للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


عبرة لمن يعقل
كان أحد أعيان الشرقية الأغنياء مغرمًا بحب الأولياء. معتقدًا بركاتهم ملتمسًا
لنفحاتهم. وكان يرى أن أفضل ما يتقرب به إليهم المتقربون. ويستحق به رفدهم
ونوالهم الطالبون - إنما هو الاحتفال بموالدهم وإنفاق الأموال في معاهدهم. فكان
يشد في كل سنة إليها الرِّحَال وينفق بَدر الأموال، حتى إنه كان يُسَيِّرُ إلى مولد
السيد البدوي مائة وسبعين راحلة. وإلى مولد البيومي مثل هذه القافلة. ويضرب
في تلك المعاهد الخيام ويذبح لإقراء الضيوف الأنعام حبًّا في أولئك السادات.
وتعرضًا لتلك الفيوضات. وما كان ريع أرضه الواسعة الخصبة ليفي بنفقاته وبهذه
القربة؛ ولذلك كان يستدين النقود من بعض صرافي اليهود. وأنت تعلم أن شعب
إسرائيل لا يقنع بالرباء القليل. فما زالت تلك البركات الوهمية. والفيوضات
الخيالية تمحق بالرباء أمواله. كما تُحبط بالمعاصي أعماله. حتى جعلته أفقر أهل
زمانه. وأمسى الصراف اليهودي يتمتع بمائتين وثمانين فدانًا من أطيانه، ولم يزل
ذلك الأحمق السفيه حيًّا يعيش في حجر أخيه!
فهذه الواقعة الحقيقية تفيد أحد أمرين: إما أن الأولياء - كسائر الأموات - لا
يملكون للناس (ولا لأنفسهم) ضرًّا ولا نفعًا لا بالذات ولا بالواسطة والشفاعة، وإما
أن الاحتفال بالموالد يُغضبهم ولا يرضيهم ويسوءهم ولا يسرهم؛ فلذلك يتصرفون
بفاعله أسوأ التصرف. ويتوسلون إلى الله أن ينتقم منه أشد الانتقام. فليتبصر
المسرفون في أمرهم الذين ذهبت الاعتقادات الفاسدة بدينهم ودنياهم. وليخش الله
أهل العمائم الذين يؤولون لهم بأنهم لا يعتقدون أن للولي قدرة يقدر بها على النفع
والضر فيكونون وثنيين مشركين وإنما يعتقدون أن البركات تنزل عليهم من عند الله
تعالى؛ فتزيد في أرزاقهم وأعمارهم وتشفي مرضاهم بواسطة الولي الذي يعظمونه
ويحتفلون في مولده، وليرجعوا بالمسلمين إلى السنة الصحيحة وسيرة السلف
الصالح؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عِمارة القبور وعن تعظيمها، وما
كان السلف يعرفون شيئًا من هذه البدع، وما كان يخطر ببال أحد منهم أن يوسّط
ميتًا في قضاء حاجته، كما سبق لنا تفصيل ذلك غير مرة.