(وهو ما وضعناه فاتحة لنسختها التي طبعناها حديثًا , وفيها كلام في تصحيح المطبوعات , ولا سيما تصحيح ما طبع عن نسخ غير صحيحة , وكونه يتعذر معرفة الأصل في بعض المسائل , ويشق العثور على بعضها بمراجعتها في مظانها حتى الأحاديث النبوية , وخاصة أحاديث البخاري) . من المعلومات المسلمات عند كل مسلم أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بيان لكتاب الله عز وجل , وتفسير وشرح لهدايته , وتفصيل لحكمه وأحكامه، وأنها مستمدة منه، فإنه - جزاه الله عن البشر أفضل الجزاء - قد عاش قبل النبوة أربعين سنة , وهو أمي لم يُؤْثَرْ عنه شيء من علوم القرآن الإلهية , ولا الأدبية ولا الشرعية، ولا شيء من حكمه العقلية , ولا قواعد السنن الكونية والاجتماعية، وقد خاطبه الله تعالى في هذا المعنى بقوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: ٤٤) وبقوله: {إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ} (النساء: ١٠٥) , وقد عصمه الله تعالى من الخطأ في بيان دينه المودع في كتابه , كما عصمه من الخطأ في تبليغه , وكل أحد غيره يخطئ في فهم الكتاب , وفي بيان ما فهمه تارة ويصيب أخرى، وقد نقل المحدثون روايات من خطأ بعض الصحابة فغيرهم أولى. هذا وإن تأثير حديثه وسنته صلى الله عليه وسلم في القلوب , هو في الدرجة التالية لتأثير كلام الله عز وجل، ولهذا ضعفت هداية الدين في نفوس المسلمين منذ صاروا يستغنون عن القرآن والسنة بكتب المتكلمين والفقهاء، وإنما العلماء أدلاء معلمون، لا شارعون ولا مستقلون بالهداية، ولن يعود روح الدين إلى المسلمين، ولن يشرق نور الإسلام في قلوبهم، إلا بالعود إلى تلاوة القرآن بالتدبر، ومدارسة السنة بالتفقه والتأدب. وقد كان مما استعمل الله تعالى به الشيخ محمد عبد الوهاب مجدد الدين في نجد وما حولها , أن أحيا مدارسة السنة النبوية فيها؛ للاهتداء بها، لا لمجرد التبرك بألفاظها، ولا لأجل الاستقلال فيها دون ما كتب المحدثون والفقهاء في شرحها والاستنباط منها، بل نرى من هداهم الله تعالى بدعوته , وأنقذهم من الجاهلية التي عادت إلى أكثر أهل جزيرة العرب ما زالوا يحيون كتب فقه شيخ السنة الأكبر الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه - مع خيار كتب التفسير والحديث لغير الحنابلة من علماء السنة , فكانوا من أجدر المسلمين بلقب أهل السنة. وقد انتدب إمامهم وسلطانهم في هذا العصر السلطان عبد العزيز عبد الرحمن فيصل آل سعود لتجديد طبع هذه المجموعة النفيسة مع كتب أخرى أهمها: تفسير الحافظ ابن كثير , وابتداء طبع كتب أخرى دينية من أعظمها وأجلها: كتاب (المغني) في الفقه الإسلامي الذي فضله الإمام المجتهد عز الدين بن عبد السلام , هو وكتاب المحلى لابن حزم على جميع ما كتب المسلمون في الفقه , ونقل عنه أنه لم تطب نفسه للإفتاء , حتى حصل على نسخة من المغني , فهو يطبع الآن على نفقته مع كتاب الشرح الكبير، على متن المقنع الشهير , والمغني والمقنع كلاهما للشيخ العلامة موفق الدين أبي محمد عبد الله الشهير بابن قدامة المقدسي، المتوفى سنة ٦٢٠ , وهو الذي ينصرف إليه لقب (الشيخ) إذا أطلق في كتب الفقه الحنبلي , التي ألفت بعده وأما الشرح الكبير فلابن أخيه وتلميذه العلامة الشيخ عبد الرحمن ابن قدامة المتوفى سنة ٦٨٢ , وهما من أوسع الكتب أحكامًا وبيانًا للمذاهب بأدلتها. هذه المجموعة الحديثية مشتملة على تسعة كتب بيناها في طرتها، فالأربعون النووية من الأحاديث المختارة في أصول الإسلام , وأسس قواعده أشهر من أن تعرف، وعمدة الأحكام للحافظ المقدسي المتوفى سنة ٦٢٠ مشهورة مشروحة , وهي مأخوذة من صحيحي البخاري ومسلم - تعطي المطلع عليها علمًا إجماليًّا بأصح نصوص السنة لجميع أبواب الفقه , وذكر لها في كشف الظنون عدة شروح لكبار العلماء، وشرحها لشيخ الإسلام المحقق ابن دقيق العيد طبع في الهند ويطبع الآن بمصر. وكتب إلينا صديقنا علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي أنه اطلع على الجزء الأول من شرح شيخ الإسلام ابن تيمية للعمدة (فرأى فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) ولم يبلغنا شيء عن هذا الشرح من غيره، وذكر صاحب كشف الظنون أن كتاب العمدة هذا ثلاثة مجلدات عز نظيره , وأن أوله: (الحمد لله أتم الحمد وأكمله) , وأن الكلام فيه خمسة أقسام: أحدها الأحاديث، وما عندنا هو تجريد الأحاديث فقط , وأوله (الحمد لله الجبار) , ونقل عن بعض شراحه أن عدد أحاديثه خمسمائة , ولعله عدَّ ما في بعضها من اختلاف الألفاظ وتعدد الروايات , أو وجد هذا في بعض نسخها , وإلا فقد أحصيناها بالأرقام حسب عدَّ المصنف لكل باب فبلغت ٤٠٩ , ولكن وقع غلط في الأرقام في مواضع أولها صفحة ١١٠ فينبغي أن يجعل أول رقم فيها ٤٨ ويصحح ما بعده بالتسلسل. وأما كتب الشيخ محمد عبد الوهاب الأربعة , فقد راعى في جمعها أحوج ما يحتاج إليه جماهير المسلمين من السنة , مع تلقيهم أحكام العبادات والمعاملات من كتب الفقه , وهو أربعة أقسام: أحاديث الإيمان الاعتقادية، وأصول الإسلام الكلية، وكبائر الإثم والفواحش التي يجب تركها، والآداب الشرعية التي يجب أو يستحب فعلها والتأدب بها، وكلها ملخصة من دواوين السنة المشهورة: كالكتب الستة والمسند والموطأ وغيرها , ومنها ما ليس لدينا نسخ منه: كالسنن الكبرى وشعب الإيمان للبيهقي.. وقد ترك - رحمه الله تعالى - بعض الأحاديث غير مخرجة، ولعل سبب ذلك أنه أراد أن يراجعها في غير الكتب التي نقلها منها، ليبين جميع من خرجوها. وأما الرسالة السنية للإمام أحمد في الصلاة فهي على ما نعتقد , لا يستغني مسلم عن الاستفادة منها , قد جمعت في صفة الصلاة وآدابها الظاهرة والباطنة , بين الأخبار النبوية والآثار النافعة عن الصحابة والتابعين , ما كانت به سفر تفسير وحديث وفقه وتصوف شرعي , وقد رأيت لها من التأثير في القلب ما لم أره لغيرها، فأنا أنصح لكل مسلم أن يطالعها مرارًا، ولكل معلم وواعظ أن يقرأها لطلاب العلم وللعوام جميعًا. وأما كتاب الصلاة للمحقق ابن القيم فهو أشبه الكتب برسالة الإمام أحمد في مبناها ومعناها ومغزاها، حتى كأنه شرح لها وتفصيل لمجملها، مع بسط مسائل أخرى استوفاها أو حققها، وناهيك بوصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم , واختلاف أحوالها من تطويل وتخفيف بالروايات المعتمدة، وبيانه لحكم الصلاة وأسرارها، وندب إطالتها ومنافعها، وتحقيق فرضية صلاة الجماعة، ومسألة تكفير تارك الصلاة , ومسألة الخلاف في وجوب قضاء الترك منها عمدًا وعدمه. فهكذا لعمري يكون اتباع الأئمة والاقتداء بهم، لا اتخاذهم شركاء لله تعالى في شرع الدين، ولا قرناء لرسوله صلى الله عليه وسلم في العصمة في تبليغه وفهمه، دع تقديم كلامهم على كلامهما، واتباعهم بالتقليد المحض من دونهما. وأما كتابه الوابل الصيب فهو طرد لهذه المعاني والمغازي , في جميع الأذكار والأدعية المأثورة , وتأثيرها في القلب، والقرب بها من الرب، جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، ومن فوائده: بيان مراتب الناس في الصلاة، وصفات القلوب في الظلمة والنور، وبحث في نور العلم والإيمان عال مشرق مؤثر , لا يوجد في غيره مثله، أورده في سياق الكلام على فوائد ذكر الله تعالى، ومنه تفسير المثل الذي ضرب في سورة النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النور: ٣٥) الآية، واستطرد من هذا المثل إلى أمثال أخرى في القرآن مائية ونارية كمثل: سيلان الماء في الأودية، ونار الصائغ لاتخاذ الحلية والآنية - ومثل: الصيب فيه الظلمات والرعد والبرق - وقد بلغ ما أورده من فوائد الذكر ومزاياه وتأثيره في تغذية الإيمان وصالح الأعمال ٧٩ فائدة [١] . فهذه الكتب لا يقرؤها ولا يسمعها مؤمن إلا يشعر بالإيمان يربو وينمي في قلبه، وبمضمون قوله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} (الزمر: ٢٢) فيزداد به من العبادة ويكثر فيها من ذكر الله تعالى , فقد كتب - قدس الله روحه - في الأذكار المأثورة ما لا يحسنه إلا مثله - ومثل كثير في الأنام قليل - فرضي الله تعالى عن جامعي هذه الأحاديث النبوية، ومبيني ما أودعته من الهداية الإلهية، وأثاب من جمعها وألف بينها، ومن أنفق على طبعها، وسعى لتعميم نفعها، ومن تولى طبعها وتصحيحها، ومن يقرؤها للاهتداء وللهداية بها. وكنت أود لو أتيح لي أن أخدمها , بتخريج جميع ما أغفل تخريجه من أحاديثها , وتعليق حواش وجيزة في تفسير جميع غريب لغتها، وبيان وجيز لكل ما يخفى أو يشكل من معانيها، وزيادة العناية بتصحيحها، كالنموذج الذي يراه قارئها في بعض حواشيها. ولكن كثرة الشواغل والموانع، وقلة العون والمساعد، واستعجال السلطان بطبعها , قد حالت دون المراد من ذلك في هذه الطبعة، وعسى أن يوفقنا الله تعالى وإياه لذلك في الطبعة الثالثة. وإن هذا العمل لشاق دونه الإنشاء والتأليف المستقل، ولا يعرف صعوبته إلا من ابتلي به , وإنما يكون التصحيح سهلاً , إذا وجدت أصول صحيحة مضبوطة للمقابلة عليها، والأصل الذي طبعنا عنه هذه المجموعة مطبوع في الهند طبعًا كثير الغلط والتصحيف والتحريف كأكثر الكتب العربية المطبوعة في ذلك القطر، ولا سيما المطبوع منها على الحجر، وقد وجدنا لشرح الأربعين النووية ولرسالة الإمام أحمد , وكتاب الصلاة لابن القيم نسخًا مطبوعة في مصر , فانتفعنا بالمقابلة عليها على أن تصحيحها غير تام , وجعلنا اعتمادنا في تصحيح آخر كتاب العمدة مقابلته على النسخة المطبوعة مع الشرح في الهند، بعد أن كنا نعتمد أولاً على مراجعة الصحيحين فقط. ولكن بعض هذه الأحاديث غير مبين مكانها فيهما، وبعضها معزو إلى أحد الصحيحين وهو في غيره، ولا ندري سبب ذلك، وقد بينا بعض ذلك في الحواشي. على أن المراجعة في صحيح البخاري في مكان من الصعوبة لا يعرفه إلا من عالجه، فإن الحديث الواحد قد يوجد في عدة أبواب منه بألفاظ مختلفة فمن وجد غلطًا في حديث منها , كان عليه أن يراجع جميع رواياته فيها؛ ليمكنه الجزم بالصواب، ومن لم يدقق النظر في اختلاف الروايات والرواة والألفاظ فربما جعل الصواب خطأ. مثال ذلك الحديث العاشر من كتاب صفة الصلاة في العمدة (صفحة ١٢٠) : عن أبي قلابة - هو عبد الله بن يزيد الحضرمي البصري رضي الله عنه - قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: (إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة؛ أصلي كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. هكذا أورد الحديث صاحب العمدة ولم يعزه , ولما كلفت اثنين من إخواننا المشتغلين بعلم السنة قراءة هذه المجموعة بعد تمام طبعها؛ لاستخراج ما يجدان فيها من خطأ الطبع وبيان صوابه , رأى من قرأ العمدة منهما أن هذا الحديث غير جلي , فظن أنه لا يخلو من غلط , فطفق يبحث عنه في صحيح البخاري فوجده في (باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة) بلفظ: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم , وما أريد الصلاة، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي - وفي رواية رسول الله - صلى الله عليه وسلم يصلي؟ إلخ , فجعل المصحح هذا صوابًا لوضوحه , وذاك خطأ؛ لخفاء المراد منه , ولما قرأت جدول الخطأ والصواب بعد جمعه للطبع , رمجت هذا التصحيح؛ لأن ما أورده صاحب العمدة رواية أخرى للبخاري , أوردها في (باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وسننه. فلمثل هذا الاختلاف في الروايات , لا يجزم المصحح بأن كل ما رآه خفي المعنى محرف فيراجعه، ولا بأن كل ما رآه جلي المعنى هو الصحيح من الروايتين أو الروايات، بل لا بد من النقل واستقصاء الروايات عند المراجعة , وذلك من العسر بمكان. فنحن نرى الحفاظ وكبار المحدثين وشراح دواوين السنة ينسون بعض الروايات أحيانًا , أو يغفلون ذكرها في مواضعها: فهذا الحافظ ابن حجر - وناهيك بسعة حفظه - قد ذكر في شرحه لحديث أبي قلابة باللفظ الذي أورده صاحب العمدة , أن البخاري أورده في (باب المكث بين السجدتين) أيضًا , مع أنه رواه فيه بلفظ آخر ليس فيه ما نحن بصدده , ولم يذكر أنه أورده في (باب كيف يعتمد على الأرض...) الذي يوضح معنى الأول , وكذلك القسطلاني لم يذكر سائر الأبواب الثلاثة عند ذكر كل منها كعادته الغالبة. فمن هذا المثال يعلم القارئ لهذه المقدمة درجة عسر تصحيح الأحاديث النبوية المنقولة عن نسخة غير صحيحة , والمحدثون لا يعتدون بنسخة كتاب غير مروية عن المؤلف بالسند , أو مقابلة على أصل صحيح. وقد كانت طريقة تصحيحنا لهذا المجموعة (كغيرها) أن مصحح المطبعة يقرؤها مقابلة على أصلها , فإذا رأى أن في الأصل خطأ , لم يهتد إلى صوابه تركه لنا , فإذا كان مما نعرف أصله بالقطع صححناه , وإلا بحثنا عن مظانِّ أصله في عدة كتب مما عندنا , بقدر ما نجد من سعة الوقت , حتى ربما أنفقنا نصف النهار أو نصف الليل في تصحيح كراسة أو نصف كراسة، وكنا نؤخر طبع الكراسة في بعض الأحيان عدة أيام؛ لأجل أن نجد وقت فراغ لمراجعة بعض العبارات , التي نجزم بوقوع الغلط فيها. وقد نكتب في الحاشية كلمة (يراجع) ، ونحيل على مصحح المطبعة , فإن لم يظفر بالأصل الصحيح يترك الكلام على ما هو عليه تارة ويعيده إلينا تارة , ولهذا نبطئ في طبع ما ليس له أصل صحيح عندنا , كأكثر كتب هذه المجموعة ولا سيما (الوابل الصيب) منها , الذي لم نجد له أصلاً ما في دار الكتب الكبرى ولا في غيرها. وقد كان شقيقنا السيد صالح - رحمه الله تعالى - يحمل أكثر أعباء المطبعة عنا , والمطابع التجارية لا تبالي بذلك مثلنا، بل يكتفي أيها أشد إتقانًا , بأن يكون ما يطبعه كالأصل المطبوع عنه تقريبًا. وبعضهم لا يصل إلى هذه الدرجة , ومنها ما يتصرف أصحابها في التصحيح بآرائهم , حتى اعترف بعضهم بأنه كان يزيد في الأصل , أو ينقص منه وأنه إذا وجد كلامًا ساقطًا أو خفيًّا لا يقرأ , وضع بدله بحسب فهمه , وهذا تزوير لا يصدر عن صاحب أمانة أو دين. ولعمري إن إتقان التصحيح لما يطبع عن أصل غير صحيح لا يتيسر إلا لجماعة من العلماء الأخصائيين , تتعاون عليه بمراجعة كل مسألة في مظانها، وهذا غير موجود في شيء من مطابع هذه البلاد إلا المطبعة الأميرية , ومع هذا نرى في بعض مطبوعاتها غلطًا كثيرًا، ولقد عهد إلينا السلطان عبد العزيز آل سعود بطبع تفسير الحافظ ابن كثير فيما أمر بطبعه من الكتب كما تقدم، ولم نجد له أصلاً إلا ما طبع في المطبعة الأميرية ونسخة خطية حديثة في دار الكتب الكبرى , ولعلها هي التي طبع عنها فإنهما سيان في كثرة الغلط , حتى في الأحاديث المعزوة إلى كتب السنة المعروفة , وأسماء رجال الحديث على ما فيهما من نقص أشير إليه بترك بياض يدل عليه، مع كتابة (بياض في الأصل) في الحاشية , وقلما قرأنا في هذا الكتاب تفسير آية ولم نجد فيه غلطًا مما نعرفه من ذلك، فكيف بما لا يعرف بالرواية والحفظ لكلام المؤلف نفسه؟! وقد توسلنا ببعض الوسائل إلى تصحيحه على نسخة معتمدة من خزائن كتب الآستانة، ولما يتم لنا ذلك ولعله يتم قريبًا. هذا وإنه لما كان غرض السلطان من طبع هذه المجموعة وأمثالها؛ تعميم العلم في بلاده دون بلادنا طبعنا بإذنه زيادة عما طلبه طائفة قليلة من النسخ؛ لتعميم نفعها، فإذا بعناها بثمن قليل بالنسبة إلى أمثالها كان له شركة في أجرها. هذا وإننا نسعى منذ سنين إلى استئجار دار واسعة؛ لأجل توسيع مطبعة المنار , وتأليف لجنة من أهل العلم؛ لتصحيح مطبوعاتها , وضبط النسخ التي تلقى إلينا قبل الطبع بمعارضتها على الأصول الصحيحة في دار الكتب الكبرى وخزانة كتب الجامع الأزهر، أو حيث توجد في غيرها من خزائن الكتب الخاصة؛ كالخزانة الزكية , والتيمورية , والجعفرية , والنورية [٢] فعسى أن يهيئ الله تعالى لنا ذلك , ويوفقنا لكل ما توجهت إليه نفسنا من خدمة العلم والدين، والله ولي المتقين، والحمد لله رب العالمين. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا صدر في جمادى الأولى سنة ١٣٤٢