه؛ نقول: إن أنواع الحمى كلها يمكن معالجتها بعلاج واحد وبطريقة واحدة؛ لقد جربت هذا العلاج الساذج في جميع أنواع الحمى من أخفها إلى أشدها مثل الطاعون الغدي، وحصلت على نتائج حسنة عامة. فقد انتشر هذا الطاعون سنة ١٩٠٤م بين الهنود في أفريقيا الجنوبية، وقد كان فظيعًا للغاية، حتى إن ٢٣ إصابة حدثت قد مات بها ٢١ نفسًا خلال ٢٤ ساعة أما الاثنان اللذان بقيا فقد أرسلا إلى المستشفى ولكن لم يسلم منهما إلا واحد، وقد كان هذا الناجي هو ذلك الذي استعملت له اللبخة الطينية، نعم ليس لنا أن نستنتج من ذلك بأن هذه اللبخة هي التي شفته، ولكن مما لا شك فيه أنها لم تضره أي ضرر، وكلاهما كانا مصابين بحمى شديدة كان سببها الالتهاب الرئوي وكانا قد أغمي عليهما. وكان الرجل الذي استعملت عليه اللبخة الطينية في أخطر الأحوال فكان يبصق الدم، وعلمت بعد ذلك من الدكتور بأنه كان لا يغذى إلا بلبن قليل جدًّا. وبما أن أكثر أنواع الحمى تكون نتيجة للارتباك في الأحشاء فأول ما ينبغي عمله هو تجويع المريض، والقول بأن الضعيف يزداد ضعفًا بالتجويع وهم باطل، إذا علمنا بما تقدم أن الجزء الذي ينفع من الغذاء إنما هو ذلك الذي يتحلل في الدم. وأما الباقي فيبقى حملاً على المعدة، وبما أن القوى الهاضمة تضعف جدًا في الحمى لذلك يتوسخ اللسان وتتصلب الشفاه وتجف، فإن أعطي المريض طعامًا في هذه الحالة فلا ينهضم ويزيد الحمى، ولكن التجويع يعطي القوى الهاضمة وقتًا لإتمام أعمالها، ولذلك فإن تجويع المريض ليوم أو يومين ضرري، وكذلك يجب عليه في الوقت نفسه أن يستحم كل يوم على الأقل مرتين على طريقة كيوهن فإن كان ضعيفًا أو مريضًا إلى درجة لا يستطيع فيها الاستحمام؛ فيجب أن تستعمل على بطنه اللبخة الطينية وإن يشتكي يوجعه الرأس كثيرًا أو يحس بحرارة شديدة فتستعمل اللبخة على رأسه أيضًا، ومهما أمكن ينبغي أن ينوم المريض في الهواء الطلق ويغطى جيدًا، ويعطى وقت الطعام عصير الليمون بعد أن يصفى جيدًا ويمزج بماء بارد أو مغلي حار ولا يخلط معه السكر ما أمكن. إن هذا العصير يؤثر تأثيرًا نافعًا جدًّا ويقدم وحده للمريض إن كانت أسنانه تتحمل حموضته، ويجوز بعد ذلك أن يقدم إليه نصف موزة أو موزة كاملة بعد أن تمزج جيدًا بملعقة من زيت الزيتون وبملعقة من عصير الليمون، وإن كان المريض يحس بالعطش فيعطى ماء مغليًّا مبردًا، ولا يسمح له بشرب ماء غير مغلي يجب أن تكون ملابس المريض خفيفة وتغير كثيرًا. وقد شُفِي بهذا العلاج السهل محمومون كثيرون، حتى الذين أصيبوا بالحمى التيفودية وأمثالها من الأمراض الخطرة وهم يتمتعون إلى الآن بصحة تامة. إن الكينا كذلك تُؤثر وتنفع بادي الرأي ولكنها في النتيجة تجلب أمراضًا أخرى، حتى إن الحمى الملاريا التي تعتبر فيها الكينا نافعة جدًا قلما رأيتها تعطي شفاءً دائمًا، ولكني بالعكس رأيت حوادث مختلفة في المصابين بالملاريا قد شفوا شفاءً دائمًا بالعلاج الذي ذكر آنفًا. يقتصر كثير من الناس على اللبن وحده أثناء الحمى ولكنه وجدته بتجربتي مضرًّا في الدرجات الأولية من الحمى؛ لأنه عسر الهضم، فإن كان لا بد من اللبن فالأحسن أن يكون مخلوطًا (بقهوة القمح [١] ) أو بقليل من دقيق الرز المغلي جيدًا بالماء، ولكن لا يصح أبدًا أن يعطاه في الحمى الشديدة، بل ينفع في مثل هذه الحالة عصير الليمون نفعًا كبيرًا، فإذا زالت الحمى وتنظف اللسان يصح أن يزداد الموز في الغذاء على الطريقة المبينة آنفًا، وإن كان إمساك فحقنة من الماء الساخن والبورق (لزاق الذهب BORAX) عوضًا عن المسهل يصحبها غذاء زيت الزيتون لتنظف البطن جيدًا. *** الباب الخامس الإمساك والدوسنتاريا والمغص والبواسير يبدو لأول وهلة ذكر هذه الأمراض الأربعة المختلفة في باب واحد عجيبًا، ولكن الحقيقة أنها كلها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطًا شديدًا ويمكن معالجتها تقريبًا بطريقة واحدة. لأنها إذا انضغطت المعدة بغذاء غير مهضوم سببت مرضًا من هذه الأمراض حسب استعداد الرجل واختلاف بنيته، فيحدث عند بعضهم الإمساك فلا تتحرك المعدة مطلقًا أو تتحرك بعض التحرك، أو يحدث وجع شديد عند قضاء الحاجة حتى إنه ينتج نزيف الدم أو المادة المخاطية، أو البواسير، ويحدث لبعضهم الإسهال الذي كثيرًا ما ينتهي بالدوسنتاريا، ويحدث لبعضهم المغص المعوي الشديد مصحوبًا بالوجع في البطن والمادة المخاطية في البراز. وفي جميع هذه الحوادث يقهي المريض أي يفقد شهوة الطعام ويصفر جسمه وتضعف بنيته ويتوسخ لسانه ويتعفن نَفَسُه، وكذلك يتأذى كثير من الناس بالصداع وغيره من الأمراض، إن الإمساك عام جدًّا، حتى إن المئات من الحبوب والمسحوقات قد أوجدت لمعالجته. إن الوظيفة الأصلية مثل هذه الأدوية المسجلة مثل ملح الفاكهة (فروت سالت) و (Sirup Siegel,s Mother) لإزالة الإمساك، ولذا ترى ألوفًا من الناس يجرون وراءها في رجاء باطل لينالوا فيه الشفاء، كل طبيب يخبرك بأن الإمساك وما شاكله من الأمراض إنما هو نتيجة لسوء الهضم، فأحسن طريقة لعلاجها هي إزالة سبب سوء الهضم، وقد صرح أصدقهم قولاً بأنهم قد اضطروا إلى اختراع هذه الحبوب والمسحوقات؛ لأن المرضى لا يتركون عاداتهم القبيحة التي ألفوها، وفي الوقت نفسه يريدون الشفاء. إن أرباب الإعلانات عن هذه الأدوية يبالغون مبالغة عظيمة حتى إنهم يعدون الذين يشترونها بأنهم لا يحتاجون إلى مراعاة أي أصل من أصول الغذاء والوقاية بل يجوز لهم أن يأكلوا ويشربوا ما يحبون إذا استعملوا أدويتهم، وأظن أن قرائي لا يحتاجون إلى التذكير بأن هذا كذب محض. إن جميع أنواع المسهل حتى أكثرها اعتدالاً مضرة بالصحة؛ لأنها - وإن أزالت الإمساك ونفعت نفعًا بالجملة - تحدث أنواعًا أخرى من الأمراض، فيجب على المريض أن يغير طرق معيشته تمامًا حتى لا يضطر إلى المسهل مرة أخرى فيقع في مرض جديد. إن أول ما يجب عمله في حالة الإمساك وأمثاله من الأمراض هو تقليل الغذاء لا سيما السمن والسكر والقشدة وما شاكلها، والاحتزاز التام من الخمر والدخان والحشيش والشاي والقهوة والكاكاو والخبز المصنوع من دقيق المطاحن، وأن يحتوي الغذاء في أكثر أجزائه على ثمار رطبة مع زيت الزيتون. يجب أن يجوع المريض قبل البدء في العلاج ٣٧ ساعة، وتستعمل أثناء هذا وبعده اللبخة الطينية على البطن أثناء النوم، ويستحم المريض كما ذكرنا مرة أو مرتين يوميًا على طريقة كيوهن. يجب أن يكره المريض على المشي على الأقل ساعتين كل يوم، ولقد رأيت بنفسي أشد حوادث الإمساك والدوسنتاريا والبواسير والمغص قد شفيت تمامًا بهذا العلاج السهل، لا شك أن البواسير لا تزول كلية ولكنه يبطل أذاها حتمًا ثم أنه يجب على المصاب بالمغص أن يحتاط فلا يأكل شيئًا غير عصير الليمون في ماء حار حتى يبطل نزيف الدم أو المخاطية، وإن كان وجع المغص شديدًا جدًّا في المعدة فيمكن معالجته بتدفئة البطن بقارورة من ماء ساخن أو بآخر ساخن جدًّا، ولا احتياج إلى التنبيه بأن المريض يجب أن يعيش في هواء طلق. إن الثمار مثل البرقوق والزبيب والبرتقال والعنب نافعة جدًّا خاصة في الإمساك؛ ولكن ليس معنى ذلك أنها توكل حتى بدون الجوع. ولا يجوز تناولها أصلاً في حال المغص الذي يصحبه طعم رديء في الفم. ((يتبع بمقال تالٍ))