للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: نصير الدين أفندي أحمد محرم


الشعر العصري
لحضرة الشاعر العصري المجيد نصير الدين أفندي أحمد محرم

هل الدين إلا ما رأى المتأمل ... فماذا نرجّي أو، فمَن ذا نؤمّل
تحمل عنا اليوم، أو كاد ركبه ... حَنَانَيْكَ فينا أيها المتحمل
حنانيك فينا إن تكن ثَمَّ ريبة ... فإن عقابًا يدرأ الشر أجمل
غوينا، فلا الداعي إلى الخير بيننا ... يُعان، ولا الداعي إلى الشر يخذل
ألا رب هادٍ مرشد، خاب سعيه ... وقد كان عهدي أن يخيب المضلل
عذلنا غُواة الناس، فازداد غيّهم ... كذاك غواة الناس أيَّان تعذل
أيا قومنا، والنفس جمّ عناؤها ... أما فيكم من ذي رشاد فيعقل؟ !
ألمّا يَئِنْ أن تبصروها محجَّة ... هي الحق ما عنها لذي الحق معدل
دعونا فأسمعنا إليها كما دعا ... فأسمع رعد في السماء مجلجل
وجدناكمو في مجهل من أموركم ... وكل أمور المبغض النصح مجهل
لقد قتلت منكم نفوس كرائم ... وقد تتبع الغيّ النفوس فتقتل
بنى لكم الآباء مجدًا مؤثلاً ... تساما فما يحكيه مجد مؤثل
سلامٌ عليكم كيف مالت عروشه؟ ... وكيف هوت أطواده الشمّ من عل؟
غدا دارسًا كالربع عفى رسومه ... جنوب تجر الذيل فيه وشمأل
أصم إذا ساءلته عن قطينه ... وهل يسمع الربع اليباب فيسأل
بَني الدين يدعوكم إليه نصيره ... فلا تخذلوه يا بني الدين تخذلوا
دعوتكم إني إلى الله راغب ... وإني بأن أدعوكم لموكل
وفي النفس مما استودع الدين حاجة ... تجيش لها همًا كما جاش مرجل
فإن أبدها هالت وإن أخفها أبت ... فيا ليت شعري أي أمريّ أفعل
جهلتم فأنآكم عن الخير جهلكم ... ألا هكذا شأن الفتى حين يجهل
عدلتم عن النهج السويّ وجُرتم ... أما فيكم مَن لا يجور ويعدل؟ !
لقد عطلت تلك الحدود ولم نكن ... نخال حدود الله يومًا تعطل
ألا ليت شعري والحوادث جمة ... تجدّ بهذا الخلق طورًا وتهزل
أبدّلت الأرضون والناس أم ترى ... ليالينا اللائي بنا تتبدل
أَهَبْت فهل أسمعت أم تلك دعوة؟ ... تظل بها هوج الرياح تنقّل
عفاء على الدنيا إذا الدين لم يسُد ... عليها كما قد كان والدهر مقبل
***
هذه قصيدة الشاعر المفلق نابغة شعراء المشرق. حضرة محمد أفندي حافظ
يهنئ بها حضرة العلامة صاحب الفضيلة مفتي الديار المصرية لتوليه منصب
الإفتاء الجليل:
بلغتك لم أنسب ولم أتغزل ... ولما أقف بين الهوى والتذلل
ولما أصف كأسًا ولم أبكِ منزلاً ... ولم أنتحل فخرًا ولم أتنبّل
فلم يُبق في قلبي مديحك موضعًا ... تجول به ذكرى حبيب ومنزل
رأيتك والأبصار حولك خُشّع ... فقلت: أبو حفص ببرديك أم علي
وخفّضت من حزني على مجد أمة ... تداركتها والخطب للخطب يعتلي
طلعت له باليُمن من خير مطلع ... وكنت لها في الفوز قدح ابن مقبل
وجردت للفُتيا حسام عزيمة ... بحدَّيه آيات الكتاب المنزّل
محوت به في الدين كل ضلالة ... وأثبت ما أثبت غير مضلل
لئن ظفر الإفتاء منك بفاضل ... لقد ظفر الإسلام منك بأفضل
فما حل عُقد المشكلات بحكمة ... سواك ولا أربى على كل حوّل
هذا ما جاء في مصباح الشرق بنصه، وما كان مصباح الشرق مبالغًا في مدح
هذا الشاعر البليغ، ولقد هُنِّئ الأستاذ بقصائد كثيرة منها ما نُشر في الجرائد،
ولكن ما كان أحد منهم ليداني محمد حافظ أفندي، بل قلَّما رأينا في منظوم العصر
مثل هذه الأبيات في جزالتها العربية وبلاغتها، فإذا ظل الحافظ حافظًا لشعره
بإحلاله محله، ووضعه في مواضعه، كهذه المرة، وبالنظم في المسائل الاجتماعية
(كالقصيدة السابقة) - لا بد أن يكون له في عالم الآداب العربية مكان رفيع.