(س٨ و٩) من محمد أفندي حلمي الكاتب الأول لمركز المسلمية (السودان) حضرة سيدي الحسيب النسيب الفاضل الأفخم العلامة الكامل السيد محمد رشيد رضا حفظه الله. عليكم منا السلام والرحمة والبركة والإكرام وبعدُ. فأرجو من فضلكم وكرم أخلاقكم المشهورة الإجابة على السؤالين الآتيين، وأرجو إن كان سبق لسيادتكم التكلُّم عنهما في مجلدات غابرة أن تجيبوني عليهما , وأكون ممنونًا جِدًّا لو تفضلتم وتكرمتم بدرجهما في أول عدد؛ لأهمية لزومهما عند الجمهور خصوصًا في هذه الأصقاع , ولا خلاف بأن فضيلتكم أصبحتم مشهورين بالعلم والفضل في جو علوم العربية , بل صرتم لنا من أركان الإسلام , والله على ما أقول وكيل وهو حسبي ونعم الوكيل. س (١) هل زيارة الحَرَم المدني سُنّة؟ وهل كل أحد مُكَلّف بزيارته بعد الحَرَم المَكي؟ س (٢) هل ملك الموت قد استأذن سيدنا محمدًا في قبض روحه الشريفة؟ وكيف كان ذلك؟ وهل صحّ أنه لم يسبق له أن استأذن على أحد قبله كما يزعمون أو يذيعون؟ هذه هي أسئلتي يا سيدي , وقد أقنعت المجادلين لي في السؤال الأول نقلاً عن إغاثة اللهفان للإمام الحجة ابن القيم فلم يقنعوا، وأما السؤال الثاني , فلم أتكلم عنه بشيء لعدم معرفتي حقيقتَهُ , ولم أعثر في الكتاب المذكور على شيء بخصوصه , وجميع المجادلين لي أَبَوْا أنْ يقتنعوا حتى ينظروا جوابَكم بالمنار؛ لاعتقادهم فيه وهم من الأهالي والمستخدمين. ومن المستخدمين مشتركون في مجلتكم الزاهرة ولكن كَلّفوني أن أكتب أنا، وعلى أي حال فإننا ممنونون , وتَجِدُنا منتظرين بفارغ الصبر أفندم. زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أما الجواب عن الأول , فهو أن زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مندوبٌ إليه لا مفروضٌ على المسلمين كالحج كما يتوهم العوامُّ. وحَسْبُك في الترغيب فيه قولُه صلى الله عليه وسلم: (صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) رواه أحمد والبخاري ومسلم , وغيرهم من حديث أبي هريرة. وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر وغيره، وقوله: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري. ورواه غيرهم عنهما وعن غيرهما. استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم وأما الجواب عن الثاني , فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه , ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات. روى حديث استئذان مَلَك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم , وتخييره بقبض رُوحِه الشريفة الطبراني في المعجم الكبير عن جابر وابن عباس في حديث طويل قال المحدثون: إنه مُنْكَرٌ , في إسناده عبد المنعم بن إدريس اليماني القصاص عن أبيه , عن وَهْب بن مُنَبِّهٍ. قال الإمام أحمد: كان يكذب على وهب بن منبه. وأبوه إدريس متروك أيضًا , قاله الدارقطني. ورواه أيضًا من حديث الحسين بن علي، وهو مُنْكَر أيضًا في سنده عبد الله بن ميمون القداح. قال البخاري: ذَاهِب الحديث. وقال أبو حاتم: متروك.