للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(سفر صاحب المنار إلى الهند)
إجابةً لدعوة جمعية ندوة العلماء إياه لحضور احتفالها السنوي
جمعية ندوة العلماء في لكنوء أشهر من نار على علم وقد سبق لنا التنويه بها
في المنار والكلام عن احتفالها بتأسيس مدرستها (دار العلوم) فهي جمعية إصلاحية
من أنفع ما توجهت إليه همم المسلمين في هذا العصر لإحياء العلوم الدينية ووسائلها
بأخذها من لغتها (العربية) مباشرة والعناية بتعليم هذه اللغة بل جعلها لغة المدرسة
الرسمية. وبنشر هداية الإسلام والتأليف بين أهله، كل ذلك معروف مشهور،
وأمراء المسلمين وعقلاؤهم في الهند يؤيدون الندوة ويمدونها بالمال، وحكومة الهند
نفسها راضية عنها وتعطيها من خزينتها إعانة سنوية.
كتب إلي صديقي العلامة الشهير الشيخ شبلي النعماني أحد الأساطين التي قام
عليها بناء هذه الجمعية ومحرر مجلتها (ندوة العلماء) بأن أركانها وأعضاءها
العاملين قرروا دعوة هذا العاجز إلى حضور احتفال الندوة الذي يكون في أول
أبريل من هذا العام، والتصدر في محفلها الشريف الذي يحضره العلماء الأعلام،
والأمراء الكرام، وقال أعزه الله: إنهم يرجون بإجابتي لدعوتهم، مزيد الإقبال من
عظماء البلاد على ندوتهم، وهذا من المبالغة بحسن ظنهم بهذا العاجز أو المجاملة
له.
تعارض في إجابة هذه الدعوة الشريفة المانع والمقتضي بل ثم موانع كثيرة
أهمها قرب العهد بتأسيس مدرسة (دار الدعوة والإرشاد) وشدة الحاجة إلى أن
يكون ناظرها ومديرها هو الذي يتولى أمرها بيده، ولكن حق هؤلاء الإخوان
العظام أركان ندوة العلماء مما لا يمكن التقصير فيه، ولسائر إخواننا مسلمي تلك
الأقطار حقوق علينا يجب أداؤها وإن لم يطالبوا بها، كما أننا نرجو أن نستفيد في
مثل هذه الرحلة من علومهم ومعارفهم، ومن مشاهدة اهتمامهم بالعلم والإصلاح ما
نحن في أشد الحاجة إليه، فإن مسلمي الهند ومسلمي مصر هم الذي يتمتعون
بالحرية التي يمكنهم أن يخدموا بها دينهم وأنفسهم دون سائر المسلمين.
شاورت في هذه الدعوة إخواني أعضاء مجلس إدارة جماعة الدعوة والإرشاد
فأجمعوا على استحسان الإجابة وأن أكون فيها ممثلاً لهم؛ لأن مقصدنا ومقصد
الندوة واحد وهو إصلاح التعليم الإسلامي وترقية شأن الإسلام والمسلمين. وكذلك
شاورت غيرهم من الإخوان فكانت كلمة الجميع واحدة فأجبت الدعوة وعزمت،
وعلى الله توكلت.
وكان سفرنا من القاهرة إلى بورسعيد قبل ظهر يوم الثلاثاء ٢٣ ربيع الأنور
وركبنا الباخرة (مولتان) من بواخر الشركة الشرقية الإنكليزية وفيها كتبنا هذه
السطور، ونسأل الله التوفيق وبلوغ المقصود.
* * *
(مدرسة دار الدعوة والإرشاد)
اخترنا أن يكون فتح دار الدعوة والإرشاد في ليلة تذكار المولد النبوي
الشريف تفاؤلاً وتيمنًا بأن تكون هذه المدرسة مجيبة لدعوته صلى الله عليه وسلم في
العالمين، وناشرة لهداية سنته بين أحق الناس بها من المسلمين، وقد وفق الله عز
وجل وأقبل طلاب القسم الداخلي في تلك الليلة المباركة على المدرسة فباتوا فيها
وكانت ليلة الجمعة الشريفة. ثم بُدِئَ بإلقاء الدروس فيها للقسمين الداخلي والخارجي
يوم السبت ١٣ لربيع الأنور ولله الحمد، ويتذكر القراء أننا نشرنا النظام الأساسي
لجماعة الدعوة والإرشاد في ليلة المولد النبوي من العام الماضي أيضًا.
وقد كان من قضاء الله وقدره أن أسافر إلى الهند في هذا الشهر بعد افتتاح
المدرسة وانتظام الدروس فيها، فاخترت أن ينوب عني في أعمالها الإدارية المؤقتة
الشيخ أحمد العبد (ابن الشيخ سليمان العبد شيخ الشافعية في الجامع الأزهر) وهو
مدرس للعربية والفقه وأن يكون ذلك تحت مراقبة لجنة المدرسة، وأن يكون الذي
يمضي عني والمسئول عن عمل الناظر هو من يعينه مجلس إدارة الجماعة نائبًا
عني في رياسة اللجنة مدة سفري. وقد عرضت هذا الاختيار على مجلس الإدارة
فأقره.
* * *
(مدرسة علمية في الكويت)
العرب أعرق الأمم في العلم والمدنية والفضائل تدل على ذلك لغتهم الراقية
الواسعة. ويشهد لهم به التاريخ، فشريعة حمورابي أقدم الشرائع المعروفة كانت
عربية والشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع ومكملتها عربية، والمدنيتان الآشورية
والمصرية أصلهما عربي وكل ما بعدهما مقتبس منهما ومبني على أساسهما كالمدنية
اليونانية والرومانية.
وللعرب في التاريخ القديم نومات طويلة، تتلوها هبات ووثبات قوية، وكانت
نومتهم قبل الإسلام أطول نوماتهم زمنًا، وهبتهم بعدها أشرفها وأعلاها أثرًا، وقد
عادوا إلى النوم بعدها وتاريخهم يصيح بهم من ورائهم، وتلاميذهم في الحضارة
يهبون من أمامهم: النوم في هذا الزمان سبات، فمن نام مات، ومن مات فات،
ونحمد الله أن نراهم يستيقظون، وإن أنشئوا يفكرون ويعملون، ولكنهم في عملهم
متحيرون.
ومن أكبر المشروعات العلمية التي هي مناط الرجاء وموضع الأمل ما
توجهت إليه همة الشيخ مبارك آل الصباح صاحب الكويت من إنشاء مدرسة علمية
دينية في بلده تكون مثابة للتربية القويمة والتعليم النافع الذي يحيي البلاد ويرقي
أهلها في أنفسهم وفي أعمال معايشهم، ويَسْتَوْري زناد الذكاء العربي الكامن في
فطرتهم، وإن هذا الشيخ الجليل في عقله وغيرته وسعة تجاربه ومكانه من الندرة
في الأمة العربية لجدير بأن يأتي هذا العمل من بابه، وينوطه بأربابه.
اختار أن يكون لهذه المدرسة لجنة تتولى جمع المال لها، وتتعاون على
إنشائها وإدارتها، ليكون ذلك من تربية الأمة على الأعمال الاجتماعية التي يرجى
دوامها، ويجعل كثيرًا من الفضلاء يغار عليها، ولو شاء لأنشأها من ماله الخاص
وما ذلك على كرمه وسخائه ونجدته بكبير، وما اختاره هو الأولى والأنفع إن شاء
الله تعالى.
تألفت اللجنة برياسة نجله الكريم الشيخ ناصر مبارك الصباح وجمعت من
التبرعات لأول وهلة ما يبشر بحسن العاقبة ونجاح العمل. وكان أول من لبى
الدعوة، وسبق إلى تأييد هذه المبرة، صديقنا المحسن العظيم، الشيخ قاسم بن
محمد آل إبراهيم، فقد تبرع لها بألفي جنيه وتبرع غيره من آل بيته الكريم بمبالغ
عظيمة يليه منهم الشيخ عبد الرحمن إبراهيم.
وقد كتب إليّ هذا الصديق الأبرّ الأوفى من بومباي أن لجنة المدرسة كلفته أن
يطلب مني وضع برنامج للتعليم في هذه المدرسة وأن أختار لها المعلمين الأكفاء
فكان هذا الطلب نعمة له ولأعضاء اللجنة أن يمنوها عليّ إذ رأوني أهلاً
لمشاركتهم في هذه الخدمة الجليلة. وقد كتبت إليه ثم إلى اللجنة أسأل عن وقت
فتح المدرسة وعدد من يُرجى أن يكون فيها من الطلاب ودرجة معرفتهم، وغير ذلك
من المسائل التي يتوقف عليها تنفيذ ما شرفوني بطلبه مني. وقد كتبت هذه النبذة
قبل أن يجيئني الجواب منهم ببيان ما سألت عنه، وكنت أخرت الكتابة انتظارًا
لجوابهم ليكون الكلام أوسع فائدة.
واتفق في أثناء ذلك أن جاءتني دعوة جمعية ندوة العلماء الهندية إلى حضور
احتفالها السنوي في هذا العام، واقتضت الحال أن أجيب الدعوة وأن أزمع السفر
قبل مجيء الجواب من الكويت في بيان ما سألت عنه، وستكون المذاكرة الأولى
في ذلك بعد وصولنا إلى بومباي إن شاء الله تعالى.
* * *
(الحرب في طرابلس الغرب وبنغازي)
بلغت أخبار انتصار المسلمين على الإيطاليين في طرابلس الغرب وبنغازي
إلى درجة التواتر لكثرتها وتعدد رواتها بالبرقيات والرسائل ومشافهة مَنْ حضروا
مِنْ ميادين القتال وهم كثيرون.
وقد قال لنا غير واحد ممن شهدوا الوقائع بأنفسهم: إنهم لو لم يشاهدوا
بأعينهم لما صدقوا أن الأمر وصل إلى هذا الحد الذي يكاد يكون من خوارق العادات.
وقد علمنا منهم أن الموسم في هذه السنة لم ير أهل البلاد مثله من أعوام كثيرة
وأن الغنائم عظيمة، وأن الإيطاليين قد أسرفوا في إطلاق قذائف مدافعهم من البر
والبحر من غير حاجة في الغالب حتى إن العرب صاروا يقولون: هلموا بنا
نضحك عليهم: فينصبون لهم قبل الفجر أشباحًا فإذا رأوها في أول النهار بنظاراتهم
أمطروا عليها نارًا من مدافعهم قبل أن يتبينوها، وأن الشجاعة التي ظهرت من
العرب قد أدهشت العالم كله، فنسأل الله تعالى حسن العاقبة.
* * *
(في مستقبل إيران [*] )
كتب مينشيقوف في جريدة (نوفيه فريمه) بمناسبة إرسال الجنود الروسية
إلى إيران هكذا.
يجب أن نتبصر ونتأمل جيدًا في فرقنا الجزائية المرسلة إلى إيران حتى لا
تكون النتيجة جزاء علينا، ربما يستقبل الفدائيون عساكرنا في شمال إيران بعد
الاتحاد مع أهل الخيام وعامة الإيرانيين ويثورون جميعًا علينا في جهات شتى وهذا
الشكل من الحرب أصعب من الحروب النظامية الكبيرة لاسيما في بلاد مثل إيران
التي ليس فيها شيء من السكك الحديدية وأبناؤها لايزالون بين التوحش والتمدن
وهم مسلحون ببنادق الروس , وإيران الشمالية ليست قوقاسًا ولكنها تشابه القوقاس
مشابهة تامة من جهة طبائع أبنائها وانتسابها إلى مدنية الإسلام وأحوالها الأخرى.
حروب فرقنا الجزائية في القوقاس امتدت ٥٠ عامًا وأنفق عليها من الأموال أكثر
مما أنفق على حرب بروسية في زمن القيصرة يليزاويته ولكن كانت نتيجة تلك
الحروب أن ملكنا تلك البلاد الواسعة والأراضي الجيدة. لو كان الإنكليز في محلنا
أو النمساويون لكانوا استفادوا فوائد حتى بنسبة الألف إلى المئة مما أنفقوا من
الأموال لأجل استيلائهم عليها. أما إيران فأي فائدة يمكننا أن نستفيد منها؟ ومن
المعلوم أننا لا نحارب حكومة إيران؟ فإذًا كيف نسترد الأموال التي ننفقها هناك؟
توجد عساكر الروس في إيران منذ ثلاث سنين فإذا لم يكن وجودها فيها من غير
شغل سببًا في استتباب الأمن بل سببًا في تقوية الحكومة الاحتلالية فلا تكون نتيجة
سكوت عساكرنا الجدد الآن غير الذي عرفنا من قبل وإن كانوا الآن قد ازدادوا عددًا.
وأما إذا أظهرت جنودنا شيئًا من الحركة الفعالة فهذا يعد من الحرب.
أسأل مرة ثانية من أين نسترد أموالنا التي ننفقها في إيران وجرت العادة أن
يستولي المحاربون على أراضي العدو ضمانًا للنفقات التي ينفقونها على الحرب؟
فالواجب علينا إذًا إما أن ننفق النفقات الكبيرة لأجل الإيرانيين تبرعًا ونخمد لهم
الثورات في بلادهم وإما أن نحارب حقيقة ونستولي على مقاطعتي أذربيجان
وخراسان ولكن إنفاق الذهب وإراقة الدماء لنفع الأجانب عادةً قد قدمت فلا نعلم هل
ترضى بذلك وكالة الأمة (مجلس الدوما) أم لا ترضى؟
يظهر أن المقصد من إرسال فرق الجزاء هو استتباب الأمن تمامًا في شمال
إيران وذلك لا يتم إلا بإقامة عساكر الروس فيها مدةً طويلةً كما هي الحال في مصر
وولايتي بوسنة وهرسك , ولا يخفى أن إشغال إيران بالجنود على هذه الكيفية يكون
مقدمة لتقسيمها تمامًا , وأرى أن عمل ما هو المقصود بالذات حالاً من غير تأخير
أولى وأحسن من التطويل في الأمر من غير فائدة.
لم يتداخل أحد في ضم اليابان لكوريا، ولا في ضم النمسة لولايتي البوسنة
والهرسك. وكذلك عملت فرنسة ما أرادت في مملكة فاس - وإن تداخلت بعض
الدول - وبقيت تركية وحدها (من غير نصير) في تسلط إيطالية من غير حق
على طرابلس الغرب وهكذا ...
فينبغي لروسيا إذا كانت تتوقع منافع دولة كبيرة في إيران أن لا تحجم عن أي
شيء ولا عن إنفاق النقود الكثيرة. لو صادف روسيا في إيران أدنى شيء من عدم
التوفق وسوء الحظ ولو وقتيًّا يتولد منه ثلاث فتن وهي من جهة تركية والقوقاس
وتركستان فيجب علينا إنهاء العمل في إيران بسرعة زائدة وبصورة توافق
مصالحنا.
حفظنا الله إذا كانت تشبه حركة جنودنا في إيران الآن بحركتها في حرب
(تكة التركمان) وامتد بها الزمان حينئذ يجب أن نحسب أن قيام الثورات في
القوقاس وفي تركستان واقع لا محالة. رؤساء الحركة ضد الروس في القوقاس هم
الأرمن وفي تركستان اليهود. أهالي تركستان أخذوا ينسون الآن تمام النسيان ما
رأوا من يرمولف وأسقوبلف ويفدو كيموف وشير نايف وما دهاهم من ضربات
هؤلاء الأبطال.
ومن الأسف أنه لا يرى في الدور الأخير في تاريخ الروس مثل أولئك
البواسل , وفي السنين الأخيرة أخذت البغضاء والعداوة بالتيقظ في تركستان لكل
شيء أتى من جهة الروس , ووقائع أنديجان وبخارى تدلان على وجود النار تحت
الرماد , ومما يندهش له الإنسان عدم القبض على سليم خان في القوقاس إلى الآن.
فإذا أصاب عساكر الروس شيء من الهزيمة في إيران فمن المؤكد بدء دور
جديد لسليم خان يشبه دور الشيخ شامل في السنين الماضية. فيلزم مع إرسال
العساكر إلى إيران في آن واحد تقوية جنودنا في حدود تركية وفي القوقاس
وتركستان. وإذا لم نفعل ذلك يمكن ظهور أحوال مؤسفة جدًّا.
وقال مينشيقوف في آخر مقالته هذه: الإنكليز والروس لا يستعبدون الأقوام
الذين يستولون على بلادهم بل يخلصونهم تخليصًا وأنا أمين ومطمئن جدًّا أن أهالي
بولونيا والهند ومصر وكوريا وفاس يستقلون من جديد بعد قرون عديدة وتكون
كل واحدة من هذه الأمم دولة متمدنة بعد الفوضوية الأولى ويصرن ذوات اقتدار
على حفظ استقلالهن لعل ذلك يكون أحسن وأمثل طريق لإيران.
* * *
(أخبار شتى عن أحوال العالم الإسلامي)
أخبار بخارى
يستعدون لإصلاح الطرق ورصف شوارع بخارى، وعدد الشوارع التي يراد
رصفها بالحجارة ثلاثة وستون شارعًا على ما يسمع. ولكنه بناء على احتمال أن
بعض العلماء يوهمون الأهالي عدم جواز ذلك في الشريعة استنسبوا الآن إصلاح
بضعة شوارع فقط. وكذلك ينقلون كراهة بعض العلماء ومعارضتهم لمشروع تدابير
وتنوير البلد بالكهربائية. ومن العجب أن أرمنيا استأجر قصرًا كبيرًا لمدة عشر
سنين يريد فتح سينماتوغراف فيها ولم يسمع من أحد كلمة في جواز ذلك أو عدمه.
* * *
(بخارى)
ستة من ضباط أركان الحرب يتنقلون في بلاد بخارى حيث يفتشون الأحوال
ويأخذون الحساب. كثير من هؤلاء المأمورين اشتهروا بموالاتهم وتحقيقاتهم في
بخارى ومعهم كثير من الفرسان اهـ عن وقت نمرة ٨٣٦ أغسطس سنة ٩١٢.
* * *
(السكة الحديدية الجديدة في بخارى [*] )
فرقة من أغنياء تركستان رئيسهم اسكوتسكي (روسي) أخذوا الرخصة من
حكومة بخارى لوصل كثير من بلاد بخارى بالسكك الحديدية القصيرة محطات
السكك الحديدية في آسيا الوسطى. وكذلك صدق السفير الروسي هذه الرخصة.
* * *
(إيركوتسكي)
قر رأي مجلس بلدية إيركوتسكي على إعطاء ١٦٨٠ روبل لمدرسة المسلمين
هناك كل سنة. وصدق الوالي ذلك القرار بشرط افتتاح قسم اللغة الروسية للبنين
والبنات في المدرسة. والمسلمون الآن هناك يطلبون أن يكون المعلم والمعلمة من
المسلمين لتعليم اللغة الروسية في تلك المدرسة.
* * *
(حول دار المعلمين)
هي مدرسة روسية خاصة بالتتر تهيئ منهم المعلمين لتعليم اللغة الروسية ,
كان في بلدة قزان في يومي الثاني والثالث من شهر أغسطس امتحان الدخول في
دار المعلمين والذين يريدون الدخول فيها في هذه السنة يزيدون على سبعين. ولا
يقبل منهم إلا خمسة وعشرون تلميذًا. وبينهم كثير من طلبة المدارس الإسلامية
حتى من الذين أتموا الصنوف العالية فيها واستلموا شهادة التدريس من المشيخة
الإسلامية في بلدة أوفا. وكانت تلك تحار في أول افتتاحها من جهة عدم وجود
الطلبة الراغبين بالانتساب إليها.
* * *
(مسلمو الصين في منشورية)
بناء على دعوة إسماعيل أفندي إمام بلدة خاربين في منشوريا ذهبنا إلى بلدة
(فودزه دن ٩ وتفرجنا على مساجد مسلمي الصين ومكاتبهم. الفرق قليل بين
مساجدهم ومساجدنا. وهذا الفرق هو مثل عدم وجود المنارة وصورة الهلال في
مساجدهم ووجودها في مساجدنا، ومزين داخل مساجدهم بأنواع البسط وخصوصًا
بمصابيح الكهرباء (كذا) .
يرى الداخل قرب الباب من الطرف الأيمن صورة ثعبان كبير من الحجر
مصبوغ بعدة ألوان وهو شعار دولة الصين، وقد بلغنا أنهم مجبرون على وضعه
في كل مسجد من مساجدهم , وهم لا يُصلون في مساجدهم غير الجُمع والأعياد ,
ولا يوجد في الجُمع أكثر من ثمانين شخصًا.
ورأينا في فناء المسجد بيتًا للمسافرين يوجد فيه في كل وقت مقدار عشرة من
الغرباء والمسافرين. ويبلغ عددهم في أيام الجمع والأعياد أربعين أو أكثر والخدمة
في هذا البيت وإطعام الضيوف (المسافرين) فيه مجانًا في يد واحد من أغنيائهم،
وسائر الحاجات منوطة بأهالي المحلة , ويوجد بقرب دار المسافرين حمام ذو ثمان
حجرات لاغتسال من يريد. وفيه الماء الفاتر والمناشف والخدمة وهو مفتوح في
كل وقت، ودخلنا مكتبهم فإذا هو أحط وأدنى من حمامهم , ولكن بنوا في هذه السنة
مكتبًا بهمة واحد من أغنيائهم ولا بأس به. وعمروا القديم وجعلوه لسكنى الإمام ,
والطلبة في مكتبهم قليلون جدًّا وكان عددهم في الشتاء عشرة فقط وهم أولاد أئمة
القرى. أما التجار والزراع فهم لا يفكرون في تعليم أولادهم ولا يشعرون بالحاجة
إليه فلا يوجد في المكتب تلميذ واحد من هذه البلدة وفيها ٣٠٠ بيت فيقاس على حال
تلك البلدة أحوال مسلمي بلاد الصين الأخرى.
مسلمو هذه البلاد لا يطلبون العلم إلا بقدر ما يوجد إمام بعد موت كل إمام وهم
مع جهالتهم هذه متعصبون لدينهم غاية التعصب فهم لا يختلطون بالتتر قط؛ لأنهم
أي (التتر) يأكلون لحم الفرس ويشربون الدخان ومنهم من لا يقصون الشارب
حتى إنهم يعدونهم من الكافرين , يوجد في محلة التتر عشرة من بيوت مسلمي
الصين رجال بيتين منهم قد يصلون الجُمع والأعياد في مسجد التتر أما الباقون فهم
يذهبون إلى مساجدهم في (فودزه دن) وإن بعدت عليهم الشُّقَّة.
* * *
(تفتيش كتبخانة شيلاني)
فى ١١ يوليو وقت الظهر تمامًا أجرت شرطة شيلاني تفتيشًا في دار كتب
(كتب خانة) المسلمين ودام التفتيش ساعة ونصف ساعة وأخذوا الكتب التي تذكر
أسماؤها بعد للنظر والمطالعة وهي: تفسير الفاتحة، الإسلام والنصرانية، ترجمة
تاريخ أفغان، فرياد، سياحت الكبرى، وجدان محاكمه سي خيوه، صلاح الدين
أيوبي، دور عالم، أوكي بالألر (يعني الأيتام) ، يابون محاربه سي، روسيه
مسلمًا نلرينك احتياجلرى، روسيه أيله تركيه محاربه سي، زندان، ملت قايفوسى،
مرآت مجله سي، دارونكيكة رديه يعني (الرد على دارونكين ٩، حقيقت
يازغى توياش، الشمس الربيعية، أشعار مير عزيز الأوقماصي، صبح صادق،
مجلات المنار، العصر الجديد ٥٧ كتابًا أيضًا جلدت بتلك الكتبخانة المار ذكرها.
وكان التفتيش بسعاية واحد من شبان التتر المستفيد باستعارة بعض الكتب من هذه
الكتبخانة.
* * *
(الإعانات الطبية)
خصصت الحكومة لصحة المهاجرين في ولايتي أورغال وتورغاي ١٨١٠٠٠
روبل وقد لا يصيب جميع مسلمي الولايات الشرقية هذا المقدار من الإعانات الطبية.
* * *
(استفادة الناس من الكتبخانة)
استفاد بمطالعة الكتب في الكتبخانة الإسلامية (نجات) ببلدة طرويسكي من
أول السنة إلى شهر يوليو (أو أغسطس) أحد عشر ألف شخص وأكثر الاستفادة
كان في شهري فبراير ومارس ثم يناير وفي يونيو كان ٧٣٤ شخصًا فقط.

* * *
(وفاة عالم مأسوف عليه)
توفي في أول أغسطس إمام قرية بيوك قارامالي في لواء تتوش التابع لولاية
(قزان) محمد عالم بن خالد وكان عمره خمسًا وثمانين سنة رحمه الله. ومدة
إمامته في تلك القرية ٥٥ سنة. كان رحمه الله على ما يروون يشتغل زمن شبابه
في الصيف على شاطئ نهر فولغا بسبب فقر أبيه أو يعلم أولاد القوزاق ويكسب من
ذلك شيئًا من النقود ثم يدخل المدرسة ويجتهد في تحصيل العلم. وبعد إمامته كان
مثالاً حسنًا لقومه باجتهاده وجوده وأعماله المفيدة الأخرى. بنى باجتهاده مدرسة
لتعليم أولاد المسلمين وعلم كبار القرية علم تربية النحل وتربية الحدائق والأشجار
المثمرة. وكان لا يطمع بشيء من الناس وفضلاً عن ذلك كان ينفق كثيرًا من أمواله
في الخيرات مثل تعمير المسجد والمدرسة ومجاري المياه.
منذ زمان غير بعيد بنى أهالي هذه القرية التي كانت أولاً مشهورة بالفقر
المدقع مسجدًا كبيرًا ومدرسة جيدة من غير طلب إعانة من الخارج. ويعلمون
أولادهم فيها على الأصول الجديدة. وكذلك فتحت فيها مدرسة ابتدائية لتعليم اللغة
الروسية ويوجد الآن فيها كثير من متخرجي المدارس الثانوية الروسية، كل ذلك
باجتهاد وإرشاد ذلك العالم الفاضل الذي توفي يوم الإثنين أول هذا الشهر.
وخلف أربع بنات وستة بنين، واحد منهم الآن في مدرسة الصنائع في بلدة
قزان والثاني في مكتب التجارة والآخرون أئمة مثل أبيهم، وكان رحمه الله حليمًا
سخيًّا ولم يدع مدة عمره أحدًا جاء بيته من طالبي المعروف من غير أن يسعفه حتى
إنهم ينقلون عنه أنه دفع عدة مرات ثوبه الأخير للمحتاجين، وكان يشتغل إلى حد
مرض موته في حديقته وهو محتذ حذاء الفلاحين وكان جيد السمع ويطالع الكتب
والجرائد من غير عوينات (نظارات) ولم يترك صلاة ولا صيامًا منذ بلوغه جعله
الله في رحمته الواسعة وألهم أهل بيته الصبر الجميل.
... ... ... ... ... ... ... واحد من الحاضرين لجنازته