(فرائد اللغة العربية) في لغتنا الغنية فرائد كفرائد اللآل، قد أُهمِلت على جدارتها بالاستعمال، ومنها المفردات التي يؤدي الواحد منها معنى جملة. وكنت شرعت في جمعها قبل الهجرة إلى مصر، فكتبت منها أوراقًا من حرفي الهمزة والباء، ثم حَالَ السفر دون المضي في العمل. وقد عنَّ لي الآن أن أَذكُر بعض هذه الفرائد؛ أُذكِّر بها الكُتَّاب لعلهم يستعملون منها ما يروق لهم. ولم أراع في الكلمات الآتية ترتيبًا ولا نظامًا إلا ترتيب ما يخطر ببالي أولاً فأولا. وهاك ما خطر الآن: (التَّجْذِيذ) : أن تستتبع القوم فلا يتبعك أحد، وهو مصدر جذَّذ الرجل. (العِدَال) ككتاب: أن يقول واحد فيها بقية وآخر ليس فيها بقية، وأن يعرض أمران فلا تدري إلى أيهما تصير، فأنت تتروَّى في ذلك، وهو مصدر عادل. (اللُّويَة) بالضم كالكوفة: القوم يكونون مع القوم؛ ولا يستشارون في شيء. (العرازيل) قوم عرازيل: مجتمعون في لصوصية. (الأوشاب) : أخلاط الناس المتفرقون، ومثله (الأوزاع) . (الأوقاس) بالمهملة والمعجمة: السقاط والعبيد وأشباههم. (الغوغاء) : السفلة، واستعماله بمعنى الضوضاء والجلبة خطأ. وقيل الغوغاء: الكثير المختلط. (الطراء) القوم يجيئونك من بعيد من غير أن تشعر بهم، وهو من الطراء والطروء. (النفيج) الأجنبي يدخل بين القوم، ويصلح أمرهم أو الذي يعترض لا يصلح ولا يفسد. (المتنفج) الذي يفتخر بأكثر مما عنده. (النفاج) المتكبر يفتخر بما ليس عنده. (العِرِّيض) بكسر العين وتشديد الراء: الذي يتعرض للناس بالشر. (الغيدار) الذي يسيء الظن فيصيب. (المعِنّ) بالكسر: من يدخل فيما لا يعنيه ويعرض في كل شيء، وهي معنة. (المفِنَّ) بالكسر: ذو الفنون والغرائب، وهي مفنة. (الفجفاج) الكثير الكلام، المتشبع بما ليس عنده. (الضعضاع) الرجل بلا حزم ورأي، ومثله الضعضع. (الوهين) الرجل يكون مع الأجبر يحثه على العمل. (عزاه التهذيب إلى أهل مصر) . (التوليج) ولج ماله: إذا جعله في حياته لبعض ولده، فسامع الناس فانقدعوا وكفوا عن سؤاله. يقال: ولَّج ماله. (الإغراب) أغرب الرجل: بالغ في الضحك، وتزوج من غير أهله. وأجرى فرسه إلى أن مات. (التنصي) تنصى القوم: تزوج من خيارهم وشرفائهم الذين هم ناصيتهم. ومثله نذراهم أي: تزوج من ذروتهم. (الفراطة) كثمامة: الماء يكون شرعًا بين عدة أحياء، مَن سبق إليه فهو له. (التناوة) بالكسر: ترك المذاكرة والمدارسة. (الإفتاق) يقال أفتق فلان: إذا سمنت دوابه. (الإفناق) يقال أفنق الرجل: تنعم بعد بؤس. (الافتجار) يقال افتجر الكلام: اخترقه من غير أن يسمعه أو يتعلمه من أحد. (الافتحار) يقال افتحر الكلام والرأي: أتى به من قصد نفسه ولم يتابعه عليه أحد. (التجرم) تجرم عليه وتجنى عليه وتذقح له: نسب له الذنب ما لم يفعل. و (الذُّقَّاحة) بالضم وتشديد القاف: من تعود التذقح والتجرم. *** (تاريخ الأستاذ الإمام) قد تم طبع الجزء الثاني والثالث من هذا التاريخ، فأما الثاني: فهو في منشآته وآثاره القلمية التي لم تدون في الكتب: كمقالاته القديمة والحديثة في الجرائد، ولوائحه في الإصلاح والتربية والتعليم، وكتبه ورسائله للعلماء والفضلاء، وناهيك بمقالات العروة الوثقى وصفحاته ٥٦٠. وأما الثالث: فهو في التأبين والتعازي والمراثي، وصفحاته ٤٢٨، ولعلها أطرف كتب الأدب العصرية وأنفعها. وإننا نقرظ كلاًّ منهما بنشر مقدمته؛ فإنها أحسن مبين لحقيقتها. (مقدمة الجزء الثاني) (بسم الله الرحمن الرحيم) {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} (يس: ١٢) . مات الأستاذ الإمام (الشيخ محمد عبده) ولم يمت، بل هو حي بآثاره التي هي مقبس أنواره، مات الموتة الطبيعية، وحيي الحياة العقلية الروحية، فهو لا يزال كما كان، قبل أن يغيب عن العيان، تنقل أقواله، وتذكر أعماله، وتكتب معارفه، وتشكر عوارفه، ولا غرو فإن للعلماء والحكماء في هذه الدنيا حياتين؛ حياة جسدية محدودة تبتدئ بيوم الولادة وتنتهي بيوم الوفاة، وهي الحياة الحيوانية التي يشاركهم فيها سائر الناس بل سائر الحيوان. وحياة عقلية روحانية غير محدودة وهي تبتدئ بظهور ثمرات عقولهم النافعة لأئمتهم، أو لكل من يجنيها من الناس، وتدوم ما دام الزمان، وبقي من الناظرين في آثارهم إنسان، وقد كان الأستاذ الإمام من خيرة هؤلاء العلماء، وأفضل أصحاب هذه الحياة من الحكماء، تشهد له بذلك آثاره المرقومة في وجوه الصحائف، ومآثره المرسومة في ألواح القلوب: تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار يسفر لك هذا السفر من تاريخ هذه الحياة عن الرجل؛ وهو فيما دون العاشرة منها (وفي نحو الرابعة والعشرين من حياته الطبيعية) ، تارة يحرر الواردات الآليهة في حقائق علم الكلام الأعلى، ويسير في المزج بين عرفان الصوفية وبرهان الفلاسفة على الطريقة المثلى، متمكنًا من مقام التوحيد، متنكبًا عن مقعد التقليد، على حين لا توحيد ولا كلام عند المشتغلين بالعلوم الدينية، إلا حكاية بعض ما قاله متأخرو الأشعرية، وتارة يقتبس أنوار الحكمة من أستاذه السيد جمال الدين، ويفيض منها على عقول المستعدين، بما يكتب من المقالات في فلسفة التربية والصناعات، وآونة يحبر الفصول الإنشائية، ويجلي المعاني العصرية، في أثواب الأسجاع الحريرية، ويزفها كالخرائد على منصات الجرائد، داعيًا إلى استقلال الفكر، وتناول علوم العصر، حاثًّا على ترقية الأمة، حاضًّا على تجديد مجد الملة، آمراً بالاتحاد على ترقية الأوطان، ناهيًا عن التعصب الذميم بين المختلفين في الأديان، فهذا مثال طور الطلب والتحصيل من حياة الرجل العقلية، يبتدئ في الكتاب برسالة الواردات، وينتهي بالتحفة الأدبية. ثم يمثله لك في طور آخر. وهو تارة بين أرباب الرياسة، يرشدهم إلى طرق الإدارة والسياسة، ويهديهم سبيل الرشاد؛ لترقية الرعية وعمران البلاد، وتارة يشرف على الأمة بالوعظ والتعليم، ويسلك بها صراط الحياة المستقيم، ببيان غوائل السرف وفوائد الاقتصاد، وتقويم النفوس بعقائل الفضائل وأحاسن الآداب، بعد تطهيرها من لوث الخرافات، ومساوي التقاليد والعادات، يهبط على الفلاح في حرثه فيخاطبه بما يفهم، ويعرج بطالب الحكمة إلى أفقه فيعلمه ما لم يكن يعلم، وهذا هو المثال الأول لطور العمل، من الحياة المعنوية للرجل، تجليه لك مقالاته في جريدة الحكومة الرسمية، وجل عمله فيها خاص بإصلاح حال البلاد المصرية. ثم يجليه لك مع أستاذه في الديار الأوربية، متحدين على إرشاد جميع الشعوب الإسلامية، السيد الحكيم يقترح ويدبر، والأستاذ الإمام يكتب ويحرر، يدعوان إلى العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ويجمعان القلوب على الوحدة وكانا أحق بها وأهلها، هنالك تتجلى لك روح القرآن، هابطة من سماء الحكمة والعرفان مؤيدة بالعزة والسلطان، تطوف بتلك العروة البلاد، وتصافح قلوب أهل الاستعداد فتحييها حياة جديدة، وتجذبها إلى عيشة سعيدة، هنالك ترى الإلهام الإلهي يمد بتأثيره العلم الكسبي، فيصيبان مواقع الإقناع من العقل، ويبلغان مواضع التأثير من النفس فلا يقرأ القارئ ما في العروة من بيان حال المسلمين، وأسباب ما أصيبوا به من البلاء المبين وما تطب لدائهم، وتصف من دوائهم إلا وينثني أسير البرهان مملوك الوجدان بالإذعان، مندفعًا إلى العمل بذلك البيان بالجنان واللسان والأركان وذلك طور مستوى القوة وكمال الفتوَّة، ومنتهى علو الهمة، وبيع النفس والوقت للملة والأمة. ثم يظهره لك رابضًا في الديار السورية، يعمل لإصلاح الإسلام بإصلاح الدولة العثمانية، أو مقيمًا في الديار المصرية، يبين لأولي الأمر طريق الإصلاح بالتربية الدينية، وهو في القطرين يتكلم عن فهم ثاقب، ويرمي عن فكر صائب، يبين طبائع البلاد والساكنين، ويجمع بين مصلحة الحاكمين والمحكومين، ويهديهم إلى الطريق القويم، في نظام التربية والتعليم معرِّضًا باستعداده لتنفيذ العلم بالعمل، مصرحًا بضمان تحقيق الأمل، وفي ذلك ما فيه من اعتماده على الله، وثقته بالقوى والمواهب التي آتاه، يلوح لك ذلك في لوائح الإصلاح، وما فيها من إشراع مناهج الفلاح. ثم يبرزه لك في طور المبارزين للطاعنين على الدين المبين، فيتراءى لك أن قلمه أمضى من الحسام، وكلمه أنفد من السهام، فهو بهما يكرّ ويصول ويجندل من المجادلين الفحول، ولا ينثني إلا والحق غالب على أمره، والباطل مغلوب يَأْرِز إلى جحره، وحسبك من ذلك رده على موسيو هانوتو في قوله في طبيعة الديانتين الإسلامية والمسيحية، ثم رده عليه في مسألة الجامعة الإسلامية. ثم يريكه يجوب الأقطار، ويقطع أجواز البحار؛ للنظر في آثار الأولين واستخراج العبر منها للآخرين، فتراه في صقلية مرة، يتصفح الصحف والأسفار، ويستنطق العاديات والآثار، ويقرأ ما نقش على الجدران بالعربية؛ لتحقيق المسائل التاريخية. ومرة يبحث عن الأخلاق والعادات، وينقب عن المنشآت والمستحدثات يتردد بين الأديار والكنائس والمقابر والمدارس، ثم يزف ما استفاد إلى أمته، فيما كتب عن رحلته. ثم يكشف لك عن الحجاب، وهو يراسل العلماء والكبراء والكتاب، فتارة يتلو عليك من كتبه إلى حزب المصلحين، وأهل البصيرة من علماء المسلمين ما تخشع له القلوب، وتتحدر من وقعه الشؤون، فكأنك منه وقد عاد بك الإسلام إلى عصر النبي - عليه الصلاة والسلام - فرأيت نفسك تتدفق غيرة على الدين، وتفيض حزنًا على ما حل بالمؤمنين، فلم يبق لها هَمّ إلا أن تكون كلمة الحق هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى، أو كأنك معه في عصر الراشدين، كأنه معك أمير المؤمنين يصول على الأرواح بمواعظه الصادعة، ويختلب الألباب ببلاغته الرائعة. ومرة يشنف مسامعك باللؤلؤ والمرجان، من رسائل الوداد إلى الأصدقاء والخلان، فيمثل لك الأدب الباهر واللطف الساحر، ويصور لك الوفاء في أجمل صوره، والإخلاص في أجل مظاهره، والصدق في الحب على البعد والقرب، ويريك من ذلك الرجل الحزين على أمته، المستغرق في عمل الإصلاح لملته، أديبًا ظريفا، ونديمًا لطيفا، حسن الأماليح مليح الأفاكيه: حلو الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت ... بشدة البأس منه رقة الغزل وآونة يقرئك مما كتب إلى المؤلفين بالعربية، أو المترجمين للكتب الأجنبية، ما يرفع من أقدارهم، ويشب من نارهم، وما يشحذ غرار همتك ويزجي ركاب عزيمتك، إلى أن تكون من زمرتهم، وتساهمهم في مثل خدمتهم. وأحيانًا يسمعك من تعازيه للمحزونين ومواعظه للمرزوئين بالأقربين ما يحلو به مرير الصبر، ويرغب فيما عند الله من المثوبة والأجر، ويترك القلوب مفثوءة الثائرة قد سكنت قدرها الفائرة، وأنشأت تشيع الأحزان، وتستقبل السلوان. ثم يختم لك ذكرى هذه الحياة الروحية، والآثار العقلية بشذرات من الحكم المنثورة، والآيات المأثورة، فترى إجمالاً ينبئ عن تفصيل وقليلاً لا يقال له قليل، كأنه صورة مصغرة لتلك الروح الكبيرة، أو عناوين لتلك الكتب المسطورة على أن الكتاب كله نَتْفٌ من أقواله ونموذج من أعماله، وأن آثاره في النفوس لأعظم من آثاره في الطروس، فهو حي في الآخرة بما قدم من عمل، حي في الدنيا بما ترك من أثر، يمثل حياته هذا الكتاب الناطق وينشر خبرها الصحيح مريده الصادق. ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا ... ... ... ... ... ... ... ... ... منشئ المنار مقدمة الجزء الثالث بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} (الأنعام: ١٦٢) . {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية: ٢١) . كانت حياة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في جميع أطوارها وأدوارها خالصة لله - تعالى - من شوائب الرياء، وزعزعة الأهواء، ومات كذلك خالصًا مخلصًا لله، لا يرجو غيره، ولا يخشى سواه؛ لذلك كان في محياه ومماته آية في العلم والعمل لله وللناس، وحجة على أهل الجهل والجمود والجحود من جميع الأجناس. رأينا في عصرنا كثيرًا من أهل الشهرة والظهور في أمتنا، من المرشدين والعلماء والملوك والأمراء والشرفاء والأغنياء قد حيوا مكرمين وماتوا مبكيين وما كانت حياة أحد منهم كحياته، ولا مماته كمماته. ما رأينا أحدًا منهم في حداثته فطريًّا زكيًّا، وفي شبابه متعلمًا صوفيَّا وفي كهولته فيلسوفًا اجتماعيًّا، وفي شيخوخته حكيمًا ربانيًّا. ما رأينا أحدًا منهم يعمل لترقية الناس في الدين والدنيا، من حيث لا يطلب لنفسه إلا الحياة الأخرى. ما رأينا أحدًا منهم كان يرجوه الفقير لنيل نواله، ويسترشد به الغني ليفيد ويستفيد بماله، ويرجوه المتعلم ليقتبس من حكمته وفهمه، ويستهديه العالم الذي يريد أن ينفع بعلمه، ويرجوه المحكومون لما يريدون عند الحاكمين، ويستفيد منه الحكام كيف يعدلون في المحكومين. ما رأينا أحدًا منهم كان قبلة آمال المصلحين، في السياسة والعلم والدين، قد أتلعت الأعناق وامتدت الأبصار من جميع الأمصار والأقطار، ترقب آثار إصلاحه وتنوط فلاحها بفوزه ونجاحه، فالمصري في وطنه يرجوه لمصر، والمسلم في كل وطن يرجوه للإسلام، والشرقي غير المسلم يرجوه للشرق. هكذا كان مرجوًّا في حياته للعالمين، إذ كان محياه خالصًا لله رب العالمين، وهكذا كان مرثيًّا من الناس أجمعين؛ إذ كان حتى مماته محبًّا لخير الناس أجمعين. ثم ما رأينا منهم أحدًا مات فبكاه السني السلفي وغير السلفي، وحزن عليه الشيعي والإباضي، ورثاه اليهودي والنصراني، وَأَبَّنَهُ الشرقي والغربي، واستوى في التعزية عنه القريب بالأجنبي. ما رأينا أحدًا منهم مات فنعته الجرائد كنعيه، وَأبَّنتْهُ بمثل ما أبنته به، على اختلافها في العقائد والمذاهب، وتباينها في المنازع والمشارب، وعلى ما كان له في عالم الاجتماع من الزعامة، وفي عالم الدين من مرتبة الإمامة، وهما المزيتان اللتان يتحاسد عليهما الكبراء، وينبري لمباراة صاحبهما العظماء، بل يسلطون الألسنة والأقلام على من يخطب واحدة منهما، فما بالك بمن يتمكن من الجمع بينهما، وما كانوا عن الأستاذ الإمام بغافلين، ولا عن النيل منه بساكتين. ما رأينا أحدًا منهم مات فعُدَّ موته موتًا للفقراء، موتًا للعلم والعلماء، موتًا للبلاغة والبلغاء، موتًا للصدق والوفاء، موتًا للإخلاص والصفاء ورزؤه رزءًا للمصريين، بل رزءًا للمسلمين، بل رزءًا للإنسانية ومصابًا على أهلها أجمعين. ما رأينا أحدًا منهم مات فتجاوبت الأقطار بالتعزية عنه، وتناوحت الأمصار بالرثاء فيه، وشهد له القريب والبعيد، والغوي والرشيد، والذكي والبليد، بأنه إمام الزمان، وسدرة منتهى العرفان. هكذا كان وقع موته في العالمين؛ لأنه مات كما عاش خالصًا مخلصًا لله رب العالمين. ليس هذا الذي أقول من خيالات الشعر، ولا من باب الإطراء في المدح، ولا هو من قبيل شهادة القريب للقريب، ولا من إعجاب الصديق والوديد، ولا من إجلال التلميذ أو المريد، وإنما هو الحق اليقين الذي دونته أقلام الكاتبين، إملاء على ألسنة الناطقين، وهذا السفر بعض ما دونوا، وما دونوا إلا بعض ما علموا. ترى في هذا السفر إثباتًا لاعتقاد قوم من المؤبنين والمعزين والراثين، وتصويرًا لشعور طوائف من العلماء والفضلاء والشعراء والكاتبين قد تقاربوا، بل اتحدوا على تباعد الأقطار، واتفقوا على اختلاف اللغات والمذاهب والديار، في إثبات المعاني التي أثبتنا، مع تفصيل لما أجملنا، وذلك هو التواتر الحقيقي، المفيد للعلم اليقيني. تواتر لم يعهد له عندنا مثال، دونته الطبقة الأولى في الكتاب، عن تواتر سار مسير الأمثال، به عرفه البعيدون من الشعراء والكتاب، لا بتوارد الخواطر كما يقع الحافر على الحافر، ولا بوحي من آحاد متواطئين إلى جماعات غير متعارفين، إذ لا سبيل إلى التواطؤ، ولا ذلك الاعتقاد والشعور مما يكون بالتوارد. يدور الكلام في تلك التآبين والتعازي والمراثي على أربعة أقطاب: (١) بيان الاعتقاد الذي تتبعه الآمال، و (٢) تمثيل الشعور، و (٣) ذكر الأعمال، و (٤) تخيلات الشعر، وإن هي تخللت النثر، وإنما يأتي توارد الخواطر في هذا القسم الآخر، كقولهم: لو كان يُفْدَى لفديناه بكذا، وإن الحياة بعده أسى وأذى، وإنه كان بحرًا في الجود والعلم، وطوداً في الثبات والحلم. فأما ما هو من قبيل الأعمال أو من إثبات الأخلاق والخصال، فهو مما لا يكاد يتفق فيه خاطران، فكيف تتفق فيه خواطر الزرافات والوجدان. ترى في هذا السفر أقوالاً للأفريقي والأسيوي، والأمريكي (المقيم في أمريكا) والأوربي، ولك أن تقول للعربي والتركي والفارسي والملاوي والإفرنجي والبربري وإن شئت قلت للمسلم السني والشيعي وللنصراني واليهودي تتفق هذه الأقوال في معان يجزم كل من رآها أنها ناشئة عن اعتقاد سببه انتشار فضل الرجل في جميع الأقطار والبلاد، حتى كان جديرًا بقول الشاعر: وسار مسير الشمس في كل بلدة ... وهب هبوب الريح في البر والبحر هذا ما يؤخذ مما نشر في هذا الكتاب، وإليك كلمات مما قاله بعض المشهورين في هذا الباب، منها ما قيل في حياته، ومنها ما قيل بعد مماته. (ثم قلنا بعد أن أوردنا كلمات كبيرة فيه لبعض المشهورين كمختار باشا ورياض باشا كانت نشرت في المنار) . هذا بعض ما سمعنا وما روينا، على أن الأمة لما تعرف كنه من فقدنا، كما يقول العقلاء المنصفون، وسيثبت الزمان حقيقة ما يقولون، فائتونا بعالم نحرير، أو ملك أو أمير، اعترفت له الأمم بهذا الفضل الكبير. ينقسم هذا الجزء إلى أقسام: (الأول) : أقوال الجرائد العربية وفيه فصول: (١) للجرائد اليومية المصرية، و (٢) للجرائد الأسبوعية، و (٣) للمجلات، و (٤) للجرائد التونسية، و (٥) للجرائد السورية في أمريكا الشمالية والجنوبية. أما جرائد سورية في سورية فقد منعت من تأبين الإمام، بل من ذكر خبر موته بأمر من السلطان (وهو من ص ٩ إلى١٥٠) . (القسم الثاني) : أقوال الجرائد الإفرنجية، وفيه فصلان: (١) للجرائد التي تصدر في القطر المصري وقد ترجمنا أكثرها، و (٢) للجرائد التي تصدر في أوربا، ولم يصل إلينا إلا قليل منها (وهو من ص ١٥١-١٨٤) . (القسم الثالث) : أقوال الجرائد التركية والفارسية، ولا تركية إلا ما يصدر في مصر؛ لأنها هي الحرية بِمَا لَهَا من الحرية بإظهار شعور فضلاء الترك، واعتقادهم بفضل هذا الإمام العظيم دون التي في بلادها (من ص١٨٥-١٩٨) . وقد فاتنا ما كتبت الجرائد الهندية؛ إذ لم يتيسر لنا جمعها وترجمتها في مصر وكنا رغبنا إلى عظيم من عظماء مسلمي الهند، وأعلمهم بقيمة الإمام، وأشدهم له حبًّا، بأن يترجم لنا أهم ما كتبته جرائدهم؛ فحالت الموانع - من مرض وسفر - دون إتحافنا بما كان يحب من ذلك. (القسم الرابع) : نموذج من تأبين بعض العلماء والفضلاء، كان نشر بعضه في الجرائد (من ص ١٩٩-٢٣٥) بعد الوعد به. (القسم الخامس) : ما قيل في حفلة التأبين والرثاء عن القبر (٢٣٦- ٢٧٤) . (القسم السادس) : التعازي: وهي نموذج مما كتب بعض المصريين الذين كانوا خارج مصر ونموذجًا مما كتب المسلمون من سائر الأقطار (من ص ٢٧٥-٣٠٠) . (القسم السابع) : مراثي الشعراء مرتبة على حروف المعجم، وقد اختصرنا أكثرها (من ص ٣٠١ - ٤٢٢) . (القسم الثامن) : ملحقان في الأول منهما: استدراك شيء تابع لقسم التعازي، وهو تعزية مجلس شورى القوانين لأسرة الإمام، وما كتبه حموده بك في جوابه وجواب تعزيتي محكمة الاستئناف والمستر براون. وفي الثاني: استدراك آخر تابع لتأبين العلماء والفضلاء، وهو تأبين اللورد كرومر في تقريره الرسمي عن حال مصر الإدارية والمالية، وتأبين المستشار القضائي في تقريره الرسمي عن القضاء في مصر (ص٤٢٣-٤٢٨) . رتبنا تأبين الجرائد في كل فصل على ترتيب أسمائها بحروف المعجم. وكذلك رتبنا تأبين المؤبنين على حسب أسمائهم إلا ما شذ. وأما المراثي فرتبناها على حسب حروف قوافيها، وقصائد كل قافية على حروف ناظميها، وما شذ عن الترتيب فالسبب فيه تأخر ورود ما حقه التقديم، أو الخطأ من المرتبين، وقد وردت إلينا تآبين ومراث أخرى بعد الفراغ من الفصول الذي قضى الترتيب بوضعها فيها فأهملناها، ورأينا بعضها غفلا من التوقيع المعرف لصاحبها فأغفلناها، وقد حذفنا كثيرًا من الإطراء والزهديات في القصائد التي اختصرناها. وإننا نقدم إلى الأمة هذا السفر بالنيابة عن مؤلفيه، من ساسة العصر ومؤرخيه وعلمائه وفضلائه، وكتابه وشعرائه، إحياء لذكرى نابغتها الأستاذ الإمام عليه من الله الرحمة والرضوان. ... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... منشئ المنار هذا وإن أجدر الناس بالاستفادة من هذين السفرين طلاب العلوم، من مجاوري الأزهر وتلاميذ المدارس لا سيما الراغبون منهم في تحصل ملكة الكتابة، وبلاغة الإنشاء، على أنهما مما يستفيد منهما كل قارئ. وقد جعلنا ثمنهما رخيصًا بالنسبة إلى المطبوعات العصرية وإلى حجمهما، فإن مجموعهما يبلغ زهاء ألف صفحة أو مجلدًا من مجلدات المنار. ولكن ثمنهما معًا خمسة وعشرون قرشًا أو أقل من نصف ثمن مجلد المنار، وثمن جزء المنشآت وحده خمسة عشر قرشًا، وجزء التأبين والمراثي وحده عشرة قروش على أنه مزين بأحسن صورة للأستاذ الإمام. وهناك نسخ مطبوعة على ورق أجود يزيد ثمن النسخة منها خمسة قروش. ومن يطلب نسخة مجلدة فعليه أن يزيد خمسة قروش أجرة التجليد. أما أجرة البريد عن كل جزء فهي ثلاثة قروش. *** (كتاب الأخلاق والسير) كتب الإمام الجليل أبو محمد علي بن حزم كتابًا وجيزًا سماه (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) . يكاد يصدق على كلمة فيه قول بعض الحكماء: العلم الصحيح هو ما إذا سمعته حسبت أنك كنت تعرفه؛ تقرأ ما تقرأ منه فتشربه نفسك، وتعرفه فطرتك، ويحكم عقلك بأنه حكاية عن حقيقة ما عليه الناس في أنفسهم، ونتائج أعمالهم، وآثار صفاتهم وأخلاقهم، ويلوح لخيالك أنه مرآة القلوب والأفكار. ذلك أن مؤلفه لم يكن حظه منه كحظ أكثر المؤلفين؛ جمع وترتيب ونسخ وتبويب، بل كان هو عقله وفكره وأدبه فاضت عن نفسه، فوقعت على الصحف، فكانت كتابًا سواء منها ما كان محفوظ ومأثور، وما هو مستنبط ومعقول، فهو إذا نقل شيئًا ينقله بعد أن يمقله ويعقله، بل بعد أن تتغذى به نفسه ويصير جزءًا منها حيا بحياتها، كما يصير الطعام الذي يتغذى به البدن الحي جزءًا منه، لا كما ينقل المتطفلون المقلدون في التأليف كلام غيرهم من غير أن يخالط عقولهم أو يمس قلوبهم. قال المؤلف في مقدمة الكتاب. (أما بعد فإني جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة، أفادنيها واهب التمييز - تعالى - بمرور الأيام وتعاقب الأحوال، بما منحني - عز وجل - من التهمم بتصاريف الزمان، والإشراف على أحواله حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، وآثرت تقييد ذلك بالمطالعة له والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس، وعلى الازدياد من فضول المال، وزممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب؛ لينفع الله به من يشاء من عباده ممن يصل إليه، بما أتعبت فيه نفسي، وأجهدتها فيه، وأطلت فيه فكري، فيأخذه عفوا، وأهديته إليه هنيئا. فيكون ذلك أفضل له من كنوز الأموال وعقد الأملاك، إذا تدبره، ويسره الله تعالى لاستعماله. وأنا راج في ذلك عظيم الأجر؛ لنيتي في نفع عباده وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم. وبالله أستعين) . طبع الكتاب الشيخ أحمد عمر المحمصاني الأزهري وضبط من كلمه ما رآه محتاجًا إلى الضبط، وفسر في هوامشه ما رآه منه غريبًا، وصدره بترجمة وجيزة للمؤلف، وجعل ثمنه قرشين. فننصح لكل قارئ بأن يطالعه المرة بعد المرة، وهو يطلب من مكتبة المنار. *** (الأسرار القدسية والفيوضات الهدائية) (تأليف الذي كان كاهنًا من كهنة الروم الكاثوليك، ومنَّ الله عليه بالعناية المحمدية، وتشرف بدين الإسلام عبد الحفيظ المهتدي) أهدي إلينا هذا الكتاب الجديد وعرفنا مؤلفه فإنه كان قسيسًا في عكار وأسلم في طرابلس أيام كنا فيها، وصار من أهل الطريق وقد جاء مصر في العام الماضي بولد له يريد أن يتلقى القرآن بالروايات في الأزهر ويطلب العلم. أما الكتاب فهو في التصوف والرقائق جمع فيه كثيرًا من المواعظ والآداب ممزوجة بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وذكر في آخره شيئًا من خبره جعله مقدمة للدعوة إلى الإسلام وإثباته، وذكر في هذا المقام بعض النصوص عن المسيح عليه الصلاة والسلام. وعن كتب أخرى من كتب القوم. وثمن النسخة من الكتاب خمسة قروش صحيحة. ويعلم الفطن أن في شرائه إعانة للرجل على تعليم ولده، وتربيته في هذه البلاد التي لا مورد لهما فيها. *** (هدية الرئيس للأمير) رسالة في علم النفس للرئيس أبي علي بن سينا أهداها إلى الأمير نوح بن منصور الساماني، والظاهر أنها أول تصنيفه. وقد كانت فقدت هذه الرسالة، فلم يعرف الباحثون من الإفرنج المستشرقين إلا نسختين منها: إحداهما في مكتبة ليدن من مملكة هولندا وهي كثيرة الغلط، والثانية في المكتبة الإمبروازية بمدينة ميلانو من إيطاليا وهي أمثل. فعني بعضهم بنسخهما، وتصحيح إحداهما بالمقابلة على الأخرى، ثم بالمقابلة على نسخة منها مترجمة باللغة اللاتينية في القرن السادس عشر، والاستعانة ببعض كتب المصنف في الفلسفة خصوصًا ما كان منقولاً عنه، فعل ذلك الدكتور صموئيل لانداور الألماني صحح الرسالة، وجمع إليها ما اختلف من النسخ، وعلق عليها ما علق من الشرح والتفسير، ونشر ذلك كله في مجلة المستشرقيين الألمانيين مع ترجمة ألمانية وجيزة بسبع لغات: - العربية، والعبرية والسريانية، والفارسية، واللاتينية، واليونانية، والألمانية. فلينظر أهل العربية إلى عناية الإفرنج بكتبهم وآثار سلفهم، وليخجلوا من جهلهم وإهمالهم. ثم إن أدورد فنديك المدرس بمدرسة الحقوق (ابن الدكتور كرنيليوس فنديك الشهير) قد استخرج النسخة من تلك المجلة، وقابلها بنفسه على الأصل في مكتبة ليدن ومكتبة ميلانو، بعد أن وعدته شركة طبع الكتب العربية هنا بطبعها، إذا هو جاء بها مصححة بالعربية، وقد وفت بالوعد، فطبعتها طبعًا متقنا على ورق جيد كعادتها. وطبعت معها تلك الشروح. وقد انتقدنا تسمية اختلاف النسخ بالقراءات وما هي بقراءات، وإنما هي تحريفات وتصحيفات، وقد وضعت بين أقواس في أثناء الكلام، فكانت مما يشغل القارئ لأجل الفهم، ولو وضعت في الهوامش لكان أولى. وإننا نشكر لكل من اشتغل بإحياء هذه الرسالة فضله. *** (قصة البعث) هي قصة شهيرة من أحسن ما كتب الفيلسوف تولستوي الروسي الشهير، بل هي كتاب كبير مؤلف من جزأين؛ في علم الأخلاق والسياسة، وفلسفة الاجتماع، ليس فيها من معنى القصص إلا سرد المسائل والآراء في الغراميات والسياسة والآداب في سياق الوقائع المتصلة بأسلوب يلذ القارئ، ويبعث شوقه للقراءة، وهو يصف فيها معيشة مترفي أمته، وأمرائها، وحال الفلاحين، والمسجونين فيها. ويرغب في توزيع الأراضي على الفلاحين. فهي من القصص التي جمعت بين اللذة والفائدة فيا ليت شبابنا يطالعونها، وقد طبعها إبراهيم أفندي فارس صاحب المكتبة الشرقية. وهي تطلب منه. *** (ديوان حافظ) قد طُبِع الجزء الثاني من ديوان حافظ أفندي إبراهيم وهو أرقى من الأول نظمًا وموضوعا؛ فإن معظم قصائده في الأمور العامة من اجتماعية وسياسية، وما في معناها كمدح الأستاذ الإمام (تغمده الله برحمته) ، وبهذا صار شعر حافظ عزيزًا شريفا، واشتهر في كل قطر يتبوأه أهل العربية، ولو كان كسائر الشعراء، لا يكاد ينظم إلا في مديح الأمراء والوجهاء، لما طار صيته في البلاد، ورددت شعره ألسنة الناطقين بالضاد، فإنه وقد بذ المعاصرين تنقيحًا وتحريرا، لم يبذهم تخيلاً وتأثيرا، فإن شعره أقرب إلى عالم الحقيقة منه إلى عالم الخيال، فلولا شرف معناه لما سلم من الابتذال، حتى ليعجز عن إعلاءه الأمير والسلطان، على استغنائه عن تهذيب صبري وصقل سلمان [١] ، وهاك هذا النموذج منه الآن. (لسان حال اللغة العربية) رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ... وناديت قومي فاحتسبت حياتي [٢] رموني بعقم في الشباب وليتني ... عقمت، فلم أجزع لقول عداتي ولدت ولما لم أجد لعرائسي ... رجالاً وأكفاء وأدت بناتي [٣] وسعت كتاب الله لفظًا وغاية ... وما ضقت عن آي به وعظاتي فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ... وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي فيا وَيْحَكُم أبلى وتبلى محاسني ومنكم - وإن عز الدواء - أُسَاتي [٤] فلا تكلوني للزمان فإنني ... أخاف عليكم أن تحين وفاتي أرى لرجال الغرب عزًّا ومنعة ... وكم عز أقوام بعز لغات أتوا أهلهم بالمعجزات تفننًا ... فيا ليتكم تأتون بالكلمات أيطربكم من جانب الغرب ناعب ... ينادي بوأدي في ربيع حياتي ولو تزجرون الطير يومًا علمتم ... بما تحته من عثرة وشتات سقى الله في بطن الجزيرة أعظمًا ... يعز عليها أن تلين قناتي حفظن ودادي في البلى وحفظته ... لهن بقلب دائم الحسرات وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق ... حياءً بتلك الأعظم النخرات أرى كل يوم بالجرائد مزلقًا ... من القبر يدنيني بغير أناة وأسمع للكتاب في مصر ضجة ... فأعلم أن الصائحين نعاتى أيهجرني قومي عفا الله عنهم ... إلى لغة لم تتصل برواة سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى ... لعاب الأفاعي في مسيل فرات فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة ... مشكلة الألوان مختلفات إلى معشر الكتاب والجمع حافل ... بسطت رجائي بعد بسط شكاتي فإما حياة تبعث الميت في البلى ... وتنبت في تلك الرموس وفاتي وإما ممات لا قيامة بعده ... ممات لعمري لم يقس بممات *** (مسامرات الشعب) (قصة قاطع الحبل) أتمت إدارة المسامرات طبع هذه القصة، وهي من القصص الغربية في تناسق حوادثها. ينتهي الجزء الأخير منها (وهو السادس) ببيان سوء عاقبة الجناة والآثمين، وحسن عاقبة أهل الوفاء والإخلاص. فعسى أن يعتبر القارئون لها بذلك. *** (مجلة الإنسانية) قد عاد الشيخ إبراهيم الدباغ إلى إصدار هذه المجلة مستقلاًّ بها، فعسى أن يلاقي من الإقبال عليها ما يستحقه أدبه، ويكون عونًا له، ومنشطًا على الارتقاء بها إلى منتهى ما يصل إليه استعداده. *** (كوكب أفريقية) (جريدة أسبوعية سياسية أدبية علمية، فلاحية تجارية صناعية، تصدر كل يوم جمعة. مدير تحريرها السيد محمود كحول) . من فضلاء الجزائر وهو يصدر الجريدة فيها. وقد وافانا العدد الثاني منها الذي صدر في ١١ربيع الأول، فسررنا به سرورًا عظيمًا؛ لأن إخواننا مسلمي الجزائر، كانوا محرومين من هذا العمل العظيم (الصحافة) . فنحن نرحب بهذه الجريدة، ونرجو لها من صميم أفئدتنا التوفيق للإرشاد النافع، ونحث القراء على الإقبال عليها، وشد أزرها. *** (المنير) جريدة أسبوعية جديدة أصدرها في تونس محمد الشاذلي المورالي من فضلاء الكتاب المشهورين فيها. وقد بَيَّنَ من سياستها في العدد الأول ما هو خير سياسة يرجى نفعها، كالحض على نشر العلم بطريقه الإسلامية، والتأليف بين المتعلمين في جامع الزيتونية، والمسلمين في المدارس النظامية، وتحري المباحث التي تتعلق بشؤون المسلمين، وتحامي ثلب الأعراض. فنسأل الله - تعالى - أن يوفق صاحب هذه الجريدة إلى خير ما قال، وينفع بجريدته القارئين.