للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


البرهان القويم
في الحاجة إلى عد آي القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا
محمد وآله وصحبه والتابعين وجميع المرسلين (وبعد) :
فإن لنا معشر المسلمين كتابًا كريمًا أرغمت لفصاحته أنوف الفصحاء
وخرت لمعانيه سُجدًا أرباب المعاني، وذلك الكتاب هو القرآن الكريم الذي
حاولت أساطين العلم ومصابيح الهدى علماء الأمة الإسلامية في كل عصر أن
تلبَس بخدمته تاج الشرف فأمضوا في ذلك أعوامًا في آجالهم وأنضوا في
تحرير أعمالهم مرهفات أقلامهم حتى أشرفت على التمام، ثم اختفت تلك
الأشباح وعليها ذلك التاج الفاخر وبقيت تلك الكنوز الثمينة تذكِّرنا بلسان حالها
قولهم:
تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
من أهم ما قام به ذلك السلف الصالح خدمة القرآن الكريم بتفسيره وجمع
أوجه قراءاته وعد آياته وحصرها وعمل المعجمات المتنوعة للاهتداء به. ثم
تلاهم في الوجود ذلك الخَلَف فبرهن بجملته على امتزاجه بنوع من الوهن
والضعف عن انتهاج مسالك الآباء وتغذية النفوس بما تغذت به أرواحهم فقلَّت
قيمة ما ورثوه في أنظارهم ومقتوا المذاكرة في شأنه مقتًا إلا بقية لا تزيد على
عدّ الأصابع في هذا المجمع الحافل أردت أن أمد يدي مع أيديهم وأحشر نفسي
في زمرتهم بعمل خدمة للقرآن الكريم وهي (دليل للاهتداء به) فأعددت للعمل
عدتي وشمرت عن ساعد الجد فسرت بالعمل شوطًا بعيدًا قاربت معه الوصول
إلى ما ارتضيته من الغاية، ثم وقفت مفكرًا في طريق تعميم النفع بتلك الخدمة
فوجدته عَدَّ آيات السور بتلك المصاحف والتفاسير التي تتبادلها الأيدي عدًّا
خاليًا من المباينة والخلاف، ولأجل تنبيه فكرة إخواني من المسلمين وأهل العلم
لتلك النقطة أخذت أشتغل لها بنفسي مع تحقيق وتدقيق حتى وصلت بها إلى ما
شاء الله أن أصل من الثقة بالنتيجة، وعلى أثر الفراغ من ذلك دعتني عوامل
الإخلاص إلى وضع هذه الأسطر اليسيرة أبدي بها لأصحاب الرأي من رجال
الدين وأولياء الحل والعقد وأرباب الأقلام نموذجًا من عملي في تحقيق عد
الآيات، وبيان ما هو الأولى بالاختيار لتعميم العد بموجبه مؤملاً من حضراتهم
تقدير الفكرة حق قدرها، والمناقشة في الموضوع ونقده وتنقيحه بما تمس
الحاجة إليه، ثم المساعدة في تنفيذ المقترح بالإشارة إلى وجوب عد آيات
المصاحف والتفاسير بالعد الذي يقر عليه الرأي ويشار إليه بالاختيار طلبًا
لتوحيده ومنعًا من تعدد العدود؛ رغبة في إفراد طريقة الاستهداء بآيات كتاب
الله الكريم في مشارق الأرض ومغاربها، والله الهادي إلى سواء السبيل.
١- القرآن الكريم ١١٤ سورة: الأولى منها سورة الفاتحة والثانية
سورة البقرة والأخيرة سورة الناس، والسورة عبارة عن عدد محدود من الآيات
والآية عبارة عن مقدار معين من الكلمات الشريفة كان النبي عليه الصلاة
والسلام يوقف الحفظة والصحابة عليه عند التبليغ، ويسمي أول كلمة في الآية
رأس الآية وآخر كلمة فيها بالفاصلة.
٢- كانت الحفظة من الصحابة تجيد مع حفظ القرآن معرفة عدد آياته،
وعدد آيات كل سورة من سوره، وعدد كل آية من سورتها، وبذلك كان إذا قرأ
القارئ منهم بعضًا من سورة قدّر ما قرأه بما فيه من الآيات. وكان إذا أراد
أحد أن يستفيد منهم ما نزل من القرآن في قوم أو حادثة عينوا له السورة التي
ذكرت الحادثة ومقدار الآيات الخاصة بذلك، وأشاروا إلى أول تلك الآيات
بعددها الخاص بها وإلى الأخيرة منها كذلك ومما يشهد لهم بهذا أولاً ما جاء
في الكتاب السابع والستين من صحيح البخاري (كتاب المغازي) بالباب
السادس والسبعين من أبوابه (باب قدوم الأشعريين) وهو حديث عن علقمة
قال فيه: (كنا جلوسًا مع ابن مسعود فجاء خباب فقال يا أبا عبد الرحمن
أيستطيع هؤلاء الشبان أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال: أما إنك لو شئت أمرت
بعضهم فقرأ عليك قال أجل، قال اقرأ يا علقمة. قال زيد بن حدير أخو زياد
بن حدير أتأمر علقمة وليس بأقرئنا أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي في
قومك وقومه فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله كيف ترى قال قد
أحسن..) إلخ والشاهد فيه تقدير علقمة ما قرأه من السورة بما فيه من
الآيات. وثانيًا ما جاء في الكتاب الثامن والسبعين من صحيح البخاري أيضًا
(كتاب التفسير) بالباب السابع والخمسين من أبوابه باب {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً
يُنَادِي لِلإِيمَانِ..} (آل عمران: ١٩٣) .. إلخ) وهو حديث ابن عباس رضي
الله عنهما عن مبيت النبي صلى الله عليه وسلم عند خالته ميمونة، وقد كرره
الإمام مؤلف الصحيح في كثير من المواضع، وجاء في هذا الموضع زيادة
قوله: (ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن.. إلخ)
وفيه الإشارة إلى عدد الآيات الخاصة بحالة معينة مع تعيين السورة التي
اشتملت عليها وعدد أول آية فيها وكذلك الأخيرة.
ومن قَبِيلِهِ ما ينقله المفسرون في أسباب نزول أوائل آل عمران عن الربيع
بن أنس من قوله: (نزلت أوائل السورة إلى نيف وثمانين آية في وفد نجران..
إلخ) وكذلك ما ذكره صاحب لُباب النقول في أسباب النزول عن المسور بن
مخرمة من قوله (قلت لعبد الرحمن بن عوف أخبرني عن قصتكم يوم أُحُد فقال:
اقرأ بعد العشرين ومائة من سورة آل عمران تجد قصتنا يوم أحد: {وَإِذْ
غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ..} (آل عمران: ١٢١) .. إلخ) .
٣- جاء بعد ذلك الزمن الذي رأيت فيه من عناية الصحابة بالقرآن ما
أسمعناك به زمن بدت فيه ظواهر قضت على الخليفة الثالث عثمان بن عفان
رضي الله عنه بنسخ المصاحف وإرسالها إلى الأمصار الإسلامية المشهورة
اتقاء الخلاف في ذلك الكتاب الفريد، وعلى أثر ذلك قام حفاظ كل مصر من
الصحابة والتابعين تبث معارفها عن آياته بتقدير آيات كل سورة من سوره
وتعيين حدود كل آية صيانة للتوقيف الذي لقنه النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه ولما جاء عصر تدوين العلوم جمع ما قيل عن ذلك في كل مصر
وإذا به ستة أقوال دونت جملةً وتفصيلاً في مؤلفات جعل اسم موضوعها علم
فواصل الآي، وبواسطة هذا العلم تتبين أن اثنين من تلك الأقوال الستة نُقِلا عن
أهل المدينة عن الإمامين الجليلين أبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح
ويعرف أولهما بالمدني الأول، وجملة الآيات فيه ٦٢١٠ مع خلاف فيه بين
الإمامين في ستة مواضع، ويعرف الثاني بالمدني الأخير، وجملة الآيات فيه
٦٢١٤ بلا خلاف فيه بينهما رحمهما الله ورضي عنهما.
والقول الثالث من الستة منقول عن أهل مكة ويعرف بالمكي، وفيه روايتان
إحداهما عن أُبي بن كعب وجملة الآيات فيها ٦٢١٠ والثانية عن غير أُبي بلا
تعيين، وجملة الآيات فيها ٦٢١٩ والقول الرابع منقول عن أهل الشام عن أبي
الدرداء وقيل عن عثمان بن عفان ويعرف بالشامي، وجملة الآيات فيه
٦٢٢٦، وفى رواية ٦٢٢٥ والأولى أرجح والخامس منقول عن أهل
الكوفة عن علي كرم الله وجهه ويعرف بالكوفي، وجملة الآيات فيه ٦٢٣٦
والسادس منقول عن أهل البصرة عن عطاء بن يسار وعاصم الجحدري ويعرف
بالبصري، وجملة الآيات فيه ٦٢٠٤ وإليك بيانها ملخصًا:
اسم القول ... عدد ... ... ... ملحوظات
المدني الأول ٦٢١٠ وفيه خلاف بين قائليه في ستة مواضع
المدني الأخير ٦٢١٤ ولا خلاف فيه
المكي ... ٦٢١٠ قول أُبَيّ في ذلك ٦٢١٩ قول غير أبيّ ممن عد ...
... ... ... ... ... ... ... الآيات بمكة ولم يعين من هو
الشامي ... ٦٢٢٦ الرواية الراجحة
الكوفي ... ٦٢٣٦ لا خلاف فيها
البصري ... ٦٢٠٤ لا خلاف فيها
٤- مضت أجيال وأعوام، وتلك المؤلفات في زوايا الإهمال كما أهملت
أساليب السلف من الصحابة والتابعين في استهدائهم من الكتاب الكريم بالإشارة
إلى آياته بعددها كما بَيَّنا منه شطرًا فيما تقدم برقم (٢) وأخيرًا قامت من
احتياجات المفكرين داعية الرجوع إلى الاستهداء من الكتاب العزيز بما يشبه
أساليب السلف في ذلك فعدّت آيات السور أواخر القرن الثالث عشر من الهجرة
الموافق للقرن التاسع عشر من الميلاد في مصحفين أحدهما طبع في الأستانة
سنة ١٢٩٨ هجرية، ويعرف بالمصحف العثماني والثاني عده بأوربا مستشرق
ألماني اسمه (فلوجل) وطبع بألمانيا، وعمل عليه فلوجل نفسه مُؤَلَّفًا سماه
(نجوم الفرقان في أطراف القرآن) جمع فيه ألفاظ الكتاب العزيز كلمة كلمة
وأشار إلى جميع مواضع كل كلمة في جميع السور بالأرقام التي وضعها على
رؤوس الآي في المصحف المذكور، وبذلك استفاد من قرآننا الكريم مهرة
الغربيين في البحث والتنقيب عن المعارف العربية ما لم يحصل عليه أكثر
المتعلمين من أبناء اللغة العربية وأتباع ذلك الكتاب العزيز!
وبالتأمل في عد المُصْحَفين المذكورين وجدتهما يتفقان في عد ٣٤ سورة
ويختلفان في عد الباقي وبإحصاء الآيات في كل منهما تبينت أن جملة آيات
المصحف العثماني ٦٣٤٤ وجملة آيات المصحف الألماني ٦٢٣٨ ولم يطابق
أحد العددين المذكورين واحدًا من الأعداد المنقولة عن السلف ولأجل
استكشاف ما به نتج هذا الخلاف أخذت أتحقق أولاً من صحة كل قول مما نقل
عن السلف في جملة آيات القرآن، وجملة آيات كل سورة من سوره وبعد
الفراغ من ذلك راجعت ما وثقته به على كل من المصحفين فوجدت أغلاطًا
لكل منهما فأحصيتها مشيرًا بالصواب أمام كل غلطة مؤملاً نجاحي في
تصحيحها وفى توحيد عدد آيات المصاحف والتفاسير لتقريب وتوحيد وسيلة
الاستهداء من ذلك الكتاب، والله المعين، وإليك بيان النتائج التي وصلت إليها:
٥- جاء اختلاف عد السلف لجملة آيات القرآن من نقطة واحدة وهي أن
بعضهم اعتمد في عده من الفواصل ما لم يعتمده الآخر فواصل في عده، وعلى
هذا يكون من بين فواصل الكتاب الكريم ما لم يختلف فيه أحد من السلف ومنها
ما وقع فيها اختلافهم، وتسمى الفواصل التي من الصنف الأول بالفواصل المتفق
عليها والتي من الصنف الثاني بالفواصل الخلافية، وهذه الفواصل الخلافية
نوعان: نوع لم يرد عده إلا في قول واحد من الستة والثاني جاء عده في
قولين فأكثر، وأسمي فواصل النوع الأول بالفواصل الإفرادية وفواصل النوع
الثاني بالفواصل المشتركة.
٦- في القرآن الكريم من الفواصل المتفق عليها ٦١٠١ ومن الفواصل
الخلافية ٢٤٨ منها ٨١ فاصلة إفرادية وإليك جدولاً في تقسيم السور إلى
طوائف بحسب ما فيها من الفواصل الخلافية، وجملة ما في كل طائفة من
الفواصل المتفق عليها والمختلف فيها:
جملة المتفق جملة المختلف عدد السور نمرة ... جنس الطائفة من السور
عليه ... ... فيه ... ... مسلسلة للطوائف
عدد ... ... عدد ... ... عدد
١١٧٦ ... . . ... ٣٩ ... ١ سور لا خلاف في فواصلها بين العادّين
٨١٨ ... ... ٢٢ ... ٢٢ ... ٢ " الخلاف في فواصل كل منها في موضع
... ... ... ... ... ... واحد
١١٣٧ ... ٤٠ ... ٢٠ ... ٣ " " " " " " " " " " " " " موضعين
٨٤٩ ... ٣٦ ... ١٢ ٤ ... " " " " " " " " " " " " " ثلاثة مواضع
٥٧٤ ... ٢٨ ... ٧ ٥ ... " " " " " " " " " " " " " أربعة مواضع
٣٩٤ ... ٢٠ ... ٤ ٦ ... " " " " " " " " " " " " "خمسة مواضع
٤٧٥ ... ... ٣٥ ... ٥ ٧ ... " " " " " " " " " " " " " سبعة مواضع
٠٨٠ ... ٠٩ ... ١ ٨ ... " " " " " " " " " " " " " تسعة مواضع
١٠١ ... ... ١١ ... ١ ٩ ... " " " " " " " " " " " " " أحد عشر موضعًا
٢٨١ ... ... ١٢ ... ١ ١٠ ... " " " " " " " " " " " " " اثني عشر "
٩٠ ... ... ١٤ ... ١ ١١ ... " " " " " " " " " " " " " أربعة عشر "
١٢٦ ... ... ٢١ ... ١ ١٢ ... " " " " " " " " " " " " " أحد وعشرين "
--- ... --- ... ---
٦١٠١ ... ٢٤٨ ١١٤
٧- ولأجل معرفة جملة الآيات في كل قول من أقوال السلف ينبغي فرز
الفواصل الخلافية التي جاء عدها في كل قول من تلك الأقوال على حدتها
وإضافة المفروز منها إلى الفواصل المتفق عليها فتحصل جملة الآيات في ذلك
القول. وبإجراء الفرز والحصر بالفعل ينتج البيان الآتي:
وبالتأمل في هذا البيان نجد خلافًا بين ما حققناه وما جاءت به النقول عن
المدني الأول والمكي، ومنشأ ذلك وجود خلاف للمدني الأول في ستة مواضع
ورود اضطراب من مواضع محصورة من فواصله الخلافية لم نعتمد إسقاطها
وأما في المكي فلسبب ورود روايتين في جملة الآيات فيه؛ ولإهمال الراوين
نسبة الاضطراب في المواضع المضطربة إلى إحدى الروايتين (انظر إلى
قول الثالث من رقم ٣) .
٨- توصلنا إلى البيان الإجمالي المذكور في رقم ٧ بعمل تفصيلي مثله
لكل سورة من السور التي جاء خلاف في فواصلها؛ وذلك بإرشاد الكتب المؤلفة
في الفواصل وبعض التفاسير، ولنأتِ هنا بمثال لسورة يوضح ذلك وليكن
لسورة آل عمران فنقول:
جاء في الكتب المؤلفة أن سورة آل عمران مدنية وآياتها مائتان باتفاق
في الإجمال (أي في جملة الآيات) وخلافها سبعة مواضع (أي فواصلها
الخلافية سبع) وقد بينت كل ما يختص بكل موضع خلافي نحو قولها: (الم)
عده الكوفي (الإنجيل) الأولى عدها ما عدا الشامي.. إلخ) ثم سردت
الفواصل المتفق عليها. فلما فهمنا منها ذلك قمنا بإحصاء المواضع المتفق
عليها أولاً، وإذا بها في هذه السورة ١٩٧ موضعًا ثم عملنا جدولاً على
الصورة الآتية للمواضع الخلافية:
جدول (أ)
نمرة مسلسلة أسماء المواضع مدني أول مدني أخير مكي شامي كوفي بصري
... ... الخلافية
١ ... ... الم ... ... .. ... .. ... .. .. ٠١..
٢ ... ... الإنجيل الأولى ٠١ ... ٠١ ... ٠١ ٠١ ٠٠ ٠١
٣ ... ... الفرقان ... ... ٠١ ... ٠١ ... ٠١ ٠٠ ٠١ ٠٠
٤ ... ... الإنجيل الثانية ... .. ... .. ... .. ... .. ٠١..
٥ ... ... إسرائيل ... ... .. ... .. ... .. ... .. .. ٠١
٦ ... ... مما تحبون ... ٠١ ... ٠١ ... ٠١ ٠١.. ..
٧ ... ... مقام إبراهيم ... .. ... .. ... .. ... ٠١.. ..
... ... ... ... ... ٣ ... ٣ ... ٣ ... ٣ ٣ ٣
وبه تتبين أن كل قول من أقوال السلف عد من الفواصل الخلافية ثلاثة
مواضع بلغت معها جملة الآيات في كل منها مائتي آية، وعلى إثر مطابقة ما
يعطيه هذا البيان من جملة الآيات المذكورة عن جملة آيات السورة في كتب
الفواصل نضع للسورة الجدول الآتي مجملاً:
جدول (ب)
نمرة السورة ... اسم السورة ... الفواصل المتفق عليها مواضع الخلاف
في المصحف ... ...
٣ ... ... ... آل عمران ... ... ١٩٧ ... ... ... ٧ ...
ما عُدّ مواضع الخلاف في كل قول
مدني أول ... مدني أخير ... مكي شامي ... كوفي بصري
٣ ... ... ٣ ... ٣ ... ٣ ... ٣ ... ٣
وذلك لأجل أن يعرف منه جملة آيات السور في أي قول بضم المعدود
فيه من الفواصل الخلافية إلى الفواصل المتفق عليها. وبعد الفراغ من العمل
على هذا النمط للثقة بالمنقول عن السلف في كتب الفواصل أخذت في مراجعة
ما تحققت فيه المطابقة وتمت به الثقة على عدّ المصحف العثماني والمصحف
الذي عده (فلوجل) فكانت النتيجة ما سأذكره والله المعين.
٩- قد علمنا مما ذكره برقم ٦ أن جملة الفواصل المتفق عليها بين السلف
٦١٠١ وبالتأمل في المصحف العثماني وجدناه أهمل منها سبعة ووافقهم في
عد ٦٠٩٤ فاصلة ثم وجدناه عد من مواضع الخلاف البالغة ٢٤٨ (راجع رقم
٦) ١٤٥ موضعاً وانفرد بعدّ خمسة مواضع لم يقل بكونها فواصل أحد من
السلف وبمراجعة دقيقة مثل هذه المراجعة في المصحف الذي عده (فلوجل)
وجدناه أهمل من الفواصل المتفق عليها ٨٩ موضعاً ووافقهم في الباقي
ومقداره ٦٠١٢ موضعاً ورأيناه عد من الفواصل الخلافية ١٠٨ مواضع وعد
١١٨ موضعاً لم يقل بكونها فواصل أحد من السلف وبذلك بلغت جملة الآيات
في الأول ٦٢٤٤ وفى الثاني ٦٢٣٨.
وإليك بيان إجمالي لذلك في الجدول الآتي جدول (١)
المصحف المصحف
العثماني عد فلوجل
----- ----- ...
عدد ... عدد
--- ... ---
٦١٠١ ٦١٠١ ... ... الفواصل المتفق عليها بين السلف
٧ ... ٨٩ ما أهمله كل منهما من الفواصل المتفق عليها عند العد
-- ... --- ...
٦٠٩٤ ٦٠١٢ الباقي الذي عد في كل منهما من الفواصل المتفق عليها
١٤٥ ... ١٠٨ ... ما عده كل منهما من الفواصل الخلافية
٥ ... ١١٨ ما انفرد بعدّه كلاهما ولم يكن من الفواصل بل عد خطأ
-- ... --
٦٢٤٤ ... ٦٢٣٨ ... جملة آيات القرآن في كل منهما

والنتائج المذكورة إنما حصلت من عمل تفصيلي لكل سورة مما فيها
خلاف على النسق الآتي وليكن التمثيل على سورة آل عمران أيضاً.
جدول ب (٣) سورة آل عمران (أي السورة الثالثة من سور القرآن)
المصحف المصحف
العثماني عد فلوجل
----- ----- ...
عدد ... عدد
--- ... ---
١٩٧ ١٩٧ ... الفواصل المتفق عليها بين السلف في السورة
١ ... ١٢ ما أهمله كل منهما من تلك الفواصل عند العد خطأ
-- ... --- ...
١٩٦ ١٨٥ الباقي الذي عده كل منهما من الفواصل المتفق عليها
٣ ... ١ ... ما عده كل منهما من الفواصل المختلف فيها
١ ... ١٤ ... ما انفرد كل منهما بعدّه ولم يكن من الفواصل بل عده خطأ
-- --
٢٠٠ ٢٠٠ ... جملة آيات االسورة في كل منهما

تفصيل لهذا الإجمال
أما المصحف العثماني فالفاصلة التي أهملها من الفواصل المتفق عليها
هي فاصلة (ليعلم المؤمنين) ضمن الآية رقم ١٦٦ وأما ما عده من مواضع
الخلاف فثلاث ألم * الفرقان * الإنجيل * -الثانية - أواخر الآيات ١و٣و٤٨
وأما ما انفرد بعده خطأ فهو آخر آية ١٦٦ ولفظة (للإيمان) .
وأما المصحف الذي عده فلوجل فالمواضع الاثنا عشر التي أهملها من
الفواصل المتفق عليها هي: السماء. المصير. رحيم. العالمين. العليم.
الدعاء. وأطيعون. الحكيم. الكافرين. الكافرين (الثانية) . المؤمنين.
البلاد* وهي على الترتيب في الآيات الموضوع على رؤوسها الأرقام الآتية
وهي ١٨و٣٣و٦٨و٩١و٩٨و١٤٥ و١٦٠و١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٩ و ١٩٠
و١٩٣ و ١٩٤ و ١٩٨ وألفاظها على الترتيب * ومن اتبعني. المحراب.
قائماً. سبيلاً. إخوانًا. مما تحبون. للإيمان. الطيب. شر لهم. النار. فآمنا.
من بعض. الأنهار. قليلاً.
فانظر أعانني الله وإياك وراجع هذا التحري إن استطعت وسمحت لك
الفرص ونبهني على ما تتبينه موجبًا للتنبيه بداعية الإخلاص الأخوي.
١٠- رأيتني أيها القارئ الكريم أقترح في فاتحة هذه الأسطر وجوب عد
آيات القرآن في المصاحف والتفاسير عدًّا موحدًا خالياً من الخلاف والخطأ.
ووجدتني بينت لك فيما تقدم (برقم٣) أن للسلف ستة أقوال في حصر جملة
آيات الكتاب العزيز ولكنها غير متطابقة وكأني بك الآن تطالبني بما أجيب به
إذا سئلت عن تعيين ذلك العد وتحديده ولذلك أراني ملزمًا بمكاشفة القارئ
الكريم عن رأيي في ذلك وعرضه على محك النظر لاختباره والحكم عليه بما
يؤدي إليه النقد فأقول: قد جعلت أول الفكرة اختيار عدّ من عدود السلف الستة
للغرض الذي نتكلم في شأنه ولأجل فرزه من بينها استخرجت من مجموع
الصفات التي تبينت لي في تلك الأقوال الستة خمس مرجحات قلت: إذا توافرت
كلها أو أكثرها في واحد منها وقع الاختيار عليه أو صار ذلك القول أحق
بالاختيار من غيره، وتلك المرجحات الخمس هي ما يأتي:
الأول: ترجيح الأقوال المنقولة عن أهل الأماكن التي نزل الوحي بها
على غيرها لصيانة التوقيف فيها بكثرة الحفاظ والملقنين منهم في غيرها من
البقاع.
الثاني: ترجيح ما لم تضطرب الروايات في عد مواضعه على غيره؛ لأن
الاضطراب في موضع يؤدي إلى الشك فيه (والاضطراب شك يقع من
الراوي بسبب النسيان أو ضعف الذاكرة أو ما شاكل ذلك) .
الثالث: ترجيح ما قلت فيه المعدودات الإفرادية من الفواصل الخلافية
على غيره؛ لأن الموضع الذي يأتي عده في قولين فأكثر أقرب إلى الثقة بعده
مما لم يجئ عده إلا في قول واحد.
الرابع: ترجيح العد الذي يجزم في جملة آياته وتفصيلها برواية واحدة
مقطوع بها على غيره مما ليس ذلك وسببه بيّن.
الخامس: ترجيح ما انعدمت منه مواضع الخلف على غيره؛ لأن الخلف
في موضع موجب للشك فيه كالاضطراب بل أكثر، والخلف في موضع معين
من قول معين هو انقسام عادّي ذلك القول في عد ذلك الموضع إلى قسمين
أحدهما يقول بِعَدِّه والآخر لا يقول به (الخلف يقع من العادّين أنفسهم وأما
الاضطراب فإنه يقع من الرواة فتأمل) .
وبعرض هذه المرجحات الخمس على كل قول من أقوال السلف الستة
وجدت المدني الأخير قد فاز منها بحظ لم يكمل مثله لغيره كما تتبينه من
الجدول الآتي، ولذلك وقع عليه اختياري فهذا ما أجيب به، ولك أيها
القارئ الكريم الشأن فيما تتبين فيه الأولوية والأرجحية؛ لأني ما قلت إلا ما وصل
إليه مبلغ علمي والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وهاهو الجدول الذي أشرت إليك بالنظر فيه قريبًا
اسم البقعة ... عدد المواضع معدوداته جلس مواضع أعداد اسم القول
التي نقل القول المضطربة الإفرادية الرواية الخلف مسلسلة
عن أهلها
المدينة المنورة ... ١ ... ... ٣ ... ١مجزوم بها ٦ ١ المدني الأول
" ... " ... ... .. ... ... ٤ ... ١ " " ... .. ... ٢ " الأخير
مكة المكرمة ... ٤ ... ... ٥ ... ٢ لم يجزم لم تحدد ٣ المكي
... ... ... ... ... ... بواحدة منها
بلاد الشام ... ... ١ ... ... ١٨ ٢مجزوم بكلتيهما ١ ٤ الشامي
الكوفة ... ... .. ... ... ٤٣ ١ مجزوم بها.. ٥ الكوفي
البصرة ... ... .. ... ... ٠٨ ٢ مجزوم بكلتيهما ١ ٦ البصري

ولست تجد في هذا الجدول عدًّا أُجري في بقعة نزل الوحي بها مع خلوّه
من المواضع المضطربة وقلة المعدودات الإفرادية عن غيره مع التثبت في
روايته والخلو من الخلف إلا المدني الأخير كما ذكرت لك فيما تقدم.
١١- (بيان الحاجة إلى عدّ القرآن الكريم بالأرقام ومَن ألَّف في ذلك)
مَن يقف على أن آيات القرآن غير معدودة في المصاحف والتفاسير
بالأرقام، وأن طلاب العلم بمعاني ذلك الكتاب المحكم من المسلمين غير قليلين. وإن
كان عددهم بالنسبة إلى المجموع أقل من الواجب بكثير وأن أكثرهم ممن
لا يحفظون القرآن - يعرف الأسباب التي دعت أرباب الفكر إلى تأليف (دليل
الحيران في الكشف عن آيات القرآن) [١] و (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) [٢]
و (مفتاح كنوز القرآن) [٣] و (مرآة القرآن) [٤] و (تحليل القرآن) [٥] ومن
ينظر في هذه المؤلفات وفى طريقة الانتفاع بها يتضح له في كل منها تقصي
عما يجب من جهة ويتبين فوق ذلك أسبابًا خارجية تمنع من تعميم الانتفاع بها
ولبيان ذلك في كل منها أقول:
(١) دليل الحيران:
هذا المؤلف أعده مؤلفه للبحث عن مواضع الآيات في سور القرآن
متى علمت أوائلها ويشير إلى الآية بعددها من السورة التي هي منها،
ويمنع من تعميم الانتفاع به أنَّ من لم يعرف أول الآية لا يمكنه الكشف
بواسطته وأن المصاحف والتفاسير المتداولة لم تكن معدودة الآيات وما
كان منها معدودًا فأرقامه لا تتفق مع أرقامها.
(٢) نجوم الفرقان:
يشير هذا المؤلف إلى مواضع كل كلمة من كلمات القرآن في جميع آياته
بوضع أرقام إفرنكية كبيرة لترتيب السور في المصحف وأرقام إفرنكية صغيرة
لترتيب الآيات في السور، وعوائق تعميم الانتفاع به هي أن أرقامه إفرنكية
وجمهور المسلمين لا يعرفون تلك الأرقام لوجود أرقام خاصة لهم وأن أرقامه
لا تتفق إلا مع المصحف الذي عده (فلوجل) المطبوع بألمانيا، وأغلب
مصاحف المسلمين غير معدودة والمعدود منها لا تتفق أرقامه مع أرقامها، وإن
سرد مواضع الكلمة الواحدة من كلمات القرآن بالأرقام جملة واحدة لا يسمح
لطالب الكشف بالعثور على مطلوبه دفعة واحدة وهو سبب ربما يقضي بإهمال
المؤلف.
(٣) مفتاح كنوز القرآن:
وضع هذا المؤلف على شكل منتزع إما من نجوم الفرقان مع نوع من
التحسين وإما على مثال (مرآة القرآن) الآتي وصفها فيما يلي فتكفل بذكر
مواضع كل كلمة من كلمات القرآن فيه بحيث يذكر الكلمة بين ما يسبقها وما
يلحقها من الألفاظ القرآنية، وهو شكل يتم به تمييز الموضع المراد البحث عنه
غير أنه لا يحدد الموضع تمامًا ولكنه يحصره في عشر آيات فقوله مثلاً (٦٢ -
البقرة - الله لا إله إلا هو (الحي) القيوم (معناه أن كلمة (الحي) التي يسبقها
(الله لا إله إلا هو) ويلحقها (القيوم) توجد في العشرة السادسة العشرين
من آيات البقرة أي بين الآية رقم ٢٥١ والآية رقم ٢٦٠ وبما أن المصاحف
والتفاسير غير معدودة بالعشرات ولا بغيرها صار من العسر تعميم الانتفاع بهذا
المؤلف في الكشف بواسطته.
تنبيه:
إذا عدّت آيات المصاحف والتفاسير بِعَدٍّ موحد بالأرقام يكون مفتاح كنوز
القرآن المثال الصالح لأدلة الكشف. لكن تستبدل الأرقام الدالة على عدد
الآيات بنفس أرقام العشرات ويهذب وضع الألفاظ على ترتيبها الطبيعي ويزاد
فيه قسم الحروف التي من قبيل إنْ الشرطية وما ولا.. إلخ.
(٤) مرآة القرآن:
يشير هذا المؤلف إلى موضع الكلمة من السورة بعدد ترتيب أحزاب
القرآن بعد أن يحصرها بين ما يسبقها وما يلحقها من الكلمات الشريفة ويقرب
مكان الموضع من الحزب باستعماله حرف (الألف) بالإشارة إلى آخره وبما
أن تقسيم القرآن إلى أحزاب غير مألوف كلن قصور تعميم الانتفاع به للكشف
واضحًا.
(٥) تحليل الآيات القرآنية:
أعد هذا المؤلف لجمع الآيات بحسب المعاني ففيه مثلاً آيات الميراث
مجموعة تحت عنوان الميراث، والآيات التي تذكر أخبار سيدنا موسى عليه
السلام تحت عنوان موسى عليه السلام، ولكون هذا المؤلف ترجمة للآيات
بالفرنسية تعبر عن معاني القرآن بقدر الإمكان وأكثر المسلمين لا يعرفون هذه
اللغة فمنفعته إذن خاصة بمن يعرفها وأرقام آياته تتفق مع المصحف عدّ
(فلوجل) المطبوع بألمانيا وهو في وضعه لم يكن دقيقًا، وإنما يوجب الثناء على
واضعه الأجنبي عن العربية وأهلها.
تنبيه:
فما رأيناه في مؤلفات العرب من قبيل تحليل الآيات القرآنية كتاب (حجج
القرآن) وهو قاصر على سرد الأدلة القرآنية التي يستدل بها كل فريق من
الفرق الإسلامية على مذهبه، وبما أن أغلب المستنيرين من المسلمين لا
يحفظون القرآن كما قلنا في أول هذا الفصل فهم إذًا في حاجة إلى دليل يعين
على الكشف في المصاحف والتفاسير بمجرد معرفة لفظ معين من الآية
المطلوبة معرفة موضعها وإلى مصنف يضم الآيات بحسب المعاني وإلى
معجم لغوي ينقسم إلى قسمين يذكر في الأول منهما الألفاظ اللغوية بحسب
ترتيبها في السور وفي الثاني تلك الألفاظ مرتبة بحسب أوائلها وبما أننا تحققنا
في المؤلفات التي وضعت لهذه الأغراض قبل زماننا هذا تقصيرًا يمنع تعميم
الانتفاع بها بسهولة كما بيّنا فيما تقدم وتيقنا بما ذكرناه آنفًًًًًًًًًًًًًًًا أن أساس ذلك
التقصير إهمال اختيار عدّ موحد تعد به الآيات في المصحف والتفاسير التي
تتبادلها الأيدي أصبحنا من غير الشك في حاجة إلى تعميم عد الآيات في
المصاحف والتفاسير قبل عمل كل شيء.
وبما أن السلف الصالح عد آيات القرآن قبلنا ونقل عنهم في ذلك ستة
أقوال ذكرناهم برقم (٣) أصبح من الضروري اختيار واحد منها.
هذا ما أوقفني عن تهذيب دليلي لتبييضه ودعاني إلى عرض هذا الفكر
على السادة العلماء والإخوان الكرام أرباب الآراء الصائبة والأفكار الثاقبة
ليروا فيه رأيهم، وفي الختام أقدم شكري لكل من يأتي إلى هذا الموضع
بالمطالعة من القراء الكرام ويشاركني في الاهتمام بهذا الغرض الثاني فيمن
فيه نظره ويشرح فيه فكرته ويدقق في تأمله ثم يعرض بعد ذلك على الإخوان
المسلمين ما عنّ له ويشير بما يتراءى له قاصدًا في ذلك وجه الله الكريم الذي
لا يضيع أجر المحسنين.
... ... ... ... ... ... ... ... (أحمد أمين الديك)
(المنار)
إن علماء السلف قد عدُّوا آي القرآن وكلماته وحروفه وكتبوا في ذلك
المصنفات ونظموا فيه المنظومات، كما بيّنوا مواضع الوقف في أثناء الآيات،
وفي الأحاديث والآثار كثير من ذكر الآيات بعددها، وقد أشار إلى ذلك أحمد
أفندي وتقدم في التفسير من هذا الجزء شاهد منه. وفى الإتقان أن سبب
اختلاف السلف في عَدّ الآي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على
رؤوس الآي للتوقيف، فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع أنها حينئذ
ليست فاصلة والخلاف مع هذا قليل وليس بضارنا شيئًا. وأي عدد من الأعداد
اعتمدنا وضبطناه بالأرقام حصل المقصود الذي نحتاج إليه في هذا العصر
لسهولة المراجعة، ولم يكن علماء السلف يحسون لهذه الحاجة لحسن حفظهم
للقرآن واستحضارهم للآي عند إرادتها، وإني لأراجع الآية بـ (مفتاح كنوز)
القرآن في دقيقة واحدة أو فيما هو أقل من دقيقة فأستخرجها من المصحف المبين
عدد آياته بالأرقام. والسبب في عناية أحمد أفندي أمين بتحرير الخلاف في
العدد والعمل بما يظهر أنه أقرب للصواب هو استعداده الفطري للأمور
التحسينية وإن كان في أمة لم تتقن الأمور الضرورية والحاجية. ولذلك
رأيناه أول من ألّف في عصرنا في الموسيقى العربية والإفرنجية، وأول من
اجتهد في مراجعة عد الآي وضبطها وعدّ أحاديث البخاري وعمل
جدول لأبوابه ولا غرو فقد كان والده ميالاً لمثل ذلك؛ إذ كان هو الساعي
بطبع (لسان العرب) فكان خير خلف له فلا زال مُوَفَّقًا.