للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نهضة التعليم الإسلامي في سملك دابل

بعد حمد لله، والصلاة والسلام على المصلح الأعظم سيدنا محمد وآله وصحبه.
نقدم تحياتنا الخالصة لحضرة الإمام العلامة الداعي إلى الله على بصيرة الغيورعلى الملة الإسلامية، حضرة الأستاذ: محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار
الغراء.
سيدي، إنا لما نعلمه من تفانيكم في خدمة الإنسانية عمومًا والمسلمين
خصوصًا؛ الذي نرى أعظم شاهد عليه انتشار مجلتكم الغراء في أرجاء العالم وما
لها من التأثير العجيب في استنهاض همم المسلمين إلى ما يعلي شأنهم، ويأخذ بهم
إلى الطريق الأقوم، وتحسين حالاتهم الأدبية والمادية، ولما نعلم من شغفكم
بالاطلاع على ما يتجدد من حركات التقدم بين المسلمين في هذه الجهات، والطرق
التي يسلكونها للرجوع إلى أحوال دينهم القويم، وما جاء به سيد المرسلين، وما
كان عليه السلف الصالح من التخلق بأخلاق القرآن العزيز، والتأدب بآدابه،
والسير في حالاتهم الاجتماعية على ذلك الدستور الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه، الصالح لكل زمان ومكان، الموافق لحالة أي جنس من الأجناس البشرية،
إنا لما نعلم كل ذلك منكم أحببنا أن نبشركم أن حركة تقدم المسلمين في كل حالاتهم
بجهاتنا لا تزال في تقدم مستمر، وقد أدرك جميع العقلاء أن لا سبيل إلى نيل ما
يؤملون إلا بالعلم الذي به تتنور الأذهان، وتتثقف العقول، وقضية مسلمة تكاد
تكون مجمعًا عليها عند سائر الأمم؛ ولهذا لهجت الألسن، وقامت الخطباء، وكتبت
الكتاب التعليم التعليم العلم العلم، حتى أصبحت فكرة التعليم هي الشائعة
هنا، وقد أنشئت في المدن الكبرى عدة مدارس وكتاتيب، وهي وإن كانت لم تبلغ
الدرجة المطلوبة، إلا أنها الآن عاملة على إحداث حركة فكرية لا يستهان بها
يصحبها ترق في الأخلاق والآداب، وهي سائرة على سنة النمو الطبيعي، ولا بد
يومًا أن يكون لها شأن يذكر في العالم الإسلامي.
ونبشركم أيضًا، وهو ما جعلنا نتجاسر على مكاتبتكم من غير سابق معرفة،
أنا قد وفقنا بعونه تعالى إلى إقامة مدرسة بقريتنا المسماة (سملك دابل) التي لا
تبعد عن مدينة (سورت) إلا بمسافة قريبة بجهة الهند، هذه المدرسة تعاون على
إنشائها أعيان المسلمين في القرية المذكورة، وأول اكتتاب سمحت به أنفس أولئك
الكرام لإنشاء هذا المعهد العلمي يقدر بأربعين ألف روبية، ثم تعاونوا على أخذ
عقار تكفي غلته نفقات المدرسة، تأسست منها المدرسة منذ سنتين باسم (مدرسة
تعليم الدين) . أما العلوم التي تدرس فيها، فإنما هي العلوم الدينية والقرآن الشريف
والخط العربي والفارسي والأوربي والإنكليزي والقزاري مع تعليم هذه اللغات
الخمس، ويدرس فيها علم التاريخ الإسلامي بوجه خاص مع بقية التواريخ بوجه
أعم، وتدرس فيها أيضًا مبادئ العلوم الأخرى. أما المدرسون في هذه المدرسة
فكلهم من مسلمي الهنود، وتتكفل هذه المدرسة بتعليم أولاد الفقراء مجانًا، وتقوم بكل
ما يلزم لهم من السكنى والنفقة والكسوة وغير ذلك حتى من المكملات الغير
الضرورية، كل ذلك رغبة في نشر العلم، وتربية الناشئين تربية دينية تهذيبية
تزرع في قلوبهم حب الخير، وتقدح في صدورهم زناد الغيرة، وتحثهم على
النشاط والجد والسعي إلى كل ما يعلي شأنهم وبلادهم.
وقد أنشئت حتى الآن لهذه المدرسة فروع عديدة في نواحي القرية المذكورة،
وكلها عامرة بالتلاميذ، وترسل هذه المدرسة إلى نواحي القرية والأماكن النائية قليلاً
عنها المعمورة بالفلاحين المسلمين ترسل إليها بعثات تدعوهم إلى الدين الحق،
وتعلمهم واجباته الأولية، وتعود هذه البعثات يتبعها من أولاد المسلمين الفقراء
وغيرهم عدد غير قليل، كلهم يهاجرون من أماكنهم رغبة في التعليم، والمدرسة
تتكفل بكل ما يلزم لهؤلاء الغرباء، وكل تلميذ يدخل في هذه المدرسة لا يكون لوليه
أن يخرجه من المدرسة قبل أن يمضي عليه فيها ثلاث سنوات على الأقل.
وبالجملة فنحن - بتوفيق الله - سائرون بهذه المدرسة إلى طريق التقدم؛
راجين من كل من تجمعنا معه الجامعة الإسلامية والشريعة مد يد المساعدة إلينا
بالأفكار السديدة والآراء الحميدة، فالمرء كثير بأخيه، ولولا ضيق المقام لشرحنا لكم
من أخبار هذه الجهة ما ربما أحببتم الاطلاع عليه، وربما بعد هذا أرسلنا إليكم
الرسالة التي تطبع رأس كل سنة مبينًا فيها من تنجبهم مدرسة التعليم الديني، وفي أي
العلوم، وعدد التلاميذ، والمرسلين، وقدر المصروفات والتبرعات، وكيفية إخراج
ذلك ذلك، ولولا أنها مطبوعة باللغة الأوردية لأرسلنا إليكم منها نسخة الآن. لكن
عسى تحصل فرصة لنترجمها إلى العربية، فنرسلها إليكم أو نرسل إليكم رسالة
السنة القادمة لقرب موعدها.
وفي الختام نمد يد الفاقة إلى مساعدتكم، وذلك بأن تسعفونا بإرسال مجلتكم
المنار لهذه المدرسة مساعدة لإخوانكم في الدين، ولكم من الله مزيد الأجر، وفي
محلنا هذا قل أن توجد المجلات والجرائد العربية، ونحن كثيرو التلهف إلى
انتشارها هنا؛ لنطلع على ما عليه إخواننا بجهاتكم، وما هي المسافة التي قد
قطعوها في سيرهم العلمي، ونطلع على أحوال الدول الإسلامية بتلك الجهات، ولا
سيما ما يتجدد من أخبار دولتنا العلية، وما هو مركزها اليوم بين دول الأرض بعد
أن أصبحت حكومتها دستورية موافقة لروح العصر، وبناء على ذلك، فنحن نطلب
منكم أن تلفتوا أنظار أهل الجرائد المصرية والبيروتية والتي تصدر بالآستانة بأن
يمنّ علينا من شاء منهم بإرسال جريدته، وله منا مزيد الشكر والامتنان، وكذلك
المؤلفون والمتصدقون بالكتب العلمية، من سمحت نفسه منهم بإرسال كتاب أو كتب
لمكتب هذه المدرسة، فنحن له من الشاكرين، ويقلدنا بذلك منة لا نستطيع القيام
بحق شكرها، ويخدم بني ملته خدمة يحفظها له التاريخ.
أما مجلتكم، فلا تخيبوا آمالنا بتأخير إرسالها، كما أن ثقتنا بإخلاصكم في
خدمة المسلمين تجعلنا لا نشك في مساعدتكم، وإن تفضلتم بإرسال نسخة من تفسير
الأستاذ الإمام فحاجتنا إليها شديدة جدًا. أكتب لكم هذا وأنا الآن بسرباية جزيرة
جاوه، وأتيت إليها من مدة قريبة؛ لاستنهاض مواطني المهاجرين بهذه الديار،
وحثهم على مد يد المساعدة على إحياء العلم ونشره ببلادهم.
... ... ... ... ... ... محبكم: حسن أحمد منصور
... ... ... ... ... ... خادم مدرسة تعليم الدين
(المنار)
نشكر للكاتب ولسائر أهل الغيرة القائمين بأمر هذه المدرسة، والمتبرعين
لها حسن سعيهم، ونرغب إلى الكاتب أن يعجل بإرسال الرسالة التي وعد بها
مترجمة بالعربية، وأن يبين أسماء الكتب العربية التي تدرس في المدرسة؛
لنبدي رأينا فيها، وسنرسل المنار وغيره من الجرائد للمدرسة إن شاء الله تعالى.